في مدح الإمام علي (ع) السيد جابر الجابري (مدين الموسوي)
في مدح الإمام علي (ع)
افض في يدي من كلّ قافية بحرا=لعلّ بحور الشعر تلهمني شعرا
وردّ إلى عيني رؤاها فأنّها=بحبّك لا زالت مغيّبة سكرى
وفكّ يدي من أسرها فيك ساعة=فما رغبت إلاّ على يدك الأسرا
ولم تر أندى منك للحبّ منبتاً=ولم تلق وجداً من ضرامته أضرى
لأنّك ملء الروح تهتزّ كالرؤى=إذا جنحت يوماً تعود بها دهرا
سددت عليّ القول لا أنت مانع=وحاشا يديك البحر أن تمنع القطرا
ولكن أرى للحبّ سلطان كافر=إذا آمنت روح يطيش بها كفرا
فهات الرؤى محرورة الطيف تنحني=على نبعك المعهود يلهمها سحرا
لارسم وجدي فيك عذراً مجملا=وآخر همّي فيك أن أبلغ العذرا
أمير بيوت الوحي لست مغالياً=ولا ناطقاً زهواً ولا قائلاً هجرا
أغالب فيك الوجد ليلاً منوّراً=وصبحاً مندى أعشب الجدب والقفرا
لأنّي وجدت الله فيك فشدّني=لطلعته غيب وكشف لي سترا
فما بين روح أيقظت في رفيفها=هواك وقلب أذهل الروح والفكرا
وقفت أجيل الفكر حولك معجزاً=وسحراً تداعى فيك كي يبطل السحرا
فلوح لي في كلّ أُفق غمرته=بنورك أعجاز وغيب لي غمرا
واسرح في معناك فيضاً مطهّراً=وأبحر في المعنى فيأخذني المجرى
وأقرأ في دنياك سفراً كتبته=بحدّ حسام صار في حدّه سفرا
وقاربت فيك الخلد اكشف سرّه=فنازعني في كلّ مكتومة سرّا
توحّدت في ذات الرسول فكنتها=لتملأ من صدر الرسول بك الصدرا
وكنت كمثل الظلّ ترعاه يافعاً=وتحرسه شبلاً وتحمي له قدرا
إلى أن دعا داعي الخطوب وكبرت=مأذنه واغتاظ شانئه كبرا
حملت بكفّ ذو الفقار مجلّياً=به كرباً محمومة الملتقى نكرا
وفي يدك الأُخرى بلاغاً ومصحفاً=به شارحاً من كلّ ذي عنت صدرا
ومالت لزنديك القلوب تحوطها=ذراعاك تفري دونها مهجة حرى
ففي يوم بدر اظلم الكون حولها=فكان لها ليلاً وكنت به بدرا
وفي يوم أُحد ماجت الأرض تحتها=ودارت رحاها كي تكون لها قطرا
ويوم حنين والرجال تناهبت=خطاها رمال البيد واجمة حيرى
وقفت لها طوداً تباعد همّه=ويمناه عند الروع تسبقها البشرى
وغائلة الأحزاب فاضت بخندق=إلى اليوم لم تدرك لخندقها القعرا
لقد صوّبت فيك السماء سهامها=وكنت لمرماها كنانتها البكرا
فكنت كتاب الله يحكي رسالة=ينوء بها صمتاً وتنطقها جهرا
لتفخر بالقرآن نهجاً وثورة=ويحملك القرآن في يده فخرا
وأسري في علياك مجداً مخلّداً=إلى آخر الدنيا فسبحان من أسرى
تجلّى لنا يوم الغدير رسالة=مكتمة لم ترو حرفاً ولا سطرا
تكالبت الدنيا عليه مغيظة=تضيق به خوفاً وتطعنه غدرا
كما الشمس تعطيها السحائب هالة=لتنشرها نوراً وتمنحها طهرا
تجمّلت الصحراء تلبس عريها=وليس من الصحراء أنقى إذا تعرى
لتحضر عرس الوحي يحمل صوته=بلاغ رسول تمّم النعمة الكبرى
ومرّت بك الأيدي تصافيك ودّها=وأضلاعها تغلي وأعينها عبرى
لأنّك ما أبقيت عيناً ظميئة=إلى عمّه إلاّ ورويتها خسرا
والسنة أفضت بما تحت طرفها=ليغدو رماد الغدر في يدها جمرا
فربّ يد تسقي من الشهد اكؤساً=وفي زندها الواري تأبطت الشرّا
إذا لم تكن كفّ سرى الوحي حولها=طوافاً كما يسري بكعبته الغرا
أحقّ بأمر الله تؤتيه حقّه=لتمضي به في كلّ مانعة أمرا
فمن ذا يقيل الركب غير امامة=مسدّدة لم تخش مسلكها الوعرا
ومن ذا يرويها قلوباً وأكبدا=إذا لفظت بعد الظمأ صابها المرا
سوى راحة تقضي مع الله ليلها=وقبل طلوع الفجر تبسطها فجرا
تجاذب فيك الحقّ أطراف عمره=فكنت له في كلّ نازلة عمرا
أطلّت بك الأُخرى بريقاً مطهّراً=تفيض على الدنيا كان لها نذرا
فامسك سيف يرهب الدهر حدّه=ويومك حدّ زاد عن امسه بترا
وما بين يوميك العصيين جنّة=من الخلق الوهّاج يغمرها عطرا
تجمّلت الدنيا تريك نعيمها=ومرّت على عينيك يانعة خضرا
وأرخت على كفّيك وافر درّها=لتحلبها ضرعاً وتركبها ظهرا
فطلّقتها لم تدنها منك زينة=تجمّلها البيضا وتفتنها الصفرا
وغيرك يهواها قياناً ودلّة=تهزّ له في كلّ سانحة خصرا
فبين اكف نازلتك سقيمة=تدير كؤوس الليل مترعة خمرا
وبين يد تؤوي من الجوع أهله=لتغمرهم ودّاً وتوسعهم برا
وعينين عين تحرس اليتم ليلها=وأُخرى بقصر الشام غافية سكرا
أرى أُمّة ضاعت وتاهت دروبها=تضيق بها صحرا وتلفظها صحرا
إليك أمير المؤمنين أفيضه=ولاء صفا لم يبغ حمداً ولا شكرا
وهبت له عشراً عجافاً ولم أزل=أرى فيه بعض الأجر لم يكمل الأجرا
مزجت به في غربتي ألف ليلة=مخضبة للان لم تطلع الفجرا
ومازلت ادعوها نعيماً وجنّة=وفيها مخاض العسر احسبه يسرا
ولاؤك لي عرس يزفّ مع النهى=ثريا هوى يزهو بها الليل والمسرى
وأن طلبت مهرا ثرياك غاليا=وكان دمي مهراً فما ارخص المهرا