لزينبَ ما خَبَّأَ الوحيُ من سابِغٍ مُفْعَمٍ
بالدلالاتِ رَيَّا
وما كتَبَتْهُ على اللّوْحِ تلكَ الدماءُ
وبعضُ الرموزِ ابتكارٌ .. تَجدَّدُ فيه المعاني
ففي كل يومٍ لديه استواءُ
وزينبُ زَهْرَةُ حزنِ النبوّةِ
تُسقى بوحي حزينٍ
فيبكي على صمتها الأنبياءُ
كأنَّ لِشَجَرَةِ طوبى .. – وقد ظَلَّلَتْها ثمارُ المعاني –
من الماءِ مالا تَراهُ الدِّلاءُ
لزينبَ دَورٌ تَخَفَّى ، على جهرِهِ العبقريِّ ،
فنعمَ الوضوحُ الخفاءُ .
* *
· على عجلٍ حينَ قام (الحسين) إلى دمِهِ كي
يعيدَ الوضوحَ .. وقد أخَذَتْ بُهْمَةُ الصَّلَفِ
السلطويِّ تَهدُّ جدارَ السماءِ .. بدا دورُها في عبورِ
البرازِخِ ،
لا الزّوْجُ ، لا الإبنُ ،
لا ذكرياتُ المكانِ
فثمَة نقطةُ بَدْءٍ على كربلاءا
وكان على الطَفِّ " ظِلٌّ من العبقِ الهاشميِّ :
رسولٌ ، على الطائِفِ " .. الخَطْوُ يُدْمى ،
وسراً يهاجِرُ في حُلْكَةٍ حاملاً وَحْيَه ،
وحين أرادَ استباقَ الحوادثِ
كيلا يُجَرَّ تحبلُ السماءِ
ادّعوا أنَّهُ قالَ هَجراً ،
فأيُّ المسافاتِ بين ال" يُهاجِرُ " وال" يَهْجُرُ " ؟
الموكبُ الحُلْمُ ..
أوْغَلَ في البعد حتى تَنَاءى
وثمةَ نقطةُ (عَوْدٍ) على كربلاءا
وثم وصيٌّ (1) تَخَضَّبَ وجهُ الإمامةِ فيه
فصار الأمامُ المضيءُ وراءا
وهذا " الحسينُ " ،
فيا أخْتَهُ جَهِّزيهِ
هُوَ القلبُ يَحدُسُ ،/
بعضُ الطيورِ إذا دَاهَمْتها العواصفُ
تَدخُلُ فيها .
لِمن كلُّ هذي الأضاحي ؟
الأبُ الشُّعلَةُ .. القوسُ .. قوسُ الصعودِ ./
الأخُ الأقمحوانُ وقد سمّوهُ (2)
وهذا " الحسين " وصَفوةُ ألٍ تنادَوْا عليهم ،
ولو أنَّ سيفاً يَجُزُّ رقابَ الكلام
لمالوا على ما تبقَّى
هي المُضْمَراتُ على الحقد تُزى
وزُرْقُ النّيوب بَسمِّ الكَراهةِ تُسقى
أمِنْ أجلِ عَرْشٍ
ألا ألفُ سُحْقاً
* *
· ركابٌ إلى " الطَفِّ " تمضي ،
وزينبُ تعلَمُ أنَّ البلاءَ قريبُ
وتَعلم أنَّ الجراحَ إذا قَلَّ فيها الأساةُ
فقد يُونِسُ النَّزْفَ فيها النّحيبُ .
· أحاطَ بهم مَن يرى أنه حينَ يرضى ال" يزيدُ "
فلا بأس في غضبِ اللهِ جهراً
فما زالَ في النفسِ شيءٌ منَ (التَّمْرِ)
ينضو سفيهُ التألّه عنها نَواها ،
وثمّ الذئابُ الّتي أجْرِيَتْ في الخلايا
صغارٌ أهِلَّةُ هذا النبيِّ على عطشٍ في الحنايا
كأنَّ سعيراً تَشَعَّبَ في الحَلْقِ .. والروحُ ظمأى/
الدّوابُ ، الوحوشُ ، الهوامُ لها الماءُ جَرْياً
ويُمْنَعُ عنه الحبيبُ الحفيدُ
أهَلْ ثَمَّ دِينٌ جديدُ ؟!
يُصاغُ على قَدْرِ حُلْمِ الكراسي ،
يُصاغُ على قدِّ : " ما مِنْ جِنانٍ ،
ولا من سَعيرٍ "
لِيَرْقى " يزيدُ " ؟!
وزينبُ كانتْ مياهاً وعشبا
تطوفُ على الأهلِ
تَمْنَحُ هذا عُصَارَةَ روحٍ ،
وتُعطي لذاك من النّخْلِ سِربا
· أحاط الزُّناةُ ، العتاةُ ، بِسِبْطِ النبيِّ ./
" دعوني أعودُ إلى دارِ جدي "
تدار النفوسُ على حِقْدِها العبشميِّ ،
" إلى أي أرض "
وليس سوى القتلِ دارُ
" إذن ذاك لا غيرُ
[ إذا كان دين محمد لا يستقيم
إلا بقتلي
فيا سيوف خديني (4) ]
وزينبُ كانت بلاداً ،
ونهراً فراتا
تدورُ على الأهل :
تؤويء / وتَعْصرُ ماء الكلامِ ،
وتُخْصِبُ قَفْرَ الصحارى
وتَلْمَحُ في البُعْدِ جرحاً شتاتا
فهذا ابتداءُ زمانٍ جديدٍ
يقومُ على الدّمِ يُتْلى على كربلاءَ ،
وهذا السَّرارُ
وليسَ سوى القتلِ دارُ .
* *
· وحين لم يعد يُغيثُ هذه البلادَ غيرُ
دَفْقَةٍ من دمِهِ
تَقَدَّمَ " الحسينُ " تالياً كتابَهُ
بالسيفِ والدماءْ
وشاهراً حسابَهُ
في لحظةِ التقاطِ هذي الأرضِ
رعشةَ السَّمَاءْ
تَكَشَّفَ الغبارُ والنجيعُ عن شهادةِ الحسينِ
سيّدِ الذينَ يَفتحونَ بالدَّم الطهورِ
سِكَّةَ العروجِ نَحْوَ مُبْدِعِ الوجودِ
معانينَ أنَّ أول الأذان : العَدْلُ في البَشرْ
وأنَّ بين ما يريدُهُ الطواغيتُ الكِبارْ
وما يريدُهُ المضمّخون بالسنى والاخضرارْ
بَهاءَ شعلةٍ تَظَلُّ باسمِ العَدْلِ
تَفْتَحُ المدى للمُنْتَظَرْ
تَكَشَّفَ الغُبارْ
لم يبقَ غيرُ نِسْوَةٍ
وصِبْيَةٌ صِغارْ
وزينبُ التي أعدَّها بديعُ هذهِ الرموزِ
لاكتمالِ دورةِ الكتابِ بينَ أوَّلِ السّطوعِ
في (حِراءَ)
وانشداهِ سَطْوَةِ القِفارْ