ومجدك ما خلت الردى منك يقرب
ديوان السيد حيدر الحلي
ومجدِكَ ما خلتُ الردى منك يقربُ=لأنكَ في صدر الردى منه أهيب
أصابكَ، لا من حيث تخشى سهامه=عليك، ولا من حيث يقوى فيشغب
ولكن رمى من غرَّة ٍ ما أصابها=بمثلك رامٍ منه يرمي فيعطب
وما خلتُ منك الداءَ يبلغ ما أرى=لأنك للدهر الدواءُ المجرَّب
ولا في فراش السقم قدَّرتُ أنني=أرى منك طوداً بالأكفِّ يقلَب
أمنتُ عليك النائبات، وأنها=لعن كلّ من آمنته تتنكَّب
وقلت شغلن الدهرَ في كل لحظة ٍ=مواهبُ كفَّيك التي ليس توهب
ولم أدر أن الخطب يجمع وثبة و=أن عشار الموت بالثكل مقرب
إلى حين أردتني بفقدك ليلة ٌ=تولَّد منها يومُ حزنٍ عصبصب
فقام بك الناعي وقال وللأسى بكل=حشاً يدميه ظفرٌ ومخلب
هلمَّ بني الدنيا جميعاً إلى التي=تزلزل منها اليوم شرقٌ ومغرب
شكاة ٌ، ولكن في حشا المجد داؤها=وندبٌ ولكن هاشمٌ فيه تندب
صهٍ أيها الناعي فنعيك يعطب=عضضت الصفا لا بل حشا فاك إثلب
لسانك يا جفَّت لهاتُكَ أو غدت=بريقِ الأفاعي لا بريقكِ ترطب
رويدك رفَّه عن حشاشة أنفسٍ=هفت جزعاً عما تعمَّى وتعرب
فدع صالحاً لي وانع من شئت إنها=ستذهب أحشاء الهدى حين يذهب
فليتك لي في نعيك الناس كلها=صدقت وفي فردٍ هو الناس تكذب
وداعٍ دعا والرشد يقبر والهدى=يسوف ثرى واراه والوحيُ ينحب
ألا تلكم الأملاكُ شعثاً تزاحموا=على من؟ فهل منهم توارى مقرَّب؟
أمستعظمَ الأملاك لا بل هو الذي=إلى الله فيه كلُهم يتقرَّب
لقد رفعوا منه مناكبَ لم يكن=لينهضَ، لولا الله، فيهن منكب
مناكبَ من جسم النبوَّة حمّلت=إمامة حقٍّ فضلها ليس يحسب
لقد دفنوا في دفنها العلمَ ميّتاً=وحسبُكَ نارٌ في الجوانح تلهب
ويا رافديَّ اليوم قوماً على ثرى ً=توارى به ذاك الأغرُّ المهذَّب
قفا عزياً المهديَّ بابنٍ هو الأبُ لذي=الدين، فالدين اليتيم المترَّب
سلا كثبَ ذاك القبر يندي صعيدُه=بريٍّ بني الآمال هل راح ينضب؟
وهل روِّضت خصباً بكفٍ عهدتُها=تنوب منابَ الغيث والعامُ مجدب؟
وهل زال من ذاك المحيّا وضاؤه=فقد راح وجه الدهر للحشر يشحب؟
ضعى هاشمٌ سرجَ العلى وترجَّلى=فما لكِ في ظهر من العزّ مركب
ودونك تقليب الأكفّ تعللاً فقد فات=منك المشرفيُّ المذرَّب
ويا ناهبى دمعي اعذراني على=البكا فما الناسُ إلا عاذلٌ ومؤنب
قفا واندبا أو خليّاني ووقفة ً=يدكّ الرواسي شجوُها حين أندب
أجامعَ شمل الدين شعّب صدعُه=ليومك صدغٌ في الهدى ليس يشعب
وأعجب شيءٍ أن نعشك في السما=ومنك توارى في ثرى الأرض كوكب
رمتك بها أيدي المقادير علّة ً=عييتَ بها ما طبَّها متطبِّب
رجونا وقد أكدى "الرجاء المخيب"=نهنِّيك منها بالشفاء ونطرب
ونجلسُ زهواً مستعدِّين للهنا بنادٍ=به الأمثالُ في الفخر تضرب
بحيث قلوبُ الناس، هذا منعمٌ=سروراً بإنشادي، وهذا معذَّب
بلى قد جلسنا مجلساً ودّت السما=أسرَّتُها من شهبها فيه تنصب
كأنا تأهبنا لأوبة مقبلٍ و=كان ليأسٍ منك هذا التأهب
وهل أملٌ في عود مَن ذهبتْ به=بقاطعة الآمال عنقاءُ مغرِب؟
وأقتل ما لاقيتُه فيك أنني حضرت=ومنك الشخص ناءٍ مغيَّب
وعندي مما أسأر البين لوعٌ=تجدُّ بأحناء الضلوع وتلعب
أقلَّب طرفي لا أرى لك طلعة ً=يضيء بها هذا النديُّ المطيَّب
وأنصبُ سمعي لامتداحك لا أعي=به خاطباً بين السماطين يخطب
ومما شجاني أن بدأ المجدُ ماثلاً=يصعدُّ مثلي طرفه ويصوّب
وقال: وأرخاها جفوناً كليلة ً=برغمى خلا منك الرواقُ المحجب
رزيتُ أخاً إن أحدث الدهر جفوة=عتبت بها فارتدَّ لي وهو معتبِ
وددّتُ بأن تبقى ، وأن لك الردى=فداءاً بمن فوق البسيطة يذهب
حُجَبتَ عن الدنيا، ولو تملك المنى=إذن لتمنَّت في ضريحك تُحجب
فلا نفضت عن رأسها تربَ مأتمٍ=وخدُّك من تحت الصعيد مترْب
ثكلتُكَ بسّامَ المحيّا طليقه فبعدك=وجهُ الدهر جهمٌ مقطّب
أوجهُك حيا أم بنانك أرطبٌ؟ و=ذكرُك ميتاً أم حنوطك أطيب؟
وما نزعوه عنك أم ما لبسَته لدار=البلى أنقى جيوباً وأقشب؟
سأبكيك دهراً بالقوافي ولم أقلْ من=اليأس وجداً ما يقول المؤنّب
لسان القوافي باسم مَن بعد تخطبُ=فلا سمعَ بعد اليوم للمدح يطرب؟
مضى من له كنَّ القرائحُ برهة ً=إذا استولدتها قالة الشعر تنجب
أجل فلها في المجد خيرُ بقيَّة ٍ=لها الفضلُ يعزى والمكارمُ تنسب
لئن عزبت تلك الخواطر نبوة ً=فلا عن ثناهم، والخواطر تعزب
وإن رغبت عن نظمها الشعر في الورى=فليس لها عن أهل ذا البيت مرغب
مضى من له كانت تهذّب مدحها و=أبقى الذي في مدحه تتهذّب
لئن أغرب المطرى بذكر محمدٍ=فما انفكَّ في كسب المحامد يغرب
فتى ً تقف الأكفاء دون سماطه=وقوف بني الآمال ترجو وترهب
أقلُّ علاه أنَّ أذيال فخره لهنَّ=على هام المجرّة مسحب
زعيم قريشٍ، والزعامة فيهم من=الله في الدنيا وفي الدين منصب
حمولاً لأعباء الرياسة ناهضاً=بأثقالها في الحق يُرضى ويغضب
يقلِّب في النادي أناملَ سؤددٍ=مقبّلها زهوراً يتيه ويعجب
إذا احتُلِبت يوماً أرت أضرع الحيا=على بُعد عهد بالحيا كيف تحلب
أخفُّ من الأرواح طبعاً وإنه لذو=همة ٍ من ثقلها الدهر متعبُ
له شيمٌ ، لو كان الدهر بعضها=لأضحى إلينا الدهرُ وهو محبَّب
وخلْقٌ، فلولا إنَّ في الخمر سورة ٌ=لقلتُ الحميّا منه في الكأس تسكب
لنعم زعيمُ القوم إن يثر لم يكن=ليلبسَ إلا ما الندى منه يسلب
لنعم شريكُ السحب يبسط مثلها=بناناً به روض المكارم معشب
تهذّبُ أخلاقَ السحاب، وإنها متى=يجنِ هذا الدهرُ نعم المؤدِّب
ترى وفدَه منه تُطيف بمورقٍ على=جود كفيه الرجاء المشذّب
فقد عرَّست حيث الندى ، لا سحابة=جهامٌ ولا برق المكارم خلَّب
أبا القاسم اسمع لا وعي لك مسمعٌ=سوى مدحٍ ليست لغيرك تخطب
تجلبت ثوب الدهر، فابقَ ومثله=لودَّي إذا أخلقتَه تتجلبب
لئن ضاق رحب الأرض في عظم رزئكم=فصدرُك منه أي وعلياك أرحب
وحلمُك أرسى من هضاب يلملمٍ=وعوُدك من ناب العواجم أصلب
وما حلَّ رزءٌ عزم من شدَّ أزره=أخٌ كحسين والأخ الضرب يطلب
فتى الحزم أما في النهى فهو=واحدٌ ولكنه في موكب الحزم موكب
إذا القوم جدُّوا في احتيالٍ فُحوَّلٌ و=إن قلبوا ظهرَ المجنِّ فقُلَّب
وإن غالبَ الخطبُ الورى فقريعه=أخو نجدة ٍ ما بين برديه أغلب
فلو شحذت فهرٌ بحدّ لسانه=صوارَمها ما كلَّ منهنَّ مِضرب
ولو تنتضي منه اللسانَ لصممّت=بأقطع من أسيافها حين تضرب
يُصافي بأخلاقٍ يروقك أنها هي=الراحُ إلا أنها ليس تقطب
تواضع حتّى صار يمشي على الثرى=وبيتُ علاه في السماء مطنّب
قرى ضيفه قبل القِرى بشرُ وجهه=وقبل نزول النُزل أهلٌ ومرحب
إذا احتلب السحب النسيمُ فكفُّه=على الوفد طبعاً جودُها يتحلَّب
ألا مبلغٌ عنّي الغداة َ رسالة ً للحد=أبي الهادي يقول فيطنب
أبا حسنِ إن تمسِ دارُك والسما=سمائين في أفقيهما الشهب تثقب
فتلك السما سعدٌ ونحسٌ نجومها=على أنها بعضٌ عن البعض أجنب
وهذي السما للسعد كلُّ نجومها=ويخلف فيها كوكباً منه كوكب
فلو عاد للدنيا بشخصك عائدٌ=لأبصرتَ فيها ما يُسرُّ ويعجب
فمن وجهك الهادي تروق بمنظر=لها حسنٌ والحمد بالحسن يكسب
وأحمدُ فيها من بهائك لامعاً=لوفدك فيه عازبُ الأنس يجلب
بكلِّ ابن مجدٍ ما نضا بردة َ الصبا=على أنه فيها لأضيافه أب
أخو الحزم إما قتَه في لدأته=فطفلٌ، وإن مارسته فهو أشيب
بنوكَ بنو العلياء أنجبت فيهم لك=الله هل تدري بمن أنت منجب؟
غطارفة ٌ لا تعقب الشمسُ مثلهم=ولو أنها في أفقها منك تعقب
ذوو غررٍ يجلو الغياهبَ ضوؤها=وغيرهم في عين رائيه غيهب
أأهلَ النفوس الغالبيات مولداً=لأنتم على كسب المكارم أغلب
رقاق حواشي الطبع، طبتم شمائلاً=بها أرج من نفحة المسك أطيب
لكم خلقا مجدٍ، فذلك للعدى=يمر، وهذا للمحبِّين يعذب
طُبعتم سيوفاً لم يلقْ لنجادها=سوى منكب المجد المؤثل منكب
وطنَّبتم أبياتَ فخرٍ أبي العلى=لكم عوضاً عنها النجومُ تطنَّب
فما تلك إلا زينة لسمائها و=هذي بفرق المجد للوحي تضرب
فدونكموها ثاكلاً قد تلسبت و=وشيُ بهاءٍ زانها ليس يسلب
أتت لكم عذراء في ريق الصِبا=بعصرٍ سواها فيه شمطاءُ ثيّب
فِداكم من الأرزاء حاسدُ مجدكم=وإلا ففيكم عاش وهو معذَّب
طلعتم طلوع الشمس بمشرق العلى=فلا تغربوا ما الشمس تبدو وتغرب