هذا حسين في التّراب لقى
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
ساقَ الضَّغائِنَ بالأحبابِ سائِقُها=فما لِعَينِكَ لا يَنهَلُّ دافِقَها
ترومُ كِتماَ ما في القلبِ مِن ألَمٍ=و أنتَ مُضطَرِبُ الأحشاءِ خافِقُها
دُمُوعُ أهلِ العُلى و الفَضلِ غالِيَةٌ=لكِن يُرَخَّصُ في الأحبابِ نافِقُها
إنِّي أظُنُّكَ لم تَشعُر بِفِرقَتِها=لأنَّ قَلبَكَ أصلاً لا يُفارِقُها
إليّة بالهوى و الحُبِّ قد رَحَلَت=أحبابُ قَلبِكَ و انبَتَّت عَلايِقُها
و استَمطِرِ العَينَ مِدرارَ الدُّمُوعِ و سَل=حادي السُّرى وَقفَةً فيها تُعانِقُها
و تَبذُلِ الجُهدَ في تَوديعِها حَذَرا=مِن أن يُفَوِّتَ ما تَرجوهُ سائِقُها
واهاً لِقَلبِكَ إذ يَقفو رَكائِبَها=مُيَمِّماً حَيثُ أمَّت لا يُفارِقُها
و الضَّعفُ يُقعِدُهُ عَنها و يُبعِدُهُ=و الشَّوقُ يُنجِدُهُ حتَّى يُسابِقُها
شَطَّت مَزاراً و لكِن شَخصُها أبَداً=في خاطِري مِثلَ ما أنِّي مُرافِقُها
لَم أنسَ تَذكارَها إلَّا إذا ذَكَرَت=نَفسي الطُّفوفُ و عَنَّت لي طَوارِقُها
غَدَاةَ عَزَّت على سِبطِ النَّبيِّ بِها=سُبُلُ السَّلامَةِ و انسَدَّت مَرَافِقُها
في عُصبَةٍ بُزُغُت شَمسُ الهِدايَةِ في=ألبابِها و أنارَتها شَوَارِقُها
فأبصَرَت سُبُحاتِ القُدسِ أنفُسُها=حتَّى تَجَلَّت لها مِنها حقائِقُها
مِن أجلِها بَذَلَت أرواحَهَا كَرَماً=و ما بَخيلٌ على الحَسناءِ عاشِقُها
تَرَى حُدُودَ الظُّبى مَصبوغَةً بِدِما=وَردِ الخُدودِ فَمِن شَوقٍ تُعانِقُها
و مُرَّ كأسِ الرَّدَى خَمراً مُعَتَّقَةً=عاديَّةً لا يخافُ الإثمَ ذائِقُها
متى تُصلِّي ظِباءُ الهِندِ راكِعَةً=تَسجُد لها الرُّوسَ تَتلوها عواتِقُها
قَضَت حُقُوقَ العُلى حَتَّى قَضَت كَمَلاً=تحتَ السُّيوفِ رَعَاها اللهُ خالِقُها
و بَعدَهُم ظَلَّ سِبطُ المُصطفى غَرَضاً=لأَسهُمِ المَوتِ تَنحُوهُ رَوَاشِقُها
يَسطو على الجَمعِ فَرداً لا نَصيرَ لَهُ=على البلايا إذا اشتَدَّت طَوارِقُها
إلا الأسِنَّةَ تَغشاهُ شَوَاجِرُها=أوِ الصوارِمَ تَعلُوهُ بَوَارِقُها
لكِنَّما هوَ القُطبُ الكائِناتِ فلا=تَهولُهُ في لَظَى الهَيجا صواعِقُها
لو أنَّ بَعضَ بلايا كَربلا صَدَعَت=صُمَّ الأخاشيبِ لاندَكَّت شَواهِقُها
متى يُلاحِظ يَرى ما بعضُ رُؤيَتِهِ=يَثورُ مِنهُ مِنَ الأحشا حَرَائِقُها
يرَى بَنيهِ على الرَّمضا و إخوَتِهِ=يَسيلُ مِن فائِضِ الأوداجِ دافِقُها
مُجَزَّرينَ على الرَّمضا تُحَطِّمُها=مِن عادياتٍ أعاديها سوابِقُها
و حَولَهُ زُمَرُ الأعداءِ مُحدِقَةً=يَدعو بِهِ لِوُرُودِ المَوتِ ناعِقُها
هذا و مُهجَتُهُ مِن فَرطِ غُلَّتِهِ=كَربُ الظَّما و هَجيرُ الصَّيفِ خانِقُها
و أعظَمُ الكُرَبِ العُظمى تَصَوُّرُهُ=هَتكَ الحَريمِ التي طابَت خلائِقُها
يُدني إلى نَفسِهِ كُلاً على حِدَةٍ=مِنها و مِن فَرطِ ألطافٍ يُعانِقُها
مُوَصياً بالرِّضا في كُلِّ نائِبَةٍ=عُظمى و إن كَبُرَت يَوماً بَوَائِقُها
يَقولُ لا يَصدَعَن عِظمُ المصائِبِ مِن=أركانِ فَضلِكُمُ العُليا شواهِقُها
فإنَّ خَيرَ سجايا المَرءِ قُوَّتُهُ=عِندَ الرَّزايا و أعلاها و فائِقُها
ألَيسَ جَدِّي خَيرَ الخَلقِ قاطِبَةً=أصابَهُ مِن كُرُوبِ المَوتِ طارِقُها
و والِدي حُجَّةُ الباري و آيَتِهِ=أرداهُ ظُلماً خِلالَ الفَرضِ مارِقُها
و أَمَّ جَمعَ العِدا مِن فوقِ مُنجَرِدٍ=لو سابَقَ الرِّيحَ أمسى و هوَ سابِقُها
في كَفِّهِ الصَّرِمُ المَشهورُ تَعرِفُهُ= الأبطالُ في الحَربِ إن حَقَّت حقائِقُها
حَتَّى غَدَت فِرَقاً مِن خَوفِ صارِمِه=و فَرَّ مِن بأسِهِ رُعباً شَقاشِقُها
لو شاءَ تَسخيرَ ما في الكونِ أمكَنَهُ=لَم يَمتَنِع مِنهُ دانيها و ساحِقُها
حتَّى أحَبَّ لِقاءَ اللهِ خالِقَهُ=لِيَحتَسي شُربَةً قَد فازَ ذائِقُها
فانحَطَّ عَن سَرجِهِ فَوقَ الصَّعيدِ لُقَىً=و نُورُهُ صاعِدُ الأفلاكِ خارِقُها
و سَيَّروا حُرَمَ المُختارِ صاغِرَةً=و الهَمُّ و الحُزنُ و البَلوى يُرافِقُها
تُبدي الشِّكايَةَ و التِّزفارُ يَمنَعُها=مِن الكَلامِ و كَربُ الحُزنِ خانِقُها
يا جَدُّ هذا حُسَينٌ في التُّرابِ لُقَىً=يَنعاهُ في مُوحِشاتِ القَفرِ ناعِقُها
تَسدو لَهُ الرِّيحُ أثواباً مُوَرَّدَةً=مِنَ الدَّماءِ و رَكضُ الخَيلِ مارِقُها
جُثمانُهُ بِالعَرا ثاوٍ و هامَتُهُ=يَسمو بِها مِن رِماحِ الخَطِّ باسِقُها
و تِلكَ أنصارُهُ مِن حَولِهِ قُطِعَت=رُؤُوسُها و خَلَت مِنها عواتِقُها
و ذي بناتِكَ في ذُلِّ السِّباءِ بِلا=والٍ أضَرَّ بِها في السَّيرِ سائِقُها
يا لِلعَجيبَةِ و الأيَّامُ مُعجَبَةُ=خُطُوبُها غَيرُ مأمونٍ بَوائِقُها
تُسبى العُفيفاتُ مِن آلِ النَّبيِّ و قَد=تُصانُ مِن آلِ مَروانٍ فَوَاسِقُها
يا لِلأعاظِمِ و السَّاداتِ مِن مُضَرٍ=حامي الحقائِقِ لا تُحمى حقائِقُها
يا أُمَّةً عَدَلَت عَن عَدلِها سَفَهاً=فابتَزَّ إمرَتَها مِنها مُنافِقُها
يُؤتى بِخِزيٍ عَظيمٍ لا نَفَادَ لَهُ=و صَفقَةٍ باءَ بالخُسرانِ صافِقُها
يا سادَةً عَظُمَت أسرارُ فَضلِهِمُ=على العُقُولِ فَلَم تُدرَك حقائِقُها
لَكَم كَفَاكُم فَخاراً ما تَضَمَّنَهُ=القُرآنُ مُتَّضِحُ الآياتِ صادِقُها
نَشَرتُ في النَّاسِ شَيئاً مِن مَدَائِحِكُم=و إن تَمَزَّقَ مِن غَيظٍ مُنافِقُها
مُؤَهَّلاً في مَعَادي مِن شَفَاعَتِكُم=نَيلَ الجِنانِ الَّتي التَفَّت حَدَائِقُها
و والِدَيَّ و أولادي و ما نَسَلُوا=و الشِّيعَةُ الغُرُّ ماضيها و لاحِقُها
و أخذَ ثارِكُم أيَّامَ قائِمِكُم=و الجَيشُ مُنتَشِرُ الرَّاياتِ خافِقُها
و مَعشَري آلِ ضَيفِ الله تَتبَعَني=مَشهورَةٌ في لَظَى الهَيجا بَوَارِقُها
هُناكَ أحمَدُ يَقضي لِلعُلى وَطراً=و تَنطَفي غُلَّةٌ شَبَّت حَرَائِقُها
عَلَيكُم صَلَوَاتُ اللهِ ما هَطَلَت=سُحُبٌ و ما لاحَ في الآفاقِ بارِقُها