تنفكّ تذكره المنابر
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
كم تفتِنِينَ بكَّفِّكِ المخضوبِ=و تُرغِبينَ بوعدِكِ المكذوبِ
أتَفينَ لي و الخُلفُ مِنكِ سجيةٌ=أهدَيتِ أيسَرَها إلى عُرقوبِ
هَبْ أنتِ مانِحتي مقاليدَ الرَّجا=هل أنتِ مانِعَتي لِقاءَ شُعُوبِ
أينَ القرونَ الأولونَ و أينَ مَنْ=شادَ الحُصونَ و فازَ بالمطلوبِ
جرَّعتِهِم كأسَ المنونِ و هدَّمتْ=ما يسكِنونَ مجانقُ التَّخريبِ
كفى فضَربُكِ في حديدٍ بارِدٍ=لا هَمَّ لي بالدَّرهَمِ المضروبِ
لكِنَّ لي همَّاً بِمَا ساقَ القضا=لِلمُرتضى من فادِحاتِ خُطوبِ
جَعَلوا مقامَ عليِّهِم لِدَنِيِّهِمْ=و مِزِيَّةَ المَعصوبِ لِلمَثلُوبِ
جريَاً على سُننِ اليهودِ فإنَّهُم=جَعَلوا مقامَ الرَّبِّ لِلمربوبِ
كَبَنِي أبي سُفيانَ و ابنِ العَاصِ=و الضَّحَّاكِ شرِّ شُرَاتِها و شَبيبِ
و المارِدِ الرِّجسِ المُرادي الَّذي=لَعِبَت قِطامُ بِقَلبِهِ المقلوبِ
شَرَطَتْ عليهِ أن يكونَ صِدَاقُها=قَتلَ الوصيِّ و ذاكَ أكبَرُ حُوبِ
فأجابَها و أعَدَّ مِمَّا يُرتَجى=فِيهِ النَّجَاحُ بِذَلِكَ المَطلوبِ
سيفَاً سَقَاهُ السًّمَّ حَتَّى عَافَهُ=فَجَرِيحُهُ لا يُوْتَسَى بِطَبيبِ
و نَحَاهْ في غَسَقِ الغَدَاةِ وَ قَدْ هَوَى=لِسُجُودِهِ و اللهُ خيرُ رَقيبِ
فَعَلاهُ بالبَتَّارِ فوقَ قَذالِهِ=فَهَوَىْ بوَجهٍ بالدِّماءِ خَضيبِ
فأتَمَّ إيمَاءً بَقِيَّةَ فَرضِهِ=بِخُشُوعِ قَلب للإلهِ مُنِيبِ
و يقولُ فِزتُ و حَبَّذا مِنْ مَصرَعٍ=إذ كَانَ وِفقَ إرَادَةِ المَحبُوبِ
فارتَجَّتِ الأفلاكُ و الأملاكُ في=أرجائِها في رَنَّةٍ و نَحيبِ
و الرُّوحُ جبرائيلُ يدعُو مُعلِنَاً=إعوالَ مُحتَرِقِ الفُؤادِ كَئيبِ
قُتِلَ الأمينُ فَيَا جوانِحُ بالجَوَى=ذُوبي وَيَا شَمسَ المَسَرَّةِ غيبي
إنَّ الأميرَ غَدَاةَ غُودِرَ غُودِرَتْ=شَمسُ النَّهارِ لَهُ بِغَيرِ غُروبِ
و سُرادِقُ الحُجُب المُنيفَةِ أصبَحَتْ=و الحُزنُ عَنهَا ليسَ بالمَحْجُوْبِ
و البيتُ باتَ مِنَ الأسى و أسَاسُهُ=مُتَزَلْزِلٌ مُتَدَارِكُ التَّقليبِ
و غَدَا الحَطِيمُ لَهُ حَطيمَاً و الصَّفا=مُتَكَدِّراً مُتَنَكِّرَ الأُسلُوبِ
و الدَّهرُ كَابٍ في شَبابِ كآبَةٍ=مِثلَ الغُرابِ الواقَعِ المَخلُوبِ
تَنفَكُّ تَذكُرُهُ المَنَابِرُ خاطِبَاً=بسَوَانِحِ التَّرغيبِ و التَّرهِيبِ
و الشَّرعُ و الشِّكرُ الحكيمُ مُبَيِّنَاً=ما فيهِمَا من مُشْكِلٍ و غَريبِ
و الخيلُ و الليلُ البهيمُ مُجاهِداً=و مُرَتِّباً لِوَظائِفِ المَندُوبِ
فَيَحِقُّ أن يبكي و إن طالَ المَدَا=بِغَزيرِ دَمعٍ بالدِّماءِ مَشُوبِ
يا سَادَةَ النُّجَبَاءِ يا مَنْ حُبُّهُمْ=سِمَةٌ و مكرُومَةٌ لِكُلِّ نَجيبِ
بِكُمُ عَلَوتُ فإنْ أُساهِمُ في العُلا=يَكُنِ المُعَلَّى و الرَّقيبُ نَصيبي
حَسبُ الفَتَى حَسَنٍ خُلُوصُ ولائِهِ=لَكُمُ خَلاصَاً مِنْ وَثَاقِ ذُنُوبي
عطفَاً عليَّ و والِدَيَّ و أخوَتِيْ=فيكُمْ و أحمَدُ مُهجَتي و حَبيبي
و عَلَيكُمُ صَلَّى المُهَيمِنُ ما وَعَتْ=آذانُ مُستَمِعٍ خِطَابَ خَطِيبِ