حول ليلة العاشر بين الإمام الحسين و أصحابه (ع)
الشيخ هادي كاشف الغطاء
والسبط والصحب أولوا الوفاء=باتوا بتلك الليلة الليلاء
لهم دويّ كدوي النحل=من ذاكر لله أو مصل
صلاة عبد خاشع مودّع=يدعوه بالخضوع والتضرّع
أحيوا جميع الليل بالعبادة=فأدركوا سعادة الشهادة
وأصبحوا مثل الليوث الضاريه=قد أرخصوا النفوس وهي غاليه
لذّ لهم طعم المنايا وحلا=في طاعة الرحمن جلّ وعلا
طاب وراق لهم المماة=والموت في نصر الهدى حياة
فاستقبلوا الموت بجأش ثابت=وعزم شهم للحياة ماقت
وأقبلت جيوش آل حرب=حتّى بهم قد ضاق كلّ رحب
جاءت له بخيلها والرجل=كأنّها تطلبه بذحل
عشرون ألف فارس بل زادوا=والراجلون ما لهم عداد فضيّقوا
على الحسين السبلا=ومنعوه سهلها والجبلا
وشمّروا ثيابهم للحرب=واستسهلوا لذاك كلّ صعب
فقال للعباس سر للقوم=واصرفهم بياض هذا اليوم
لعلنا لربّنا نصلّي=في هذه الليلة ذات الفضل
وقد توقف ابن سعد عمر=والخير من أمثاله لا يظهر
لكن بعض القوم من أتباعه=أبدى له الملام في امتناعه
قال لو أنّ غيرهم إلينا=جاؤوا وراموا ذاك ما أبينا
كيف وهم أجل سادات العرب=وهم سلالة النبي المنتجب
فقال ذلك الظلوم المعتدي=إنّي قد أجلتهم إلى غد
والسبط ليلاً قد دعا أصحابه=موجّهاً إليهم خطابه
فقال بعد الحمد والثناء=والشكر للمنعم ذي الآلاء
إنّي لا أعلم فيما أعلم=أوفى ولا أصلح صحباً منكم
ولست أدري أهل بيت أفضلا=من أهل بيتي نجدة وأوصلا
جزاكم الله جميعا خيرا=ولا رأيتم ما حييتم ضيرا
ألا وإنّي قد أذنت لكم=فانطلقوا لا عهد لي عليكم
والليل قد أجنكم وأقبلا=فاتخذوه للنجاة جملا
والقوم لا يبغون غيري أحدا=فارتحلوا لتسلموا من الردى
ثمّ تلاهم مسلم بن عوسجه=قال مقالاً صادقاً ما أبهجه
نحن نخليك كذا ونسري=وقد أحاط فيك أهل الغدر
ما العذر عند الله في أداء=حقّك وهو أوجب الأشياء
لأحفظن غيبة الرسول=بالنفس والكثير والقليل
لو لم يكن معي سلاح أبدا=قذفتهم بالصخر حتّى ينفدا
سبعين مرّة لو أنّي اقتل=أحرق مثلها بنار تشعل
ثمّ أذرى بعد في الهواء=ما ملت عن نصري ولا ولائي
فكيف وهي قتلة وبعدها=كرامة خالقها أعدها
وقام بعد مسلم زهير=وكلّهم يؤمل فيه الخير
قال وددت لو قتلت ألفاً=ويدفع الله بذاك الحتفا
عنك وعن فتيانك الأبرار=ذوي الإبا والعزّ والفخار
تكلّم الباقون من أصحابه=والكلّ قد أجاد في جوابه
قالوا له أنفسنا لك الفدا=نقيك بالأرواح من بأس العدى
فإن قتلنا فلقد وفينا=وقد قضينا لك ما علينا
وقد أتى للحضرمي الخبر=أن الأعادي لابنه قد أسروا
قال قد احتسبته ونفسي=عند إلهي إذ أحل رمسي
ما كنت أهوى بعده بقائي=وهو أسير في يد الأعداء
دعا له سبط الهدى بالرحمة=لمّا رأى أمر ابنه أهمّه
قال له من بيعتي في حلّ=أنت فسر ولا تقم من أجلي
واطلب نجاة ابنك من هلاكه=واعمل بما يجديك في فكاكه
قال السباع أكلتني حياً=إن رمت عنك موضعاً قصيا
فانظر رعاك الله ما أوفاه=وما أبرّه وما أتقاه
وهكذا فليكن الإيمان=والحبّ والوفاء والعرفان
لم يعتذر وعذره مقبول=وما انثنى ورزؤه جليل
مضى مضاء الصارم الصقيل=في طاعة المهيمن الجليل
عن ابنه وهو أسير أعرضا=وفوّض الأمر لمالك القضا
لم يفتتن قط بتلك المحنة=والولد للأب العطوف فتنه
حقّ بأن نرثي لمثل حاله=وحق أن نبكي على أمثاله
قال برير لابن عبد ربّه=لمّا رأى تأنيبه بعتبه
قد علم القوم جميعا أنّني=ما ملت للباطل طول زمني
وإنّما أفعل ذا استبشارا=بما إليه أمرنا قد صارا
ما هو إلاّ أن نخوض الحربا=بالسمر طعنا والسيوف ضربا
وبعدها لا نصب ولا عنّا=نعانق الحور ونحظى بالمنى
فابتدأ العباس في مقاله=وقد جرى الصحب على منواله
قالوا جميعاً ولماذا نفعل=نظلّ أحياء وأنت تقتل
فلا أرانا الله ذاك أبدا=وليت أنّا لك قد صرنا فدا
قال مخاطباً بني عقيل=حسبكم مسلم من قتيل
وعند ذا تكلّموا جميعا=وقد أبوا عن عزمهم رجوعا
وأقسموا أن لا يفارقوه=يوماً وبالأنفس أن يقوه
فالعيش من بعد الحسين يقبح=وبعده الحياة ليست تصلح
واعتزل الحسين وهو ينشد=وسيفه أمامه مجرّد
يا دهر أفّ لك من خليل=كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل=والدهر لا يقنع بالبديل
وكلّ حيّ سالك سبيلي=ما أقرب الوعد من الرحيل
وقد وعت هذا النشيد زينب=وكاد قلبها له ينشعب
قالت أخي يا عزيز أهلي=هذا كلام موقن بالقتل
قال لها نعم أيا أُختاه=قالت له بعدك وا ثكلاه
ينعى إليّ نفسه الحسين=يقول قد دنا إليّ الحين
وشققت جيوبها النساء=وقد علا العويل والبكاء
وأُمّ كلثوم غدت تنادي=تندب بالآباء والأجداد
وا أبتاه وا محمّداه=ووا علياه ووا أخاه
تقول وا ضيعتنا جميعا=بعدك إذ تغدوا لقى صريعا
قال تعزّي بعزاء الله=وفوّضي الأمر إلى الإله
فكلّ من فوق الثرى لا يبقى=وإنّ سكّان السماء تفنى
صبراً إذا أنا قتلت صبرا=فلا تقلن بعد قتلي هجرا
ولا تشقن عليّ جزعا=جيباً وإن جلّ المصاب موقعا
وقد روى المفيد في الإرشاد=مذ سمعت زينب بالإنشاد
قامت تجر الثوب وهي حسرى=إلى أخيها لا تطيق صبرا
قالت له يا ليت إنّ موتي=أعدمني الحياة قبل الفوت
اليوم ماتت أُمّي الزهراء=وماتت الإخوة والأبناء
قال لها وشأنه الكتمان=لا يذهبن حلمك الشيطان
وهو الذي لم يك بالجزوع=ترقرقت عيناه بالدموع
ثمّ هوت مغشية عليها=فقام جلّ صبره إليها
عن نفسه بنفسه عزّاها=وبالرضا والصبر قد أوصاها