يعدّون كأس الموت كأس مدامة
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
أتَغْتَرُّ مِن أهلِ الثَّنَاءِ بِتَمجيدِ=وَجدُّكَ من عِقدِ العُلى عاطِلُ الجِيدِ
أيُجدِيكَ تَمجيدُ الأنامِ جَلالَةً=إذا لَم تَفُز مِن ذِي الجَلالِ بتَمجيدِ
لَعَمرُكَ ليسَ المَجدُ بالمَدحِ و الثَّنا=و دَعوى العُلا مِن غَيرِ بَذلٍ لِمَجهودِ
و لَكِن بِجَمعِ الهَمِّ للهِ وَحدَهُ=و تَفريقِهِ بالسَّعيِ في كُلِّ مَحمُودِ
و لَو باقتِحَامِ الهَولِ في طَلَبِ العُلى=بِسُمر القَنَا و البِيضِ و القَطعِ لِلبِيْدِ
ألَم تَرَ أنَّ السِّبطَ قَوَّضَ رَحلَهُ=يَجُوبُ الفَلا في نَاصِريهِ الأماجيدِ
يُقيمُ قَنَاة الدِّينِ حَيثُ أمالَهَا=يَزيدٌ و لَم تَظفُر لَدَيهِ بِتَسديدِ
فَبَيْنَاهُ إذ لاقَى ابنَ سَعدٍ يَقودُهُ=أمَامَ السَّرايَا طالِعٌ غَيرُ مَسعُودِ
فَلاقى زُهَا سَبعينَ ألفَاً بِنَيِّفٍ=و سَبعينَ وافينَ الذِّمَامِ مَنَاويدِ
فَثَابُوا إلى نَيلِ الثَّوَابِ و قَصَّدُوا=صُدُورَ العَوَالي في صُدُورِ الصَّنادِيدِ
و جادُوا بأسنَى ما يَجُودُ بِهِ الوَرَى=و لَيسَ وَرَاءَ الجُودِ بالنَّفسِ مِن جُودِ
يَعُدُّونَ كأسَ المَوتِ كأسَ مُدَامَةٍ=تَنَاسَت لِبُعدِ العَهدِ قَطفَ العَنَاقيدِ
و لَمْعَ حُدُودِ البِيْضِ تًصبَغُ بِالدِّمَا=وَبِيْضَ حُدُودِ البِيْضِ شِيبَتْ بِتَوريدِ
إلى أن سُقُوا كأسَ الرَّدَى لَم يُبَرَّدُوا=غَليلاً بِمَا فيهِ مَضَنَّةُ تَبريدِ
فأورَدَهُم مَولاهُمُ مَورِدَ الرِّضا=هَنيئاً لَهُم فازَوا بِأَعذَبِ مَورُوْدِ
فَظَلَّ وَحيدَاً واحِدُ العَصرِ لَم يَجِد=مَحيدَاً سِوَى طَوعٍ لِفاقِدِ تَوحيدِ
فأثبَتَهُ في العِزِّ نَفسٌ أبيَّةٌ=عَنِ الضَّيمِ تَعظيماً لِأَعظَمِ مَعبودِ
يَخوضُ المنايا قَدْ تَسَربَلَ قَلبُهُ=على مِثلِ أحداقِ الأرَاقِمِ مَسرُودِ
بِعَضبٍ متى استنضاهُ في وَجهِ ضَيمٍ=هِزَبرٍ كَسَاهُ الرُّعبُ رَعشَةَ رِعدِيدِ
على سابِقٍ لَم يَحضُر الحَربَ مُدبِراً=و ما زالَ فيها طارِداً غَيرَ مَطرودِ
سَليمِ الصَّلا و الكِفلِ عَن خَدشِ خَادِشٍ=كَليمِ الطَّلا و النَّحرِ في الحَربِ مَكدُودِ
متى انقَضَّ وسطَ الجَيشِ أركَبَ قَلبَهُ=جَنَاحَيهِ مِن قَتلٍ مُبيدٍ و تَشريدِ
يَميناً بيُمناهُ الَّتي لَم يَزَل بِهَا=شُوَاظُ حُتُوفٍ أو مَنَابِعٌ لِلجُودِ
لَقَد زادَ في شأنِ الشَّجاعَةِ رِفعَةً=و شادَ على أركانِهَا أيَّ تَشييدِ
فما ذاقَ حَرَّ القَتلِ مِن ضَعفِ قُوَّةٍ=و لكن قَضَاءَ اللهِ ليسَ بِمَردُودِ
على أنَّهُ ما بَلَّ مِنذُ ثلاثَةٍ=صَدَا قَلبِهِ إلَّا نَجيعُ دَمِ الجِيْدِ
و قاسى على جُهدٍ ثَمَانينَ ضَربَةٍ=بِسَيفٍ و عَسَّالٍ و سَهمٍ و جَلمُودِ
و أيسَرُ مِن ذا يَسلِبُ الليثَ بَطشَهُ=و يُرغِمُ آنَافَ الغَطَارِفَةِ الصِّيْدِ
و لكِنَّهُ سِرُّ المُهَيمِنِ في الوَرَى=فلا عَجَبَاً إن فازَ مِنهُ بِتأَيِيدِ
كأني بِهِ يَلقَى الأسِنَّةَ ضاحِكاً=لِقاءَ وُفُودٍ أمَّلَت خيرَ مَوفَودِ
يَرَى الحَتفَ فَتحاً بَل مَجَازَاً حَقيقَةً=إلى خَيرِ دارٍ خَيرُها غيرُ مَحدودِ
فَوَا أسفاً لو كانَ يُجدي تأسُّفٌ=على بَطَلٍ صادٍ عَنِ الماءِ مَصدودِ
يرى أهلَهُ ذُبلَ الشِّفاهِ مِنَ الظَّمَا=يُشِرنَ بِطَرفٍ للشَّريعَةِ مَمدودِ
يُصَعِّدُ إشفاقاً مِنَ السَّبي بَعدَهُ=علَيهِنَّ أنفاساً لَهُ أيَّ تَصعيدِ
فأيُّ وَليٍّ حازَ مِثلَ بَلائِهِ=فَيَا لَكَ خَطبٌ مثلُهُ غَيرُ مَعهودِ
لقد فازَ إبراهيمُ إذ طَوَّحَت بِهِ=عَنَادَاً أكُفُّ الكُفرِ في نارِ نَمرودِ
أَمِثْلُ حُسينٍ يركَبُ الشِّمرُ صدرَهُ=و ما هو صَدرٌ بل خُزانةُ تَوحيدِ
أَمِثْلُ حُسينٍ ينحرُ الشِّمرُ نَحرَهُ=و يرفَعُهُ في رأسِ أسمَرَ أُملُودِ
فيا ذِلَّةَ الإسلامِ مِن بَعدِ عِزِّهِ=و يا لانهِدامِ الدِّينِ مِن بَعدِ تَشييدِ
فيا لَيتَني ذُقتُ المَنيَّةَ دُونَهُ=شَهيداً فَفيها كانَ غايَةُ مَقصوديْ
فما العَيشُ بعدَ السِّبطِ إلا مُنَغَّصٌ=عَليَّ و لو أُوتيتُ مُلكَ ابنِ داوُدِ
و ما الدّهرُ حتَّى العيدُ إلا مآتِمٌ=و هل تَرَكَ العاشورُ لِلناسِ مِن عيدِ
أيَفرَحُ قلبٌ و الفواطِمُ حُسَّرٌ=يُسارُ بها أسرى على قُتُبِ الجِيدِ
يُخَدِّدنَ باللَّطمِ الخُدُودَ فما ذَرَت=مدامِعُها إلا جَرَت في أخاديدِ
و سَيِّدُنا السَّجَّادُ عانٍ مُصَفَّدٌ=فَدَيتُكَ مِن عانٍ لدى الأسر مَصفودِ
يُلاحِظُهُم شَزَرَاً بأيِّ شَمَاتَةٍ=يَزيدٌ حَليفُ الرَّندِ و العُودِ و الغِيدِ
تَغشَّاهُ لَعنٌ مُستَمرٌ و كُلَّ مَنْ=أعانَ على تِلكَ الفِعالِ بِتَمهيدِ
أيا عِلَّةَ الإيجادِ أنتُم وَسيلَتِيْ=إلى اللهِ في إنجاحِ سُؤلِيْ و مَقصوديْ
عَرَفتُ عُلاكُم بالدَّليلِ إضافَةً=مِنَ المَبدَإِ الفيَّاضِ من غَيرِ تَقليدِ
فأخرَجْتُ مِن قاموسِ تَيَّارِ فَضلِكُمْ=جَوَاهِرَ أخبَارٍ صِحَاحِ الأسَانيدِ
و أرسَلتُ آمالي بِجُوديِّ جُودِكُمْ=و أنجِحْ بِهَا حَيثُ استَقَرَّتْ على الجُودِ
فَهَا حَسَنٌ ضَيفٌ لَكُم يَسألُ القِرَى=و ما الضَّيفُ مِن بابِ الكِرَامِ بِمَردُودِ
فَمِنُّوا بإدخاليْ غَدَاً في جِوارِكُم=و أصلي و فَرعي وَالِدَيَّ و مَولُوديْ
عَلَيكُمْ سَلامُ اللهِ ما حُرِّكَ الهَوَى=بِقَرعٍ لَعُودٍ أو بِسَجْعٍ على عُودِ