شهيد الطّف ... ما زال حيّا
محمد عبدالله الحدب
أَرْسَلْتُ قَافِيَةً إِلَيْكَ بَرِيْدَا = وَجَعَلْتُ فِيْ نَبْضِ الْوَرِيْدِ قَصِيْدَا
وَتَرَكْتُهَا طَوْرًا تَزِفُّ حُرُوْفَهَا = فَتَنَاثَرَتْ فَوْقَ الأَنَامِ وُرُوْدَا
لاَ لَمْ تَكُنْ تَذْبُلْ وَأَنْتَ أَمِيْرُهَا = مَا دُمْتَ فِيْ الآَثَارِ تَنْبَعُ جُوْدَا
نَفَحَاتُ نَفْسِكَ يَا حُسَيْنُ تَعَطَّرَتْ = يُحْيِيْنَ مِنْ مَوْتَىْ الدُّهُوْرِ جُمُوْدَا
أَحْيَيْتَ قَافِيَتِيْ فَعُدْتَ بِنَبْضِهَا = فَجَعَلْتُ ذِكْرَكَ فِيْ الْقَصِيْدِ فَرِيْدَا
عَطَّرْتُ قَلْبِيَ فِيْ هَوَاكَ بِنَفْحَةٍ = وَنَثَرْتُ أَضْلاَعِيْ بِدَرْبِكَ جِيْدَا
وَبَنَيْتُ فِيْ أُمِّ الْفُؤَادِ مَنَارَةً = بِاسْمِ الْحُسَيْنِ بِلُؤْلُؤٍ مَنْضُوْدَا
وَكَتَبْتُ فِيْ سِرِّ التَّفَانِيَ قِصَّةً = عَشِقَتْ حُرُوْفَكَ يَا شَهِيْدُ عُقُوْدَا
وَرَكَزْتُ فِيْ لُبِّ الْحَشَاشَةِ ثَوْرَةً = تُحْيِيْ الْقُلُوْبَ بِمَنْطِقٍ مَحْمُوْدَا
وَرَمَيْتُ فِيْ سَاحِ الْبُطُوْلَةِ خُنْصُرًا = هُوَ شَمْعَةٌ لِلثَّائِرِيْنَ مَجِيْدَا
وَقَرَأْتُ مِنْ بِيْنِ السُّطُوْرِ رِوَايَةً = قَدْ سَطَّرَتْ لِلْعَاشِقِيْنَ خُلُوْدَا
إِنْ كَانَ عِيْدُ الْخَلْقِ يَوْمَ سُرُوْرِهِمْ = جَدَّدْتُ عِيْدًا فِيْ هَوَاكَ سَعِيْدَا
حَيْثُ الْقُلُوْبُ عَلَىْ الدُّرُوْعِ تَرَفْرَفَتْ = عَزَفَتْ بُحُزْنِكَ فِيْ الْهَوَىْ تَغْرِيْدَا
أَسْكُنْتُ رُوْحَكَ بِالْفُؤَادِ مُقَدَّسًا = لِتَطُوْفَ حَوْلَهُ بِالْبُكَاءِ حُشُوْدًا
قَدْ قِيْلَ إِنَّ الْمَوْتَ يُوْرِثُنَا الْفَنَا = وَالْمَوْتُ أَوْهَبَكَ الْحَيَاةَ جَدِيْدَا
فَالْخَلْقُ إِنْ يَفْنَوْا يَمُوْتُوْا بِذِكْرِهِمْ = وَالذِّكْرُ يَبْقَىْ فِيْ عُلاَكَ عُهُوْدَا
فَاللهُ أَوْرَثَكَ الْحَيَاةَ مُمَجَّدًا = مُجِّدْتَ يَا ابْنَ مُحَمَّدٍ تَمْجِيْدَا
وَاللهُ قَدْ أَعْطَاكَ مَا لَمْ يُعْطِهِ = بَشَرًا فَكُنْتَ بِمَا وُهِبْتَ فَرِيْدَا
أَعْطَاكَ فِيْ الأَوْلاَدِ تِسْعَةَ سَادَةٍ = مَا مِثْلَهُمْ فِيْ الْفَضْلِ كَانَ مَجِيْدَا
وَبِقَبْرِكَ السَّامِيْ تَلُوْحُ مَنَارَةٌ = يَبْقَىْ بِهَا مَنْ يَسْتَغِيْثُ سَعِيْدَا
حَيْثُ الدُّعَاءُ بِلُطْفِ رَبِّكَ نَافِذٌ = نَحْوَ السَّمَاءِ بِحَبْلِهِ مَمْدُوْدَا
وَبِتُرْبَةِ الْقَبْرِ الشِّفَاءُ كَرَامَةً = مَنْ زَارَ ذَاكَ الْقَبْرَ يَبْقَ نَضِيْدَا
عَاشَتْ بِكَ الأَيَّامُ وَهْيَ سَعِيْدَةٌ = فَوُلِدْتَ دَهْرًا وَاعْتَلَوْتَ يَزِيْدَا
قَدْ خُلِّدَ الْقُرْآَنُ يَا ابْنَ مُحَمَّدٍ = وَغَدَوْتَ فِيْ أُمِّ الْكِتَابِ وَلِيْدَا
فَكَأَنَّكَ ابْرَاهِيْمُ يَجْعَلُ حُبَّهُ = النَّارَ بَرْدًا تُخْجِلُ النَّمْرُوْدَا
أَوْ كُنْتَ كَاسْمَاعِيْلَ أَحْيَا بِرِجْلِهِ = فِيْ مَاءِ زَمْزَمَ مَعْشَرًا مَشْهُوْدَا
فَالدِّيْنُ لَوْ لَمْ تَحْتَوِيْهِ بُمُهْجَةٍ = أَضْحَىْ بِفِعْلِ الظَّالِمِيْنَ فَقِيْدَا
لَوْلاَ فُؤَادُكَ يَا حُسَيْنُ تَهَدَّمَتْ = أَرْكَانُ دِيْنِ اللهِ حَتَّىْ أُبِيْدَا
وَاسْتَلْهَمُ التَّأْرِيْخُ مِنْكَ فِعَالَهُ = فَأَبَى الْهَوَانَ وَعَاشَ يَعْلُو مَجِيْدًا
إِنْ يَقْتُلُوْكَ وَيَحْسَبُوْنَ بِقَتْلِهِمْ = قَدْ يَكْسِبُوْنَ الْفَوْزَ ذَاكَ بَعِيْدَا
لَكِنَّمَا الْخُسْرَانُ صَارَ طَرِيْقَهُمْ = إِذْ كَانَ فِيْ قَتْلِ الْحُسَيْنِ خُلُوْدَا
قُلْ لِلطُّغَاةِ يَكُفُّوْا عَنْ عَذٍلٍ لَنَا = فَالدَّهْرُ أَعْقَبَهُمْ بِذَاكَ صُدُوْدَا
لاَ تَحْسَبَنَّ الدَّهْرَ يَوْمًا أَبْكَمًا = نَطَقَ الزَّمَانُ فَأَنْجَبَ الْمَوْؤُوْدَا
فَالسِّبْطُ يُوْلَدُ كُلَّ يَوْمٍ دُرَّةٌ = تَعْلُوْ الطُّغَاةَ وَتَدْفِنُ الأُخْدُوْدَا
وَيَعِيْشُ ذِكْرُ السِّبْطِ رَغْمَ أُنُوْفِهِمْ = مَا مَرَّ يَوْمٌ فِيْ الدُّهُوْرِ حَمِيْدَا
فَلْيَسْأَلُوْا التَّأْرِيْخَ فَهْوَ يُجِيْبُهُمْ = كَانَ الْحُسَيْنُ بِفِعْلِهِمْ مَوْلُوْدَا
رَغْمًا عَلَىْ الأَحْقَادِ قَدْ فَنَىْ صَرْحَهُمْ = فَرَقَىْ عَلَىْ الأَعْنَاقِ ، أَصْبَحَ جِيْدَا
وَرَقَىْ عَلَىْ مَرِّ الْعُصُوْرِ قُصُوْرَهُمْ = فَأَبَانَ أَنَّ الظُّلْمَ بَاتَ فَقِيْدَا
فَيَمُوْتُ كُلُّ الظَّالِمِيْنَ بِغَيْظِهِمْ = فَالظُّلْمُ عَاشَ بِحِقْدِهِ مَصْفُوْدَا
سَيَثُوْرُ عَزْمُ الصَّابِرِيْنَ بِثَوْرَةٍ = تَدَعِ الْجِبَالَ الرَّاسِيَاتِ صَعِيْدَا