أطار بك الناعي فؤاد العلى ذعرا
ديوان السيد حيدر الحلي
أطار بكَ الناعي فؤادَ العُلى ذُعرا=غداة َ نعى في نعيك المجدَ والفخرا
دعا بك فابيضَّت لنعيكَ عينُها من=الحزن وارفضَّت مدامعُها حمرا
بكتكَ فجارت جود كفيك إذ جرت=بدمعٍ تعدّى القطرَ إذ ساجل القطرا
ألا إنَّ روضَ المكرمات برغمها=ذوي بعدما قد كان غضَّ الحيا نضرا
وتلك قناة ُ العزِّ طارت بكفه شظايا=إلى أن كلها نفدت كسرا
فيا موحشاً نادى النهى برحيله=ويا تاركاً عين الندى أسفاً عبرى
ليومك جرحٌ في حشا المجد لم=يجد معالجهُ طولَ الزمان له سبرا
أصاب الردى لمّا أصابك مقتلاً=من الحسب السامي به قتل الصبرا
وغادر أفقَ المجدِ أغبر قاتما=يحثو الثرى لمّا توسَّد في الغبرا
لمن بعدك الفيحاءُ تذخر دمعَها=وقد كنت عند النائبات لها ذخرا؟
حرامٌ بأن يُهدي بها عاطرُ الثنا=فبعد عروس سائرُ الدهر لا عطرا
بلى فلتكن في النوح «خنساء» عصرها=وإن جلَّ عن صخرٍ «سليمانها» قدرا
قفا ناشداها أين بان عميدُها=وهل بعده حامٍ تسدُّ به ثغرا؟
غدت بين ذؤبان الخطوب فريسة ً بها=كيف شاءت تنشب الناب والظفرا؟
مضى ابنُ جلاها لا ومثواه لا ترى من=القوم من يجلو دجى همها الدهرا
أمرَّ لديها العيشُ بعد افتقاده و=كان حلا فيه لأبنائها عصرا؟
فعذراً إذاً إن تشتك اليتمَ بعده=فقد فقدتْ منه أباً لم يزل برّا
برغم أخيه الجود ودّع شخصَه=وعاد إلى لقياه ينتظر الحشرا
ففي القلب منه كلما مرَّ خاطرٌ=تذكّر محزوناً وأني له الذكرى
فتى ً شدَّ أزرَ المجد فيه أطايبٌ=على عفة ٍ منذ ارتدوا شدّوا الأزرا
كرامٌ على أولي الزمان رحابُهم=لمنتجعى معروفهم لم تزل خُضرا
لهم شرفُ البيت القديم ووفدُهم=يحيّون فيه منهم البدرَ فالبدرا
ثلمن المنايا عزَّهم "بمحمدٍ"=فشلَّت يدٌ فيها تناولنه قسرا
فتى ً كان سيفاً فاصلاً في يد العُلى=يقدُّ ولو لاقى ضرييته الدهرا
وكان لها في نحرها عقد سؤددٍ فلو=شعرت يوماً به باهت الشعرى
ترى هل درى ناعيه أن نعيَّه من=الشرف الوضّاح قد قصم الظهرا؟
وحرَّ به قلب النهى فكأنما سرى=بين أضلاع النهى نعيُه جمرا
فيا حامليه هل علمتم بأنكم حملتم=على أعواده النهى َ والأمرا؟
ويا دافنيه في الثرى هل علمتمُ=بأنكمُ واريتمُ في الثرى بحرا؟
لقد كان إن جن الدجى ليلَ حادثٍ=يشقُّ لها من نور طلعته فجرا
أغرُّ إذا ما قطبَّ العامُ مجدباً=تبسَّم فيه للندى وجلا ثغرا
وإن قبضت يمنى الكرام بنانَها=مخافة إعسارٍ به بسط اليسرى
ضحوك المحيا بُوركت منه طلعة ٌ=تشعُّ لو استقطرتها قطرت بشرى
إذا ما نشرنا في المجالس ذكرَه=تأرَّج في الدنيا فطبّقها نشرا
لئن غاب فهو البدر موفٍ فقد مضى=وأعقب في أفق العُلى أنجماً زهرا
وما مخدرٌ أخلى الردى منه غابه=إذا منعت أشباله بعده الخدرا
غطارفة ٌ غرُّ المساعي تقيّلوا=أباً فأباً كانوا غطارفة ً غرّا
إذا فوخروا يوماً أتوا بأبيهم=وعدُّوا مزاياهم فقيل كفى فخرا
بحارٌ ولكن في يدي كل واحدٍ=نشأن لمرتاد النهى أبحرٌ عشرا
لقد عذبوا بين الأنام خلائقاً=ترشّفها حتى انتشى كلّهم سكرا
مناجيبُ قد أفنى التراثَ على الندى=أبوهم وأبقى في العُلى لهم الذكرى
مضى مَن نضت أمُّ الفخار حدادَها=عليه ولم تمسح مفارقها الغبرا
وقد أودعت شطراً بلحد محمدٍ=ولحد "سليمانٍ" به أودعت شطرا
فلا يشمت الحسّادُ في موت ماجدٍ=قضى حين وافته الملائكُ بالبشرى
فهذا على ُّ القدر قام من العُلى=مقامَ "سليمانٍ" فزيدت به فخرا
خضمُّ ندى ً ما البحرُ يطفح موجه=بأغزر لجاً من بنانته الصغرى
وهضبة حلمٍ لو وزنت به الورى=وجدتهم في جنبه كلَّهم ذرّا
وراءكم يا حاسديه مكانه=بأندية العليا فإنَّ له الصدرا
وكم موكبٍ للفخر ضمّكم معاً=فكنتم بغاثاً وهو كان به صقرا
أخو أخوة ٍ في المكرمات جميعهم=أتوا شرَعاً فاستغرقوا الحمد والشكرا
عليُّهم في المجد محسنُهم بدا=ومحسنهم منسيُّهم نائلاً غمرا
بني الحلم أنتم أرسخ الناس=هضبة ً وأرحبهم في كل نازلة ٍ صدرا
نقول لكم صبراً ونعلم أنكم=أجلُّ ولكنْ عادة ٌ قولنا صبرا
لكم ختم اللهُ الرزايا بهذه=فلا طرقت أبياتكم بعدها أخرى