تمضي الدهورُ وأنت النورُ لم تَزَلِ = إشراقةَ الفخرِ يا فجراً من الأزل
يا معدنَ الفضلِ يا إشراقَ طالعةٍ = تغضي الشموسُ لها من شدّة الخجل
ويا وفياً على الإقدامِ قد ألفت = منك النقيبةُ وصلَ البيضِ والأسل
ويا فريداً على الأهوالِ هازءةً = بالمغرمين بطول العمر من أمل
لم تلق في الموت إلا غاية طمحت = لها النفوس فخافت وطأة الاجل
لك المواقفُ لا تُحصى فندركها = وكيف يدركُ بحرُ الفضل بالوشل
مبيتُ ليلك تفدي المصطفى شغِفاً = بنصر دينك لم تغمض على وجل
وحولك الموتُ غضباناً يؤرقه = حقد السنين بليل الغدر والدخل
نعمتَ عيناً وعينُ الكفر ساهرةً = تقارعُ السهد في سيف من الكلل
فأسفر الفجرُ عن عين الهدى ألقاً = وهمّةُ القوم تبغي خاتمَ الرسل
فكشّفوا عنك وجهاً لا تناظره = غرّ الشموس بنور منك مكتمل
فأفزع القومَ صوتُ الحق مبتشراً = هذا الوصيّ أميرُ المؤمنين علي
إسمٌ متى تنطق الأيامُ أحرفَهُ = أطافَ فكرَ الورى في عالم المثل
مهوى القلوبِ على الطافهِ ارتسمت = عينُ اليتامى ومن لاقت أسى الثكل
لم انسه يومَ أن وافى وقد هتفت = بسمعه أدمعٌ مقروحةُ المقل
رآى صغارا وأماً حولهم حملت = مرارة العسر من فقر ومن علل
تسجّر النار في التنور تشغلهم = عن المجاعة في وهمٍ من الأُكُلِ
فهاله ما رآى من جوع صبيتها = وحالة الأمِّ عن فحواها لا تسلِ
فسائلَ المرتضى عن حالها فإذا = بالفقر علّمها ظرباً من الحيل
فخاطبته وقالت ليس لي أمل = إلى الطعام وأيتامي على امل
بأنني ما ترى ألهيهمُ عبثاً = فصار ترديد هذا الفعل من شغلي
فقال حيدر: صبراً لا أبارحكم = حتى أقرّ عيوناً بالهنا الخضل
فعاد بالخبز واللحم الأبضّ لهم = والأمّ قد شُغلت عن خطبها الجلل
وحيدرٌ هو والأيتام يحملهم = فيلعبون وهم في غاية الجذَلِ
فجاء من يعرف الكرارَ حيدرةً = وقال للمرأة الثكلى على ذَهَل
من ذا؟ فقالت: فتىً راعى ظلامتنا = فصار يُطفيء منا سَوْرَةَ الغلل
فقال والدمعُ من عينيه مبتشراً = هذا الوصي أمير المؤمنين علي
بكى عليٌّ وكم أبكتْ مضاربُهُ = عند القوارعِ عينَ الفارسِ البطل
لم أنسه يومَ هاج البغيُ مبتدراً = يدعو النزالَ بلا رِفْقٍ ولا مَهَل
عمرو بن ودٍّ دعا الفرسانَ فابتدرت = إلى النكوصِ دوين الذلّ والفشل
يدعو وقد جلجلت في الافق صيحتُهُ = هل من مبارزِ يلقى الموت في عجل؟
فلم يجبْهُ سوى ليثٍ إذا حَمِيتْ = نارُ الوطيسِ أراها مِنْعَةَ الجبل
فقال يا عمرو إني مَنْ تُريدُ فذا = سيفُ الإله بيُمنى سائقِ الأجل
فكبّر السيفُ في هام العُتُلّ فما = رام ابنُ ودٍّ سوى كأسِ الرّدى الثّمِل
فخاطبَ الموتُ عَمْراً حين سائلَهُ = هذا الوصيّ أمير المؤمنين علي