بكت الديار - تخميس قصيدة (إن كان عندك عبرة تجريها) محمد عبدالرضا الحرزي
بَكَتِ الدِّيارُ على افتِقادِ بَنيها=فأطِلْ وُقوفَ العيسِ يا حاديها
أَوَ ما سَمِعتَ بُكاءَها لِذَويها=إن كان عِندَكَ عبرةٌ تُجريها
فانْزِل بأرضِ الطَّفِّ كي نَسقيها
فلَكَم ألِفتُ بها سَراةَ عَشيرةٍ=بيضَ الخِصالِ و ثَمَّ دارُ مُروءةٍ
رُحماكَ فاندُبها لِكُلِّ كريمةٍ=فعسى نَبُلُّ بها مَضاجِعَ صَفوَةٍ
ما بُلَّتِ الأكبَادُ مِنْ جاريها
أنْزَلتُ قَلبي و الدُّموعَ بدارةٍ=لِرُسومِها في العَينِ تَوْأَمُ عَبرةٍ
أسعى بها وَجِلاً ولستُ بِصُحبةٍ=و لقد مَرَرتُ على منازِلِ عِصمَةٍ
ثِقلُ النُّبُوَّةِ كان أُلقِيَ فيها
فحكيتُها و حَكَت حشايَ كأنَّني=مِنها بِقلبٍ يَستَقيمُ و يَنثَني
و كأنَّها منّي بِطَرفٍ لا يَني=فبكيتُ حتى خِلتُها ستُجيبُني
بِبُكائِها حُزناً على أهليها
فَوَقَفْتُ فيها وَيْكَ وَقفةَ مُخبِرٍ=عنها و رَسمُ الدّارِ ليسَ بِمُنكَرٍ
جَلَدي فلِنتُ إلى البُكاءِ بِمَحجَرٍ=و ذَكَرتُ إذ وَقَفَت عَقيلَةُ حَيدَرٍ
مَذهولةً تُصغي لصَوتِ أخيها
لَكأنَّها الزَّهراءُ ساعةَ هَضمِها=و أبو تُرابٍ في دَناءةِ خَصمِها
عَجَباً لأنَّتِها و شِدَّتِ حَزمِها=بأبي التي وَرِثَت مَصائبَ أُمِّها
لَهْفي لَها و لآلِها و لأسرِهِم=لهفي لِحَيدرَ حاسِراً و لأُمِّهِمْ
يا أحمَدُ المُختارُ وهي ككُلِّهم=لم تَلْهُ عن جَمْعِ العِيالِ و حِفظِهمْ
بِفِراقِ إخوَتِها و فقدِ بَنيها
ما إن ذَكِرْتُ مُصابَها إلا جَرَتْ=عَيني فدعْ لومي إذا ما قُرِّحَتْ
فَعَقيلَةُ الكَرّارِ وا أسفي بَدَت=لم أنسَ إذ هَتَكوا حِماها فانثَنَتْ
تشكو لواعِجَها إلى حاميها
مِن قَبلُ كانَتْ و الأُسودُ لها حِمى=وَجِلاً يَمُرُّ بها السَّحابُ إذا هَمى
و اليوم من فرطِ الظَّمى تحكي الظَّمى=تَدْعُو فَتَحترِقُ القُلوبُ كأنَّما
يَرمي حَشاها جَمرَهُ مِن فيها
أَ أُخيَّ و الرُّكبانُ فينا طوَّحَت=و بِلُؤمِها بينَ المَصارِعِ قد مَشَتْ
فلَكُم بَكينا و النِّياقُ لنا بَكَتْ=هذي نِساؤُكَ مَن يَكونُ إذا سَرَتْ
في الأسرِ سائِقُها و مَن حاديها
أرَضيتَ تُسبى يا ابنَ ثابِتِ دينِها=و كَمِيَّ صَهوَتِها و عِزَّ جَبينِها
عُجْ بالفُراتِ و قٌلْ لِلَيثِ عَرينِها=أيَسوقُها زَجرٌ بِضَربِ مُتونِها
و الشِّمرُ يَحدوها بِسَبِّ أبيها
أَ حسينُ بَعْدَكَ لا تَقرُّ عُيونُها=الصَّبرُ يُنجِدُها و فيكَ يخونُها
سارَت وما بَرِحَت عليكَ جُفونُها=عَجباً لها بالأمسِ أنتَ تَصونُها
و اليوم آلُ أُميَّةٍ تُبديها
قد بشَّروا هِنداً بِذاكَ و بارَكوا=و على هَوانِي آلَ صَخرٍ أضحَكوا
و أجَلُّ من هذا بِقَتلِكَ أنهَكوا=حَسرى و عزَّ عَليكَ أن لم يَترُكوا
لك من ثِيابِكَ ساتِراً يَكفيها
أسَفي عليها أم عليكَ نَحيبُها=وكِلاكُما صُمَّ الصُّخورِ يُذيبُها
تنعاكَ مُعوِلةً و أنتَ تَريبُها=و سَرَوْا بِرأسِكَ بالقَنا و قُلوبُها
تَسمو إليه و وَجدُها يُضنيها
تَسمو له و مِثالُهُ كمِثالِها=و ظِلالُهُ لمّا سَما كظِلالِها
إنَّ الأكُف يَمينُها كَشِمالِها=إنْ أخَّروهُ شَجاهُ رُؤْيَةُ حالِها
أو قدَّموهُ فحالُهُ يُشجيها