أضرم الشّوق في صميم فؤادي
ديوان نيل الأماني - الشيخ حسن الدمستاني
أضرَمَ الشَّوقُ في صَميمِ فُؤاديْ=نارَ وُجدٍ تَشِبُّ ذاتَ اتِّقَادِ
لِشَهيدٍ بعَرصَةِ الطَّفِّ ثاوٍ=جَرَّعَتهُ الرَّدَى شِرارُ العِبادِ
عَظُمَ الرِّزءُ بالحُسَينِ فَخَرَّت=مِن عُلاها شَوَامِخُ الأطوادِ
لَستُ أنساهُ في عِراصِ المَنَايَا=و الأعادي مِن حَولِهِ كالجَرَادِ
شُرَّعاً نَحوَهُ بِرَشقِ سِهامٍ=و رِماحٍ زٌرقٍ و بِيْضٍ حِدْادِ
يُنذِرُ القَومَ راقِبُوا الله و اخشَوهُ=و خافُوا القِصاصَ يَومَ المَعَادِ
أوَمَا تَعلَمُونَ أنِّي ابنُ بِنْتِ=المُصطفى أحمَدِ النّذيرِ الهاديْ
إنَّ جَدِّيْ بِغَيرِ رَيبِ و أُمِّيْ=أفضَلُ الأُمَهاتِ و الأجدادِ
و أبي المُرتَضَى قَسيمُ جَحيمٍ=و نَعيمٍ بيَومِ عَرضِ المَعَادِ
لا يُوافي الجِنانَ إلَّا مُجيبٌّ=خَصَّنَا مِنهُ بِوَلَا و الوِدَادِ
فاستَبَانَ النُّفورُ مِن عُصَبِ الزُّورِ=و فَورَ الصُّدورِ بالأحقَادِ
و دَعَوا قُمْ إلى الجِلادِ و إلَّا=فارضَ بالانقِيادِ لابنِ زيادِ
ما لَهُم عامي الرَّشادِ تُقادُ=سُرَاةُ العِبادِ لِلأوغَادِ
فاستَوى فَوقَ ضامِرٍ يَسبِقُ الطَّرفُ=تَهَيَّا مِن وَقتِهِ لِلجِهادِ
و ثَنَى القَصدَ لِلخِيَامِ لِتَوديعِ=ذَويهِ و الأهلِ و الأولادِ
فَتَبَارَكُوا مِن حَسرَةٍ قالَ مَهلاً=فالبُكا بَعدَ مَصرَعي و ابتِعاديْ
و عَلَيكُم بالصَّبرِ فالصَّبرُ في الخَطبِ=لَعَمري مِن شِيمَةِ الأجوادِ
لا تَشُقُّوا الجُيُوبَ بَعدَ فِراقيْ=و عَلَيكُم بِطاعَةِ السَّجَّادِ
و عَلَيكُم مِنِّي السَّلامُ فَإنِّي=راحِلٌ و اللِّقاءُ يَومَ المَعَادِ
و استَحَثَّ الجَوَادَ و اقتَحَمَ المَوتَ=و خاضَ المَنونَ فَوقَ الجَوَادِ
يَطرُدُ القَومَ فَوقَ مُهرٍ سَبوقٍ=مُستَجَادٍ مُعَوَّدٍ بالطِّرَادِ
ثابِتِ الجاشِ و هوَ فَردُ غَريبٍ=لَيسَ يَخشى مِن غُربَةٍ و انفِرَادِ
واحِداً يَضرِبُ الجُمُوعَ دَرَاكَاً=فَيَرِدُّ الجُمُوعَ لِلآحَادِ
لَم يَزل يَخطِفُ النُّفوسَ إلى أن=خَرَّ مُلقىً مِن فَوقِ ظَهر الجَوَادِ
لَهفَ نَفسي لَهُ صَريعاً عَفيراً=شاكياً وَجدَهُ إلى الجَوَّادِ
و غَدَا المُهرُ لِلخيَامِ يُنادي=قُتِلَ الفارِسُ الرَّفيعُ العِمَادِ
فَخَرَجنَ النِّساءُ مُنفَجِعاتٍ=مُحرَقَاتِ القُلُوبِ و الأكبَادِ
ثُمَّ أدرَكنَهُ و شِمرٌ عَلَيهِ=يَقطَعُ الرَّأسَ و الحُسَينُ يُناديْ
يا رَقيباً على الوَرَى إنَّ شِمراً=رامَ ذَبحي و أنتَ بالمِرصادِ
يا إلهي رَضِيتُ ما أنتَ راضِيهِ=و مَهمَا أرَدتَ فَهوَ مُراديْ
فَتَسَاقَطنَ فوقَهُ ذاهِلاتٍ=قائِلاتٍ لِلشِّمرِ يا شَرَّ عَادِ
وَيْكَ خَلِّ الحُسَيْنَ إنَّ حُسَيناً=حُجَّةُ اللهِ في جَميعِ العِبَادِ
وَيْكَ خَلِّ الحُسَيْنَ إنَّ حُسَيناً=في سِنيِّ الجَدْبِ كَعبَةُ الوُفَّادِ
وَيْكَ خَلِّ الحُسَيْنَ كَهفَ اليتامى=إن رَمَاهُم زمانُهُم بالعَنَادِ
أيُّها الرِّجسُ هل تُدينُ بِدِينِ اللهِ=أم أنتَ مِن ذَوي الإلحَادِ
إن تَكُن مُسلِماً فَوَاللهِ إنَّ القَتلَ=لِلسِّبطِ آيَةُ الإرتِدَادِ
فاستَشَاطَ اللَّعينُ غَيظاً فَكَبَّ=السِّبطَ ما كانَ عَنهُ بالمُنحَادِ
و بَرَى الرَّأسَ بالحُسَمِ و عَلَّاهُ=على رأسِ أَسمَرٍ مَيَّادِ
فَبَكَتْهُ السَّمَاءُ و الأرضُ و الكائِنُ=فيهَا مِن ناطِقٍ و جَمَادِ
ثُمَّ مالُوا إلى النِّساء بسَلبٍ=و بسَحبٍ على الرُّبى و الوِهَادِ
ثُمَّ سارُوا بِهِنَّ أعنَفَ سَيرٍ=فَوقَ بَزلٍ عُجفى بِغَيرِ مِهَادِ
يَتَناجَينَ مِن أليمِ الرَّزَايَا=يَتَخَفَّينَ مِن عُيُونِ الأعَاديْ
و شَجَتنِيْ سُكَينَةٌ حينَ تَرثيْ=لِأَبيهَا بالنَّدبِ و التَّعدَادِ
لَستُ أنسَاكَ يا أبي يا صَريعَاً=قد قَضَى و هوَ مَحرَقُ القَلبِ صَادِ
يا مُعَلَّىً كَريمُهُ فَوقَ رُمحٍ=و رَضيضاً جُثمانُهُ بالجِيَادِ
يَا أَبِيْ يَا مُؤَمَّلي و ثُمالي=و ملاذي و مَعقِلي و عِمَاديْ
يَا أَبِيْ يَا عَمُودَ فِسطاطِ عِزِّيْ=بَعدَكَ اليَومَ مَن عَلَيهِ اعتِمَاديْ
يَا أَبِيْ يَا فاطِمُ الصَّغيرَةُ لا تَقوى=على الهَجرِ مِنكَ و الإبعَادِ
يَا أَبِيْ يَا ضُمَّها إلَيكَ و صُنهَا=عَن عُونِ النُّظَّارِ و الرُّصَّادِ
يَا أَبِيْ لو ترى العَليلَ عَليّاً=مُستَكيناً يُقادُ في الأصفادِ
يا لها من مُصيبَةٍ قد أناخَت=بِصُدُورِ الصُّدُورِ و الأمجَادِ
أرغَمَت مَعطِسَ العُلى و أباحَت=حَوزَة الدِّين في جَميعِ البِلادِ
أَيُعلى رأسُ الحُسَينِ بِلُدنٍ=و يُخلَّى الجِسمُ الشَّريفُ بِوَادِ
و بَنَاتُ الرَّسولِ تُسبى كما=تُسبى بَنَاتُ الزُّنُوجِ و الأكرادِ
حاسِرَاتٌ على الجِمالَ بِوادٍ=بَينَ أهلِ القُرى أهلِ البَوَاديْ
باكِياتٌ جُفُونُهُنَّ هَوَامٍ=حائِماتٌ قُلُوبُهُنَّ صَوَادِ
مُهدَيَاتٌ إلى يَزيدَ الغَويِّ=الَّذي لا زالَ غَيُّهُ في ازديَادِ
زادَهُ اللهُ لَعنَةً و عذاباً=مُستَمدَّاً و ما لَهُ مِن نَفَادِ
يا بَني الأنبيا و أسرارِ طَهَ=و طَوَاسِينِهَا و نُونٍ و صَادِ
أنتُمُ ما حَيِيْتُ مِقباسُ رُشديْ=و إذا ما بُعِثْتُ زادُ مَعَاديْ
و لقد فازَ عبدُكُم حَسَنٌ مِن=حُسنِ ظَنِّي بِكُم و صِدقِ اعتِقاديْ
فاشفَعُوا لي و والِدَيَّ و وِلْديْ=و تفاريعِهِم و أَهلِ وِدَاديْ
و صَلاةُ السَّلَامِ تُهدى إلَيكُم=ما تَرَامَتْ مَرَاتِبُ الأعدَادِ