نبأ السماء
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
أَقولُ و شَوُّقُ القَلبِ للصَبرِ غَالِبه=لِمَعشوقهِ و الحُبُ تَعلوا مَطالِبُه
بِمن أتروى و الظمأ بينَ أضلوعي=لَهيبٌ مِنَ الهِجرانِ يَلفَحُ لاهِبُه
رعى اللهَ نُجلاً سَل روحي حورها=حُلُّلاً على قَلبي فَشبت جوانِبُه
عُيونٌ على غَفلِ الحِسانِ=كأنها غَديرٌ مِنَ الأعماق ِ تُغوي مَشارِبُه
لِكُلِ مُحبٌ فِتنةٌ بحبيبهِ=فذا الليلُ تُغري عاشقيهِ كواكِبُه
و إني لمُنهَلٌ بِبحرِ صَبابَةً=تُقاذفُني فيهِ اشتهاءً قوارِبُه
هَوناً بِفؤادي فارحموني لعلني=إلى الوَصلِ أُهدى أو تَبينَ مَسالِبُه
فاسلُكوها و الموتُ يَجثوا عِندها=جُثوَ الذي تُدمي الحَديدَ مَخالِبُه
و ما أرى في عَيشي حَذاراً مِنَ الردى=و يَسكِنُ قَلبي الُمصطفى و نسائبُه
و هل أتوطئ و القيامةُ عِندَ من=إذا شاء تُنجي العَالمينَ مَناقِبُه
و لو بُسِطت كفاهُ في قَعرِ هَب هَبٍ=لَظنَ الذي فيهِ الجِبارةُ ذَرِبُه
لكم آَمَنتٌ يا عاشِقيهِ فأنهُ=عليهِ عُهودٌ أن تَفوزَ حَبائبُه
قَسيمٌ و ميزانٌ .. صِراطٌ و رايةٌ=تَجمعنا يَومَ الحَشر فيمن أُخاطِبه
هو البَحر و البَحرُ غُص فيهِ بِكُلِ مُسلطٍ=مِنَ العَلمِ دَهراً لا تَزولُ عجائبه
و عِش و أقضي عُمراً بعدَ عُمرٍ بِادهراً=بِها اليومُ أَلفٌ و المُهيمنُ حاسِبُه
لتَكتُبَ أفضالَ الوصيِّ مُعجلاً=ستقضي و ما عُشرُ الفضائلِ كاتِبُه
عَليٌ علما أَخُطُ مدائحاً=و مِثلُكَ تَصريحُ المدائحِ عائبُه
جَليٌ كَضوءِ الشَمسِ و هَيَ كَوجهِّ=و لو تَلتقيهِ بِضوئها سَيُغالِبُه
أبا حَسنٍ ماذا فلقد كُنتُ سامِعاً=عَنِ الفَضلِ في ماضٍ تولت رَكائبُه
و فيهِ خِصالُ الأنبياء كأنها ثراً=عِندَ عَداً و الصُخورُ رواسِبُه
و لكِنها لو ناظَرتكَ بِخصلةً تَفوقُ=و عَمرٌ أنتَ بالْسيفِ ضارِبُه
و أَنتَ شَقيقُ المُصطفى و حَبيبهُ=و سائرُ من حَولَ النبيِّ صحائبُه
و أَنتَ الذي تتلو النبيَّ فَضيلةً=و آيَتُكَ الكُبرى بأنكَ نائبُه
و كُلُ الذي جاءَ الصِراطَ موقَفٌ=إلى أن تؤدى مِنْ هَواكَ ضرائبُه
أبا حَسنٍ عُذراً فَلستُ مِنَ الذي=تَشقُ إلى القَريضي مَراكِبُه
و ما أنا إلا خَادِمٌ عِندَ بابِكم=يُغازِلُ ما يُلقى لهُ و يُكاتِبُه
ذَليلاً على أعتابِكم=و بِمثلِ ذا تعلت لجبريلَ الأَمينِ مَراتِبُه
أبا حَسنٍ ما مَوقِعُ الفَضلُ مِنكمُ سؤالي=و صَحاحُ التساؤلِ غالِبُه
ليُصبِحَ هل للفضلِ مِنكم تَقرُباً=فَيُسمى بِفضلٍ أو فأسمهُ ناهِبُه
حُقوقكَ حَقُ الله يا نُورَ عَرشهِ=و أنت لهُ رَوحٌ إلى الخَلق ِ واهِبُه
فَكانَ أبو الزَهراء يَصدعُ بالهُدى=و سَيفُكَ يُدوّي و الرؤوسُ تُجاوِبُه
و عِلمُ أبا الزَهراءِ غَيثٌ مِنَ السماء=سقت ماحِلاً من جَنبتيكَ سَحائبُه
فَعمرعَ أشجاراً مِنِ العِلمِ أصلُها=على الأَرضِ و الفَرعَ السماءُ تُناكِبُه
و لولاكَ من أخا النبيَّ مِنَ الورى=و ما أَحدٌ مِنَ العالمينَ يُناسِبُه
كَفاكَ بأن تَزوِجكَ الطُهر فاطِمٍ=بأَمرِ عَزيزٍ بَعضُ ما أنتَ كاسِبُه
أبا حَسنٍ من أنتَ غَيرُ مُجاوباً لدينا=و ما غَيرُ النبيِّ مُجاوِبُه
بِقولاً عَليٌ عِلمهُ عِندَ رَبهِ و عندي=و قَولُ الناسِ فيهِ يُجاذِبُه
أ يَقدِرُ إنسانٌ على نَهلِ عِلمهِ=و تَنبعُ من عِلمِ الإلهِ مَشارِبُه
أ يَقدِرُ إنسانٌ على وَصفِ حِلمِهِ=و ما حَلَ بالْزهراءِ كانَ يُراقِبُه
أ يَقدِرُ إنسانٌ على وَصفِ صَبرِهِ=و من لا يساوي شِسعَ نَعلهِ ساحِبُه
صَبُرٌ و ذو الشَفراتِ طَوعَ بنانِهِ=و غَيرهُ مَغصوبٌ و حِلمهُ غاصِبُه
فَمن ذا لهُ سِحرٌ لِوصفِ حُروبهِ=و قد غُسلت بالموتِ فيها ذَوائبُه
و من في الورى يَقوى=على صلواتهِ و كَانَ أبا زَينِ العِبادِ و راهِبُه
إمامٌ إلى السجاد حينَ سُجودهِ=و أُسوةَ أيوبٍ و تِلكَ مصائبُه
حَكيمٌ إذا ما جاء مُقري خَطهِ=يَظنُ بأن فَرضَ الطهارةِ واجِبُه
أبا زَينبَ الكُبرى بَخٍ لَكَ و التُقوى مَشت=خَلفَ أبناكَ الكِرامِ مواكِبُه
مَشوا خَلفَ آثارِ الحُسين و عِندما=دنا المَوتُ ألقت بالنفوسِ حبائبُه
فأن كَانَ مِنهم يا أميرَ عقيدتي=أَميرٌ على الدُنيا فَمِنكَ مواهِبُه
و إن كَانَ مِنهم يا أَميرَ أئمتي=زَعيمٌ على الأُخرى فَمِنكَ مكاسِبُه
و إني عَلِمتُ بأنَ حُبكَ جُنةٌ=و من حَبكم كَيفَ الإلهُ يُعاقِبُه
أيَحرِقُ قَلباً فيهِ حُبُ هُداتِهِ=و قد حَلَ فيهِ المُصطفى و أقارِبُه
أيلتقي بالنيرانِ و هو قَسيمُها=مُحِبَ أميرَ المؤمنينَ و ناصِبُه
أليسَ كذا يَجري الصَوابُ و من يرى=خِلافاً لقولي فَتخلفُ صائبُه
أبا حَسنٍ لا أستميحُ تَفكُري=إذا قُلتُ فيكَ الشِعرَ إني أُراقِبُه
و أَصُوتُ عَقلي بالّخواطِرِ و الهوى=و أَصنعُ دُراً من سَناكَ تلاهِبُه
ليلبسهُ معنى الخُلودِ قِلادةً=فَتُبِهرَ كُلَ العالمينَ تَرائبُه
عَليٌ فتى غَوثُ المروعةِ و الذي=روي أن طه يَومَ أُحدِ نادِبُه
و أَنهُ بالتفضيلِ أرجاهُ ثانياً=و كُلَ رِجالُ العالمينَ عواقِبُه
أبا حَسنٍ ما بَعدَ هَذهِ زيادةً=و قلبي تجارت للمزيدِ رغائبُه
يَقولونَ يَومَ الفتح طه بِقدرهِ=تدنى فعلت أخمُصيكَ مناكِبُه
حَقيقٌ و ما ضاعَ التَفكرَ بالذي=إلى اليوم أفكارُ الورى تتجاذَبُه
فلقد رآهُ الاعتزالُ إمامَهُ=و واصِلُ يدري صِدقَ ما أنا كاتِبُه
و الأشعريةَ سَرهم أم قاضهم=لهُ الفَضلُ فيهم و الجبائيُ واهِبُه
سَمى وَطنٌ فيهِ تَولدَ حَيدرٌ=على الكَونِ و لتسمو بِذلكَ أَعارِبُه
لهم أن أرادوا الفَخرَ و هو وليهم=على الناسِ و الأملاكِ فَهيَ كتائبُه
يَحقُ لهم يَومَ التَجهُمِ بَسمةً=و غَيرهمُ هَولُ الخلائق ِ رَعِبُه
إذا شاءَ يُنجي الهالكينَ بِورديهِ=و تَخزِنُ عَفواً للمزيدِ محارِبُه
و يُبحِرُ بالنيران من شاء أن يرى=منازلُ أهليها و حُبكَ قارِبُه
فيا وَيلُ من يَرِدُ القيامةَ مُبغِضاً إليكَ=فَذنبُ الشِركِ فيهِ يُقارِبُه
فأنتَ وليُ الله يا نبأ السماء=و أنت على وَجهِ البسيطةِ قاضِبُه
و أنت إلى إلهُ البريةِ مَذهبٌ=إذا التبست عِندَ الأنامِ مَذاهِبهُ
فأعظمُ ما عِندَ الموالي مناقِباً=هواكَ و من عاداكَ تطغى مثائبُه