يعشقون ظبى الهند
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
مُحيطُ البلايا مُستَديرٌ على المَجدِ=فلا مَجدَ إلا للصَّبورِ على الجُهدِ
و لو لا وُقوُعُ المَجدِ في مَركَزِ البلا=لَدَاسَ ذَرَاهُ أخمُصُ الحُرِّ و العَبدِ
و ما امتَازَتِ الأشرافُ في طَبَقَاتِهَا=مِنَ الفضلِ إلَّا بالتَّفاوُتِ في الجِدِّ
إذا اشتدَّتِ البَلوَى تَضَاعَفَ أجرُهَا=و مِن ثَمَّ فاقَت كَربلاءُ على أُحدِ
و إن لَفَّ بُردُ الفَضلِ بَدرَاً فَكَرْبَلا=جِميعَاً ثَوْتَ بَدراً بِحاشيَةِ البُردِ
لِأَصحابِ بَدرٍ مِن وراءِ ظُهُورِهِم=ظَهيراً يُغَطِّيْ سَاحَةَ الجَزْرِ بالمَدِّ
و مُزْنُ مَواعيدِ الإلهِ بنَصرِهِ=عَلَيهِم هُطُولٌ دَوقَةُ مَحْمَد الوَقْدِ
إذا أرعَدَت في الرَّوعِ مِنهُم كَتيبَةُ=فَالَّقَ النَّصرِ في ذَلِكَ الرَّعدِ
و لَيسوا كأنصَارِ الحُسَينِ بِكَربلا=فإنَّهُم في كُلِّ ذَلِكَ بالضِّدِّ
فلا مَعقِلاً إلا ظلَالُ سُيُوفِهِمْ=و إلَّا قَرَابيسُ المُضَمَّرَة الجُردِ
و لا مَوعِداً إلَّا بقتلٍ و مِثلَةٍ=و هَتكِ نِساءٍ ثُكّلِ الأهلِ و الوِلْدِ
و مَنهْلَاً إلا دِماءٌ تَحَدَّرَتْ=على اللَّهْدَم الخّطِّيِّ و المِخْذَمِ الهِنْدِيْ
شَرى اللهُ مِنهُم بالجِنانِ نُفُوسَهُم=تَبَارَكَ مِن شَارٍ و بُورِكَ من نَقدِ
رأوا ما أعَدَّ اللهُ فيها لِأهلِها=عَيَانَاً و شَمُّوا رايحَ المِسكِ و النَّدِّ
فَتَاقَ إلى طِيبِ الجِنَانِ جنَانُهُم=و ما طَيِّبٌ في الطَّيِّباتِ بِذِي زُهْدِ
يَعِدُّونَ لَذَّاتِ الحياةِ و طيبَهَا=سُمُوماً و صابَ المَوتِ ضَرباً مِنَ الشَّهدِ
أُسُودَ شَرَىً لا يَعشقونَ جَآذِرَاً=مِنَ الهِندِ لَكِن يَعشقونَ ظُبى الهِندِ
مَتَى صَلَّتِ البِيضُ الرِّقاقُ أمامَهُم=لإدرَاكِ ثارٍ يَشفَعوا الشُّكرَ بالحَمدِ
فَلِلَّهِ كَم قَدَّت ظِباهُم قَسَاوِراً=عَلَيهَا دِلاصٌ لُمَّعٌ حُبَّكُ السَّردِ
و للهِ كَم عَفَّت حُدُودُ سُيوفِهِم=رُسومَ سُيوفٍ لا تُهدَّى و لا تَهديْ
إلى أن ضَفَت مِن حَولِهِم حُلَلُ الرَّدى=قَوَانِيُّ لكن سَوفَ تَخضَرُّ في الخُلدِ
بُدُورُ سُرُوجِ الخَيلِ خيرُ بُرُوجِها=فَمَهمَا تَهَاوَت ذُبَّحاً تُمسِ في سَعدِ
و ظَلَّ وَحيدُ العَصرِ فَردَاً يَخوضُ في=بُحُورِ دِمَاءٍ مِن نُحُورِ بَني هِنْدِ
إذا جالَ بالأبطالِ خِيلَ إلَيهِمُ=مَجَالُ عَلِيٍّ بالكَتَائِبِ في أُحْدِ
إلى أن هَوَى مِن نَبلَةٍ في فُؤَادِهِ=ضَعيفَ القِوَى إلَّا عَنِ الشُّكرِ و الحَمدِ
صَريعاً على حَرِّ الجَبينِ مُعَفَّرَاً=يُعالِجُ نَزعَ السَّهمِ مِن وَسَطِ الكَبْدِ
و يُضرِمُ وِجدي قَولُ زَينَبَ لِلنِّسَا=و حَولَ أخيهَا دَائِرٌ سائِرُ الجُندِ
صُفوفاً يُريدُونَ احتِزازَ كَريمَهِ=قُلُوبُهُمُ تَغلي عَلَيهِ مِنَ الحِقْدِ
و مَن يَدنُ يُرجِف قَلبُهُ مِنهُ خِيفَةً=و يِخشاهُ طَبعَاً خِيفَةَ الأسَدِ القِردِ (1)
تَقولُ لِتِلكَ الطَّاهِراتِ أغفلَةً=و هذا حُسَينٌ ذايقٌ حَتفَهُ المُرديْ
أَأَحْمَدُ يَفديهِ مِنَ المَوتِ بابنِهِ=و يُذبَحُ جَهراً ما لَهُ أحَدٌ يَفديْ
تَعَالَينَ نَبذِلْ جُهدنا في فِدائِهِ=فَكُلُّ جَليلٍ دُونَهُ هَيِّنُ الفَقدِ
فَلَمَّا رأينَ السِّبطَ و الشِّمرُ مُتَّكٍ=عَلَيهِ و قَد سَلَّ الحُسَامَ مِنَ الغَمدِ (2)
سَقَطْنَ على حَرِّ الوُجُوهِ ذَواهِلاً=زَوَاجِرَ شِمرٍ وَيلُ أُمِّكَ مِن وَغدِ
أَيَا شِمْرُ هذا واحِدُ العَصرِ سُؤدَدَاً=و فَخرَاً و ثاني قُرطَيِ العَرشِ و المَجدِ
أيا شِمرُ ذا رَيحانَةُ المُصطفى الَّتي=يُرْجِّحُهَا شَمَّاً على أَرَجِ الوَرْدِ
و كانَ يُرَبِّيهِ صَغيراً و فَاطِمٌ=جَميعَاً جِبريلٌ يُناغِيهِ في المَهدِ
إذا حَزُنَ اغتَمُّوا و إن سُرَّ يَفرَحُوا=يُكِنُّونَهُ عَن شِدَّة الحَرِّ و البَردِ
فَمَا حالُهُم لو عَايَنُوهُ مُجَدَّلاً=طَريحَاً على الرَّمضاءِ مُنعَفِرَ الخَدِّ
ألا ارفَع غِرارَ السَّيفِ عَن نَحرِهِ فَقَد=تَحَلَّقَتِ الأملاكُ تَبكي مِنَ الوَجدِ
فما ازدادَ إلا قَسوَةً و جَرَاءَةٌ=و حَكَّمَ في أودَاجِهِ مُرهَفَ الحَدِّ
و تَوَّجَ بالرَّأسِ الشَّريفِ مُثَقَّفاً=فأشرَقَ نُوراً في الأهاضيبِ و الوُهدِ
فَخَرَّت على أذقانِهِنَّ ذُرى العُلى=و لَم يَبقَ رُكنٌ لِلهُدى غيرُ مُنْهَدِّ
و سيقَت نِساءُ السِّبطِ أسرَى حَوَاسِرَاً=على قُتُبِ النِّيقِ الهِزَالِ مِنَ الجُهْدِ
تُنادي أبَاهَا في الأُسَارَى سُكَينَةٌ=بِقَلبٍ وَجِيعٍ بالمَصَايِبِ مُنقَدِّ
أيا أبَتَا ما لي أرَاني أسيرَةً=بِكَفِّ طَليقٍ عاِبسِ الوَجهِ مُرتَدِّ
أبي مَضَّني ضَربُ السِّياطِ بِعَاتِقِيْ=و آلَمَنِي لَطمُ الأكُفِّ على خَدِّيْ
فها أنا قد أُلبِستُ ثَوبَاً مُسَهَّمَاً=مِن الجِلدِ لا يَبلَى بِدُونِ بِلَىْ جِلدِيْ
و غُلَّتْ أشَدَّ الغِلِّ يا والِدِي يَدي=و عِيقَت بِضيقِ الشَّدِّ عَن سَعَةِ المَدِّ
أبي كُنتَ سُلطاني المَديدِ على الوَرَى=و كَنزيْ مَتَى احتاجُ الوُفُودَ إلى رَفْدِ
فَذَا اليَومُ لا الوُغَّادُ يَقرَعُ سَمعَهَا=و عِيدِي و لا الوُفَّادُ تَطمَعُ في وَعديْ
أبي يا ذَبيحَاً مِن قَفَا غَيرُ بالِغٍ=منَىً و حَطيماً في صَفَا خَشِنٍ صَلْدِ
قَتيلاً تَحَامَاهُ الأُسُودُ مَهَابَةً=و قَد ظَلَّ عُرياناً ثَلاثَاً بِلَا لَحدِ
بَكَنْهُ بِقانِيهَا السَّماءُ و ما لَهَا=و قَد بَخَلَت مِن قَبلُ مَعذِرَةً عِندِيْ
أتَبكي دِماءً حَيثُ لا يَنفَعُ البُكَا=فَهَلَّا بَكَت بالغَيثِ حَيثُ البُكَا يُجدِيْ
عَشيَّةَ باتَ السِّبطُ عَطشَانَ صادِياً=و أصبَحَ مَسجورَ الحَشَا مُحرَقَ الكَبدِ
يَوَدُّ لو ابتَلَّت جَوَانِحُهُ و لو=بِتَضميدِهَا بالنَّتنِ مِن حَمَأ الثَّمدِ (3)
أَرَأْسُ حُسَينٍ فَوقَ رُمحٍ هَدِيَّةٌ=لِشَرَّابِ خَمرٍ دأبُهُ اللَّعْبُ بالنَّردِ
و يترُكُ مِنهُ الثَّغرَ قَرعَاً كأَنَّهُ=نَثيرُ لآلٍ قَد تَسَاقَطنَ مِن عَقدِ
يَزيدٌ عَلَيهِ اللَّعنُ دأبَاً و أُمُّهُ=و والِدُهُ و العَمُّ و الخالُ و الجَدُّ
نِظامُ وُجودِ الخَلقِ هاكُم لآلِئَاً=مُنَظَّمَةً فاقَت على كُلِّ ذيْ ضِدِّ
و مُستَقْبِحَاً قَولاً بَليغاً عَذَرتُهُ=لِقُبحِ ضِيَاءِ الشَّمسِ في الأعيُنِ الرَّمْدِ
أَقَلُّ قَليلٍ في جَليلِ جَلالِكُم=و لَكِنَّما المُهدَى عَلَى قَدرِ المُهدِيْ
إذا حَسَنٌ حَازَ القبُولَ فإنَّهُ=قبُولٌ لِعَقدِ الحُورِ في جَنَّةِ الخٌلدِ
عَلَيكُمْ سَلَامٌ لَا انحِصَارَ لِعِدِّهِ=مَتَى انحَصَرَ التَّعدَادُ في الزَّوجِ و الفَردِ