القصيدة الاولى في ذكر فتح خيبر
ديوان العلويات السبع - ابن أبي الحديد المعتزلي
ألا إن نجد المجد أبيض ملحوب=ولكنه جم المهالك مرهوب (1)
هو العسل الماذي يشتاره امروء=بغاه واطراف الرماح يعاسيب (2)
ذق الموت إن شئت العلى واطعم الردى=فنيل الاماني بالمنية مكسوب (3)
خض الحتف تأمن خطة الخف إنما=يبوخ ضرام الخطب والخطب مشبوب (4)
ألم تخبر الاخبار في فتح خيبر=ففيها لذي اللب الملب أعاجيب (5)
وفوز علي بالعلى فوزها به=فكل إلى كل مضاف ومنسوب (6)
حصون حصان الفرج حيث تبرجت=وما كل ممتط الجزارة مركوب (7)
يناط عليها للنجوم قلائد=ويسفل عنها للغمام أهاضيب (8)
وتنهل للجرباء فيها ولم تصيب=رذاذا على شم الجبال أساكيب (9)
وكم كسرت جيشا لكسرى وقصرت=يدي قيصر تلك القنان الشناخيب (10)
***
وكم من عميد بات وهو عميدها=ومن حرب اضحى بها وهو محروب (11)
وارعن موار ألم بمورها=فلم يغن فيها جر مجر وتكتيب (12)
ولا حام خوفا للعدى ذلك الحمى=ولالاب شوقا للردى ذلك اللوب (13)
فللخطب عنها والصروف صوارف=كما كان عنها للنواكب تنكيب (14)
تقاصر عنها الحادثات فللردى=طرائق إلا نحوها واساليب (15)
فلما أراد الله فض ختامها=وكل عزيز غالب الله مغلوب (16)
رماها بجيش يملا الارض فوقه=رواق من النصر الالهي مضروب (17)
يسدده هدي من الله واضح=ويرشده نور من الله محجوب (18)
مغاني الدى فيه فأصيد اشوس=واجرد ذيال ومقاء سرحوب (19)
وقضاء زعف كالحباب قتيرها=واسمر عسال وابيض مخشوب (20)
***
نهار سيوف في دجى ليل عثير=فابيض وضاح واسود غربيب (21)
علي أمير المؤمنين زعيمه=وقائده نسر المفازة والذيب (22)
فصب عليها منه سوط بلية=على كل مصبوب الاساءة مصبوب (23)
فغادرها بعد الانيس وللصدى=بأرجائها ترجيع لحن وتطريب (24)
ينوح عليها نوح هارون يوشع=ويذري عليها دمع يوسف يعقوب (25)
بها من زماجير الرجال صواعق=ومن صوب آذي الدماء شآبيب (26)
فكم خر منها للبوارق مبرق=وكم ذل فيها للقنا السلب مسلوب (27)
وكم أصحب الصعب الحرون بأرضها=وكم بات فيها صاحب وهو مصحوب (28)
وكم عاصب بالعصب هامته ضحى=ولم يمس إلا وهو بالعصب معصوب (29)
لقد كان فيها عبرة لمجرب=وإن شاب ضرا بالمنافع تجريب (30)
***
وما أنس لا أنس اللذين تقدما=وفرهما والفرقد علما حوب (31)
وللراية العظمى وقد ذهبا بها=ملا بس ذل فوقها وجلا بيب (32)
يشلهما من آل موسى شمردل=طويل نجاد السيف أجيد يعبوب (33)
يمج منونا سيفه وسنانه=ويلهب نارا غمده والانابيب (34)
أحضرهما ام حضر أخرج خاضب=وذان هما أم ناعم الخد مخضوب (35)
عذرتكما إن الحمام لمبغض=وإن بقاء النفس للنفس محبوب (36)
ليكره طعم الموت والموت طالب=فكيف يلذ الموت والموت مطلوب (37)
دعا قصب العلياء يملكها امروء=بغير افاعيل الدناءة مقضوب (38)
يرى أن طول الحرب والبؤس راحة=وأن دوام السلم والخفض تعذيب (39)
فلله عينا من رآه مبارزا=وللحرب كأس بالمنية مقطوب (40)
***
جواد علا ظهر الجواد وأخشب=تزلزل منه في النزال الا خاشيب (41)
وأبيض مشطوب الفرند مقلد=به أبيض ماضي العزيمة مشطوب (42)
أجدك هل تحيا بموتك إنني أرى=الموت خطبا وهو عندك مخطوب (43)
دماء أعاديك المدام وغابة الرماح=ظلال والنصاب أكاويب (44)
تجلى لك الجبار في ملكوته=وللحتف تصعيد اليك وتصويب (45)
وللشمس عين عن علاك كليلة=وللدهر قلب خافق منك مرعوب (46)
فعاين ما لولا العيان وعلمه=لما ارتاب شكا أنه فيك مكذوب
وشاهد مرأى جل عن أن يحده=من القوم نظم في الصحائف مكتوب
وأصلت فيها مرحب القوم مقضبا=جرازا به حبل الاماني مقضوب (47)
وقد غصت الارض الفضاء بخيله=وضرج منها بالدماء الظنابيب (48)
***
يعاقيب ركض في الربود سوابح=يماثلها لولا الوكون اليعاقيب (49)
فأشربه كأس المنية أحوس=من الدم طعيم وللدم شريب (50)
إذا رامه المقدار أو رام عكسه=فللقرب تبعيد وللبعد تقريب (51)
فلم أر دهرا يقتل الدهر قبلها=ولا حتف عضب وهو بالحتف معضوب (52)
حنانيك فاز العرب منك بسؤدد=تقاصر عنه الفرس والروم والنوب (53)
فما ماس موسى في رداء من العلى=ولا آب دكرا بعد ذكرك أيوب (54)
أرى لك مجدا ليس يجلب حمده=بمدح وكل الحمد بالمدح مجلوب (55)
وفضلا جليلا إن ونى فضل فاضل=تعاقب إدلاج عليه وتأويب (56)
لذاتك تقديس لرمسك طهرة=لوجهك تعظيم لمجدك ترجيب (57)
تقيلت أفعال الربوبية التي=عذرت بها من شك إنك مربوب (58)
***
وقد قيل في عيسى نظيرك مثله=فخسر لمن عادى علاك وتتبيب (59)
عليك سلام الله يا خير من مشى=به بازل عبر المهامه خرعوب (60)
ويا خير من يغشى لدفع ملمة=فيأمن مرعوب ويترف قرضوب
ويا ثاويا حصباء مثواه جوهر=وعيدانه عود وتربته طيب (61)
تكوس به غر الملائك رفعة=ويكبر قدرا أن تكوس به النيب
يحل ثراه أن يضرجه الدم=المراق وتغشاه الشوى والعراقيب
ويا علة الدنيا ومن بدو خلقها=له وسيتلو البدو في الحشر تعقيب (62)
ويا ذا المعالي الغر والبعض محسب=دليل على كل فما الكل محسوب (63)
ظننت مديحي في سواك هجاءه=وخلت مديحي انه فيك تشبيب (64)
وقال له الرحمن ما قال يوسف=عداك بما قدمت لوم وتثريب (65)