يا نعش ما يصنع الفصيح؟
ديوان السيد حيدر الحلي
يا نعش ما يصنع الفصيحُ؟=لم أدرِ ماذا به يبوح
وأيُّ معنى ً إليه يغدو في=وصف معناكِ أو يروح؟
هل فلكٌ أنتِ من علاه إليه=طرف السهى طموح؟
وقد جرت زهرة ُ المعالي=فيه لغربٍ هو الضريح
أو أنتِ نعش به مسجّى ً=جسمٌ لجسم العفاف روح
مناسب الفخر شيعته و=الحسبُ الخالص الصريح
سرى على الأرض حاملوه=وهو بأفق السما يلوح
وخلفه والهٌ ثكولٌ امُّ=العلى دمعها سفوح
تطارح الورقَ وهي تدعو=علىم ورقُ الحمى تنوح؟
ما هي والوجد تدّعيه؟=قلبي لا قلبها الجريح
تضمُّ أضلاعُها حشاها=ولي حشاً ضمَّها الضريح
في طلحِها إلفُها، وإلفى=عن وطني شخصها طليح
أصمَّ فيها النعيُّ سمعي=مذ جاء من فارسٍ يصيح
تلك المفداة ُ ساورتها=شكيَّة ٌ ما لها نزوح
فلم تمرض بذات قربى لها=بشكوى الضنى تبوح
حتى قضت، حيث ما عليها=في غربة البين من ينوحُ
نعم بكت بقعة ٌ تصلّي=فيها وشهبُ السما جنوح
وانتحب «الكاتبان» إذ=قد فاتهما وردُها الصحيح
فليغتد اليوم كلُّ خدرٍ=أعمادٌ أسجافه تطيح
فربَّة ُ الاحتجاب أضحت=حجابُها اللحد والضريح
قد غاض ماءُ الحياء=يندى به ثرى ً نشرُه يفوح
توسدت والعفاف فيه=يضمُّه حبيبُها النصيح
شلَّت أكفُّ الزمان ماذا=من حرم المجد يستبيح
إليه دبَّ الضِراء لمّا=أبدى بأن جاء يستميح
واغتال محجوبة بخدرٍ=يحوطها السؤددُ الصريح
والعزُّ عنه يذلُّ ما لا=يذبّه الفارس المشيح
ومن أبى المصطفى حماه=في منعة ما لها مبيح
ذاك الذي راحتاه كلٌّ=على الورى ديمة ٌ دلوح
بالطبع مستحلبٌ نداه=إن حلب الغاديات ريح
كأنَّ منها البنانَ ضئرٌ=يرتضع الدهرُ ما تميح
مستعذَبٌ جودُه المرّجى=مباركٌ وجهه الصبيح
تقرأ في الوجه منه هذا=خاتم أهل الندى المنوح
لا يشتري الحمدَ بالعطايا=إذ كان من حقه المديح
لكنه مذ نشا إلى أن من=شيبه استكمل الوضوح
يتاجر اللهَ كلَ يومٍ=بما حوتْ كفُّه السموح
حتى لقال الورى جميعاً=هذا هو المتجرُ الربيح
كم ريض للناس فيه أمرٌ=
ينشق طيبُ الفخار محضاً=من عطف عليائه يفوح
أغرُّ يلقى الوفودَ طلقاً و=العامُ في وجهه كلوح
إن ناضل الخصمَ ردَّ فاه=مع أنه الناطقُ الفصيح
لسانه ميّتٌ مسجّى ً و=الفم منه له ضريح
ما هو إلا خضمُّ علمٍ=منه ذوو العلم تستميح
بل هو عنوانُ كل فضلٍ=وهم جميعاً له شروح
ونيّرٌ في سماء مجدٍ=بنوه شهبٌ به تلوح
يا من غدا ربعهم وفيه=أمُّ الردى منتجٌ لقوح
ومن صفات الوقار تمتت=فيهم ومنها الحجى الرجيح
تلك التي عنكم استقلَّت=عيسُ المنايا بها تسيح
طوبى لها جاورت ضريحاً=عن جاره ربُّه صفوح
واضطجعت في حمى ضجيعٍ=حميّه «آدمٌ» و«نوح»