ثاو ثلاثا على الرّمضاء ما لحدا
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
ذُق شِدَّةَ الوَجدِ تَعذُر كُلَّ مَن وَجَدا=فالخَطبُ أعظَمُ مِن أن تألَفَ الجَلَدَا
و استَمطِرِ العَينَ مُحمَرَّ الدِّما و أَذِب=دَمعَ العُيُونِ بنارِ الحُزنِ إن جَمَدَا
لِمتُ المُصابينَ حَتَّى صِرتُ مِثلَهُمُ=حِلفَ المَصائِبِ أجرَعُ صابَها النَّكِدَا
واهاً لِقَلبي إن هَبَّت نَسيمُ صَباً=أو أنَّ لامِعَ بَرقِ الأبرَقَينِ بَدَا
ما عَنَّ ذِكرُ مِنَىً و المَشعَرَينِ لَهُ=إلا غَدا بِجِمارِ الحُزنِ مُتَّقِدَا
كُنَّا على غَفلَةِ الدَّهرِ المَوَلَّعِ بِالأَ=حرَارِ لا نَعرِفُ التَّفريقَ و البَدَدَا
حتَّى تَنَبَّهَ طَرفُ الدَّهرِ فانبَعَثَت=بَنُوهُ في شَتِّ شَملي بَعدَما انتَضَدَا
كَفِعلِهِ بِبَني خَيرِ البَريَّةِ بَل أئِمَّةِ=الخَلقِ بَل سُفنِ النَّجاةِ غَدَا
أبادَهُم عَن جَديدِ الأرضِ قاطِبَةً=لَم يُبقِ مِنهُم على أكنافِها أحَدَا
فَبَينَ مَن فَلقوا بالسَّيفِ هاَمَتَهُ=في بَطنِ مِحرابِهِ مِن بَعدِما سَجَدَا
و بَينَ مَن قَطَعوا بالسُّمِّ مُهجَتَهُ=و ما قَضَى وَطراً لكِن قَضَاك مدَا
و لا كَوَقعَةِ يَومِ الطَّفِّ ما سَمِعَت=أُذنُ امرِئٍ قَطُّ شَرواها و لا وَجَدَا
مُصيبَةٌ ما وَعاها مُسلِمٌ أبَداً=إلَّا و قَطَّعَتِ الأحشاءَ و الكَبِدَا
ذَبحُ الحُسَينِ على عَمدٍ مُجاهَدَةً=بِجانِبِ الشَّطِّ عطشاناً بِسَيفِ عِدَى
قادَ ابنُ سَعدٍ لَهُ بالبَغي مُبتَغياً=رِضَى ابن آكِلَةِ الأكبادِ جَيشَ رَدَى
مِن كُلِّ راكِبِ عَشواءِ الضَّلالِ فَلَم=يُبصِر مِنَ الكُفرِ و الإلحادِ بابَ هُدَى
حَتَّى حَمَوا دُونَهُ ماءَ الفُراتِ و قَد=حَطُّوا بِجانِبِهِ الحُرَّاسَ و الرَّصَدَا
و كُلَّما بِنَصوحِ النُّصحِ أتحَفَهُم=وَلُّوا نُفُوراً و عافوا النُّصحَ و الرَّشَدَا
و غادَروا صَحبَهُ صَرعَى و ما تَرَكوا=لَهُ أخاً مُشفِقاً بَراً و لا وَلَدَا
إلَّا خَضيباً بِفَيضِ النَّحرِ مُنجَدِلا=حاكَت لَهُ الرِّيحُ مِن تُربِ الفَلا بُرَدَا
أو مُنحَلَ الجِسمَ مَنهوكاً بِعِلَّتِهِ=خَلفَ الفِراشِ يُقاسي الضُّرَّ و الكَمَدَا
أفديهِ مِن بَعدِهِم يَبغي النَّصيرَ فَلَم=يَجِد سِوَى اللهِ مِن أنصارِهِ أحَدَا
نِعمَ النَّصيرُ و لكن شاءَ زُلفَتَهُ=حَتَّى يَكونَ لَدَيهِ سَيِّدَ الشُّهَدَا
أفدي حَبيبَ رَسولِ اللهِ حينَ غَدَا=يُوَدِّعُ الأهلَ و الأطفالَ مُجتَهِدَا
وَدَاعَ مُستَلِمٍ لِلمَوتِ مُحتَسِبٍ=لا يَرتَجي أبَداً عَوناً و لا مَدَدَا
يَقولُ صَبراً على عِظَمِ المُصابِ فَمَن=يَصبِر يَجِد عِوَضاً عَمَّا لَهُ فَقَدَا
و مَن يَكُن جازِعاً حَلَّ القَضَاءُ بِهِ=كُرهاً و ما اعتَاضَ إلَّا الحُزنَ و الكَمَدَا
إنَّا أُصِبنا بِخَيرِ الخَلقِ قاطِبَةً=حَقاً و أعظَمِهِم قَدراً و مُفتَقَدَا
و فيهِ لِلمُتَأسِّي سَلوَةٌ و عَزَا=مَتى غَدا قَلبُهُ بالحُزنِ مُتَّقِدَا
فإن رأيتُم دِمائي خَضَّبَت جَسَدي=و الشِّمرُ مِن فَوقِ صَدري فاعِلاً قَعَدَا
و خِلتُمُ جُثَّتي فَوقَ الصَّعيدِ لُقَىً=و الرَّأسُ مِن فَوقِ أعلى صُعدَةٍ صَعَدَا
فلا يَصدَع مُصابي طَودُ حِلمِكُم=بَل أظهِروا لِلأعادي الصَّبرَ و الجَلَدَا
و استَقبَلَ الحَربَ و النسوانَ تُمسِكُهُ=كُلٌّ تُنشِّبُ في الأذيالِ مِنهُ يَدَا
يابنَ النَّبيِّ و يا كَهفَ الأرامِلِ يا=حامي الذِّمارِ و يابنَ السَّادَةِ السُّعَدَا
تَمضي و تَترُكنا لِلقَومِ تَهتِكُنا=و أنتَ أشفَقُ مِمَّن في الوَرَى وُجِدَا
فَرَقرَقَ الدَّمعُ مِنهُ رَحمَةً لَهُمُ=كَواكِفِ المُزنِ يَوماً خالَطَ البُرَدَا
و يَمَّمَ الجَمعَ فَرداً غَيرَ مُكتَرِثٍ=مِنهُم و إن كَثُرَت أبطالُهُم عَدَدَا
ما شامَ بارِقُ حَدِّي سَيفِهِ بَطَلٌ=إلَّا و فَرَّ حِذارَ المَوتِ مُرتَعِدَا
لكِنَّهُم خَرَقوا بِالنَّبلِ جُثَّتَهُ=فَخَرَّ مُلقىً بِسَهمٍ صادَفَ الكَبِدَا
يَدعوا إلهي أنجِز في غَدٍ عِدَتي=فَعَبدُكَ اليَومَ قَد وَفَّى بِما وَعَدَا
و يُضرِمُ القَلبَ ناراً قَولُ زَينَبَ إذ=رَأَت أخاها طَريحاً في التُّرابِ سِدَا
يا آلَ غالِبَ و السَّاداتِ مِن مُضَرٍ=و آلَ عَبدِ مُنافِ السَّادَةَ السُّعَدَا
هَل تَعلَمونَ بِأَنَّ اليَومَ سَيِّدَكُم=ثاوٍ ثَلاثاً على الرَّمضاءِ ما لُحِدَا
أكفانُهُ مِن سَوَافي الرِّيحِ قَد نُسِجَت=و غُسلُهُ مِن نَجيعٍ غَرَّقَ الجَسَدَا
و رأسُهُ فَوقَ رأسِ الرُّمحِ تَتبَعُهُ=رُؤُوسُ أولادِهِ الأمجادِ و الشُّهَدَا
تُهدى لِوَغدِ بَني حَربٍ و أرذَلِها=يَزيدَ زِيدَ عَذاباً دائِماً أبَدَا
بَني أُمَيَّةَ لا تَشمَخ أُنُوفُكُمُ=بِغَصبِكُم مُلكَ آلِ المُصطفى حَسَدَا
فَسَوفَ يُؤذَنُ في إظهارِ قائِمِهِم=فَيأخُذَ الثَّارَ مِنكُم حَسبَمَا وَعَدَا
هُناكَ أحمَدُ يَقضي ما يُؤَمِّلُهُ=قِدماً و يَبذِلُ فيهِ الجِدَّ مُجتَهِدَا
تَقفوهُ مِن آلِ ضَيفِ اللهِ أُسدُ شَرَىً=لا يَطلِبونَ إذا ما حارَبوا مَدَدَا
يا سادَةً فازَ مَن والاهُمُ و نَجَا=و خابَ مَن لِمَعالي فَضلِهِم جَحَدَا
وَجَدتُ يا سادَتي بَردَ المَحَبَّةِ في=قَلبي و حَقَّقتُ فيهِ الحَقَّ و الرَّشَدَا
و ذاكَ يُعرِبُ عَن طِيبِ الوِلادَةِ في=كُلِّ البُطونِ فشُكراً لِلَّذي وَلَدَا
أعدَدتُكُم يا سَلاطينَ المَعَادِ إذا=اشتَدَّت شدائِدُ يَومِ الحَشرِ لي عَدَدَا
كَي تَشفَعوا لي و لآبائي و وِلدِيَ و ال=إخوانِ فيكُم إذا قامَ الحِسابُ غَدَا
مِن ذاكَ أصبحتُ لا أخشى العَذابَ و إن=كانَت مَعَاصِيَّ لا أُحصي لها عَدَدَا
ثُمَّ الصلاةُ عَلَيكُم كُلما رُفِعَت=كَفٌّ إلى اللهِ أو عَبدٌ لَهُ سَجَدَا