كسته الدّما و الرّيح ثوبا مورّدا
ديوان الدمستاني الصغير - الشيخ أحمد الدمستاني
لَعَمرُكَ صِف جُهدي إلى ساكِني نَجدِ=بِلَطفٍ لَعَلَّ اللُّطفَ في عَطفِهِم يُجدي
و قَل إن رَقَّ الحُبِّ أجهَدَهُ الهَوى=فَيُوشِكُ أن يُقضى عَلَيهِ مِنَ الجَهدِ
و إن كانَ مَوتي في هَوَاهُم شَهَادَةٌ=و لكِن لِيَدروا أنَّ مَرضاتُهُم قَصدي
رِضائي رِضاهُم كَيفَ كانَ فَإن رَضَوا=بِمَوتي فَمُرُّ المَوتِ أشهَى مِنَ الشَّهدِ
و ما باخِلٌ بالنَّفسِ في الحُبِّ صادِقٌ=بإجماعِ أهلِ الحَلِّ في الوُدِّ و العَقدِ
و اصدَق بِصِدقِ الباذِلينَ نُفُوسَهُم=لِنَصرِ إمامِ العَصرِ و العَلَمِ الفَردِ
قضاءً لِحَقِّ الحُبِّ في اللهِ رَبِّهِم=و مُرسِلِهِ الهادي إلى مَنهَجِ الرُّشدِ
غَدَاةَ لِقَتلِ ابنِ النَّبيِّ تَجَمَّعَت=طُغاةُ بَني حَربٍ و شَرِّ بَني هِندِ
لإدراكِ وِترٍ سالِفٍ مِن أبيهِ في=مَشَايِخِهِم في يَومِ بَدرٍ و في أُحدِ
يَسُومُونَهُ لِلضَّيمِ طَوعَ يَزيدِهِم=و تأبَاهُ مِنهُ نَخوَةُ العِزِّ و المَجدِ
فَصَانَ قَنَاةَ الدِّينِ عَن غَمزِ كافِرٍ=و حاطَ حَريمَ الشَّرعِ عَن ضَيمِ مُرتَدِ
ألَيسَ ولاءُ الدِّينِ و الشَّرعُ حَقَّهُ=و ميراثَهُ حَقاً مِنَ الأبِ و الجَدِّ
و قالَ احفَظوني في الكِتابِ و عِترَتي=فإنَّهُما نِعمَ الخَليفَةِ مِن بَعدي
و إنَّهُما لا يُخرِجاكُم عَنِ الهُدى=و لَن يُدخِلاكُم في ضَلالٍ عَنِ القَصدِ
و هَل يَنفعُ القَولُ البليغُ أراذِلاً=قُلُوبُهُمُ أقسى من الحجرِ الصَّلدِ
و مَجَّ نَصوحَ النُّصحَ خُبثُ طِباعِهِم=بِعِلَةِ ما فيها مِنَ الكُفرِ و الحِقدِ
فَبَعضٌ بِنَبلٍ كَلَّمُوه و بَعضُهُم=سُكُوتٌ و بَعضٌ رَدَّهُ أقبَحَ الرَّدِّ
فأعرَضَ عَنهُم آيساً مِن نَجَاتِهِم=و أنَّهُمُ لا يَهتَدونَ إلى الرُّشدِ
و أقبَلَ يَدعو أهلَهُ و بناتَهُ=هَلِمُّوا لِتَوديعي فذا آخِرُ العَهدِ
عَلَيَّ عَزيزٌ بُعدُكُم و فِراقُكُم=و ذُلُّكُمُ خَلفي و ضَيعَتِكُم بَعدي
عَليكم بِتقوى اللهِ و الصَّبرِ و الرِّضا=فإنَّ بتقوى الله مُعتَصَمُ العَبدِ
فلا يُذهِبِ الشَّيطانُ في الخَطبِ حِلمُكُم=فَتَخلَعنَ سِربالَ الوَقارِ مِنَ الوَجدِ
و جانِبنَ نَشرَ الشَّعرِ في فادِحِ البَلا=و حاذِرنَ شَقَّ الجَيبِ و اللَّطمِ لِلخَدِّ
و يَمَّمَ نَحوَ القَومِ كاللَّيثِ صائِلاً=يُحامي عَنِ الأشبالِ روحي لَهُ تَفدي
و أنَّى لأُسدِ الغابِ قوَّةُ بأسِهِ=تعالى مقاماً أن يُشَبَّهَ بالأُسدِ
على سابقٍ رَخوِ الوَضينِ مُعَوَّدٍ=على الحَربِ يَسبِقُهُ إلى الأجلِ المُردي
بِيُمناهُ عَضبٌ قاطِعُ الحَدِّ مُرهفٌ=سنا بَرقِهِ يُردي الأُسُودَ مِنَ البُعدِ
و أسمَرُ عَسَّالٍ كأنَّ سِنانُهُ=سَنَى لَهَبٍ ما زالَ مُتَّصِلَ الوَقدِ
يَكِرُّ على جَمعِ العِدا و هوَ مُفرَدٌ=بِأَربَطِ جأشٍ لَم يَهَب كَثرَةَ الجُندِ
فَكَم مَرَقَ الخَطَّارُ مِن قَلبِ مارِقٍ=و كَم بَتَّ بالبَتَّارِ مِن عُمرِ مرتَدِ
و كَم كَفَّ كَفاً سَيفُهُ كَفَّ كافِرٍ=فأبعَدَها عَن مَفصَلِ الكَتفِ و الزِّندِ
و لَو شاءَ قَتلَ القَومِ طُراً و كُلَّ مَن=عَلَى الأرضِ ما اسطَاعوا لِذلِكَ مِن رَدِل
و لكن أحَبَّ اللهُ إنجازَ وَعدِهِ=و تَبليغِهِ أعلى المراتِبِ في الوُدِّ
فَيَسقِيهِ من كأسِ الشَّهادَةِ شَربَةً=تَجِلُّ مذاقاً أن تُشَبَّهَ بالشَّهدِ
فناداهُ داعي الحَقِّ في طَفِّ كَربلا=فَلَبَّاهُ مُرتاحاً إلى ذلكَ الوَعدِ
فَخَرَّ على وَجهِ البَسيطَةِ صاعِداً=عُلاهُ لأعلى قُبَّةِ العَرشِ ذي البُعدِ
يَعِزُّ على المُختارِ قَتلُ حَبيبِهِ=و مَصرَعُهُ في التُّربِ مُنعَفِرَ الخَدِّ
فَقَد كانَ يُشجيهِ و يُضرِمُ وَجدَهُ=سَمَاعُ بُكاهُ إذ يُمَهِّدُ في المَهدِ
فَدَاهُ بإبراهيمَ مُهجَة قَلبِهِ=و ما كانَ إبراهيمُ بالهَيِّنِ الفَقدِ
فَكَيفَ و لو وافاهُ و الشِّمرُ فَوقَهُ=يُحَكِّمُ في أوداجِهِ قاطِعَ الحَدِّ
لِيَنحَرَهُ و السِّبطُ للهِ ضارِعٌ=و مُبتَهِلٌ يَشكو و يُعلِنُ بالحَمدِ
و يَشهَدُهُ مُلقىً بِعَرصَةِ كَربَلا=ثَلاثَ لَيالٍ لا يُلَحَّدُ في لَحدِ
كَسَتهُ الدِّما و الرِّيحُ ثَوباً مُوَرَّداً=تُمَزّقُهُ أيدي المَضَمَّرَةِ الجُردِ
إذاً لَغَدَا بالحُزنِ مُتَّقِدَ الحَشَا=و ظَلَّ بِنارِ الوَجدِ مُحتَرِقَ الكَبدِ
يَعِزُّ على الكرارِ رَفعُ كَريمِهِ=على الواسِعِ الأُنبُوبِ و الأسمَرِ الصَّلدِ
كَشَمسٍ تَجَلَّت في مُحيطِ كمالِها=و حَلَّت بِأعلى أوجِ مَنزِلَةِ السَّعدِ
و سَوقُ النِّساءِ الهاشِمِياتِ وُلَّهاً=إلى الثَّمِلِ المَخمُورِ و الأرذَلِ الوَغدِ
إذا شبَّ في أكبادِها لاعِجُ الجَوَى=و اشتَدَّ في أحشائِها لاهِبُ الوَجدِ
تُنادي عَلياً و البَتولُ و أحمَداً=و حَمزَةَ و الطَّيَّارُ في جَنَّةِ الخُلدِ
تَرَاكُم عَلِمتُم ما رُزينا و ما جَرَى=عَلَينا مِنَ الأرجاسِ نَسلِ بَني هِندِ
مَنَنتُم عَلَيهِم إذ مَلَكتُم رِقابَهُم=بِلا عِوَضٍ مَنَّ المَوالي عَلى العَبدِ
فَجَاوَزَكُم إذ طَوَّلَ الدَّهرُ باعَهُم=و أقدَرَهُم بالقَتلِ و الأسرِ و الطَّردِ
و قَد ذَبَحوا المَولَى العَزيزَ عَلَيكُمُ=خَليفَتُكُم في الأهلِ و المالِ و الوُلْدِ
و ذادُوهُ عن وِردِ المياهُ و أورَدُوا=جَوَانِحَهُ حَدَّ المُثَقَّفَةِ المُلدِ
و ها نَحنُ مِن فَوقِ الجِمالِ حَوَاسِرٌ=نُقاسي الأذى في شِدَّةِ الزَّجرِ و الجَلدِ
أيا عِلَّةَ الإيجادِ يا مَن بَلاؤُهُم=و فَضلُهُمُ جازٍ عَنِ الحَدِّ و القَدِّ
و مَدحُكُمُ عِندَ المُحِبِّينَ ذَوقُهُ=و رَيَّاهُ قَد فاقا على الشَّهدِ و النَّدِّ
نَظَمتُ عُقُوداً مِن جَوَاهِرِ فَضلِكُم=بِها جِيدُ دَهري فائِقٌ كُلَّ ذِي عِقدِ
عُرُوضاً لِما قَد قالَ مِن قَبلُ والِدِي=(مُحيطُ البَلايا مُستَديرٌ على المَجدِ)
سَقَتني رَضيعاً حُرَّةُ ثَديَ حُبِّكُم=و ما أنا مِن أهلِ الفِصالِ عَنِ الوُدِّ
فلا عَجَباً إن حازَ أحمَدُ في غَدٍ=جِوارَكُمُ و الخُلدَ في جَنَّةِ الخُلدِ
كذلِكَ آبائي و ما فَرَعوا و مَن=قَرَا النَّظمَ و الوَاعي مَعَ الصَّحبِ الوُلدِ
عَليكُم سَلامُ اللهِ يا سَادَةَ الوَرَى=و ألزَمهُم طُراً على الواحِدِ الفَردِ