للقلب عينان .. !
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
لِلقلبِ مِن وارِدِ الإخلاصِ عَينانِ=مَجبولَتانِ على عِلمٍ و عِرفانِ
كِلتاهُما لِجَمالِ الحُبِّ شاهِدَةٌ=لا يَرجَحَانِ لَدَى وَصلٍ و هُجرَانِ
جِزنا بِقُربِ الحِمى و اللَّيلُ مُعتَكِرٌ=مِنَ الظَّلامِ و وَجهُ الأُفقِ ظَلمَانِ
فَأثبَتَ القَلبُ مِن عِرفانِ ساكِنِهِ=عِرفانُهُ لَم يُشِبهُ نَوعُ نُكرانِ
و أخبَرَ العَينَ فانهَلَّت مُبادِرَةً=بِمَدمَعٍ فَوقَ صَحنِ الخَدِّ هَتَّانِ
حَتَّى نَزَلنا على المَحبوبِ فارتَفَعَت=مَوَانِعُ الوَصلِ مِن قاصٍ و مِن دانِ
و دارَ ما بَينَنا كأسُ الوِصالِ على=رَغمِ الرَّقيبِ و رَغمِ الحَاسِدِ الشَّاني
فَيا لَها نَشوَةً قَد ذُقتُ لَذَّتها=مِن خَمرَةِ الحُبِّ لا مِن خَمرَةِ الحانِ
في جَنبِ ذلِكَ هانَت كُلُّ نائِبَةٍ=رَكِبتُها لَم أكُن بالقَاصِرِ الواني
مَن كانَ ما يَرتَضي المَحبوبُ مَطلَبُهُ=لَم يُغلِهِ فَقدُ أرواحٍ و أبدانِ
ألا تَرَى السِّبطَ يَومَ الطَّفِّ كَيفَ سَخا=بالنَّفسِ ما بَينَ سَيَّافٍ و طَعَّانِ
يَلقى السُّيوفَ بِوَجهٍ مُشرِقٍ طَلِقٍ=كأنَّهُ يَتَلَقَّى خَيرَ ضيفانِ
و كَيفَ لا و نَشاطُ الحُبِّ يَقدِمُهُ=على المَكَارِهِ لا إقدامَ شُجعانِ
و ما الشَّجاعَةُ في شأنِ الحُسَينِ و ما=الشَّجاعَةُ شَيءٌ عِندَ ذي الشَّانِ
لكِنَّما هو سِرُّ اللهِ أبرَزَهُ=في مَظهَرِ القَهر في مِصداقِ إنسانِ
يَدُ الحُسَينِ يَدُ الله التي غَلَبَت=قَهراً على كُلِّ ذي عِزٍّ و سُلطانِ
فَظَلَّ يَختَطِفُ الأرواحَ صارِمُهُ=مِثلُ الشَّهابِ إذا أهوى لِشَيطانِ
حَتَّى دعاهُ مَليكٌ وَدَّ زُلفَتَهُ=شَوقاً إلَيهِ فَلَبَّى غَيرَ كَسلانِ
فَخَرَّ مُلقىً على الرَّمضاءِ مُنصَرِعاً=بِنَبلَةٍ أُرسِلَت عَن قَوسِ طُغيانِ
مُستَبشِراً بِلِقاءِ اللهِ مُبتَهِجاً=ذا خاطِرٍ لِجَلالِ اللهِ وَلهانِ
يَكادُ يَسبِقُ مَحتومَ القَضاءِ على=فِراقِ دُنياهُ مِن شَوقٍ لِدَيَّانِ
إذا بِشِمرِ الخَنا قَد جاءَهُ عَجِلاً=يَسوقُهُ لِشَقَاهُ سَوطُ خِذلانِ
يَرومُ أمراً عَظيماً جَلَّ مَوقِعُهُ=في الدِّينِ عن شَرحِهِ يَوماً بِتِبيانِ
تَبَّت يَدا شِمر فيما قد جَناهُ على=الإسلامِ مُبتَغياً مَرضاةَ أوثانِ
إن كانَ مَقتَلُهُ أرضى يَزيدَ و مَن=ضاهاهُ مِن أدعِيا حَربٍ و مَروَانِ
فَقَد أقامَ لَهُ أهلُ السَّماءِ بِها=مَآتِماً و اكتَسَوا أثوابِ أحزَانِ
لَهفي لَهُ مِن قَتيلٍ عَزَّ مفقَدُهُ=في النَّاسِ لا سِيَّما فِهرٍ و عَدنانِ
إن سَرَّ آلَ زيادِ الرِّجسِ مَقتَلُهُ=فالمُصطفى الطُّهرُ و الزَّهرا شَجِيَّانِ
أو بُلَّ مِن دَمِهِ وَجهُ الثَّرى فَلَقَد=أبكى السَّماواتِ حُزناً بالدَّمِ القاني
و تَحسِدُ الأرضَ في ذاكَ السَّماءُ و قَد=يَفوتُ أهلَ العُلى ما نالَهُ الدَّاني
سُحقاً لأرجاسِ حَربٍ إنَّهُم رَكِبوا=أمراً عَظيماً و خَطباً ما لَهُ ثانِ
لَم يَكفِهِم قَتلُهُم سِبطَ النَّبيِّ و مَن=واساهُ بالنَّفسِ مِن وِلدٍ و إخوانِ
و قَتلُهُم صَحبَهُ الغُرَّ الأماجِدَ إذ=باعوا على اللهِ أرواحاً بِرِضوانِ
و حَملِهِم رُوسَهُم مِثلَ الشُّمُوسِ و لكِن=كانَ مَطلَعُها أطرافُ خِرصانِ (1)
عَن حَملِهِم لِعَزيزاتِ النَّبيِّ بِلا=سِترٍ على النِّيبِ في قَفرٍ و بُلدانِ
بِلا غِطاءٍ و لا سِترٍ يجَلِّلُها=عَن أعيُنِ النَّاسِ إلا فَضلُ أردانِ
و سَوقِهِم لِعَليِّ بنِ الحُسَينِ و تِلكَ=الطَّاهِراتِ بِأغلالٍ و أرسانِ
أمامَهُم رأسُ مَولاهُم و سَيِّدُهُم=في رأسِ رُمحٍ خَضيباً بالَّدمِ القاني
و خَلفَهُم صِبيَةٌ حَرَّى القُلُوب بِلا=والٍ يُدافِعُ عَنها شَرَّ عُدوانِ
إذا تَوَقَّدَ في أكبَادِها الكَمَدُ المُضني=و شَبَّت بِها نِيرانُ أحزانِ
تَظَلُّ تَهتِفُ سِراً بالنَّبيِّ و بالوَصيِّ=يا سَيِّدَي ساداتِ عَدنانِ
هل تَعلَمانِ بِما ساقَ القَضَاءُ لَنا=مِن بَعدِكُم مِن بَني حَربٍ و مَروانِ
ها نَحنُ نُحمَلُ في ذُلِّ السِّباءِ و ها=تِيكَ الرِّجالُ على وَعرٍ و غِيطَانِ
أبدانُهُم في الفَيافي لا رُؤُوسَ لَها=و ها رُؤُوسُهُمُ مِن غَيرِ أبدانِ
و قُرَّةُ العَينِ مَولانا الحُسَينُ و مَن=نَرجو لَنا واقياً مِن كُلِّ عُدوانِ
نالَت أُمَيَّةُ مِنهُ فَوقَ ما طَلَبَت=و أدرَكَت مِنهُ وِتراً مُنذُ أزمانِ
بَني أُمَيَّةَ لا تَغتَرَّ أنفُسُكُم=بِما أصَبتُم فَعُقباكُم لِخُسرانِ
و إن تَلَقَّفتُمُ الدُّنيا بِجُملَتِها=كأُكرَةٍ وَقَعَت في كَفِّ صِبيانِ
فَسَوفَ يَظهَرُ مِن آلِ النَّبيِّ لَنا=إمامُ حَقٍّ بِآياتٍ و بُرهانِ
تَحِفُّهُ مِن جُنُودِ اللهِ أُسدَ شرَىً=ما دَنَّسوا طاعَةً مِنهُم بِعِصيانِ
الفَتحُ يَقدِمُهُ و السَّعدُ يَخدِمُهُ=في الفَتكِ مِخذَمُهُ و المَوتُ سَيَّانِ
هُناكَ أحمَدُ يُبدي ما يُكَتِّمُهُ=قِدماً و يُبدِلُ إسراراً بإعلانِ
يَصولُ بالسَّيفِ تَقفوهُ ضَرَاغِمَةٌ=مِثلَ الأُسُودِ إذا جالُوا بِمَيدانِ
بَنو أبي آلِ ضَيفِ اللهِ قَد مَزَجُوا=مَهَابَةَ الأُسدِ في إخبَاتِ رُهبانِ
نَحنُ الَّذينَ وَلاءُ الآلِ مازَجَنَا=في أصلِ تَكوينِ أرواحٍ و أبدانِ
طابَت بِطِيبِهِمُ آباؤُنا كَمَلاً=و الأُمَّهَاتُ و نَرجو طِيبَ وِلدَانِ
و نَحنُ أجمَعنَا مِنهُم لَهُم بِهِمُ=كُنَّا وَعُدنَا و أيقَنَّا بِرِضوَانِ
عَلَيهِمُ سَلَّمَ الرَّحمانُ ما سَلِمُوا=في الذَّاتِ و الوَّصفِ عَن عَيبٍ و نُقصانِ