موكب الشهداء
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
قد يَغلبُ الوجدَ يوماً أُنسج بلال=نَعم و ينثُر دَمعَ الحُزنِ أحيانا
فأجلُب بأوجِهها هذا الدهُرِ مُنهزمٍ=ما دُمتَ تتطلبُ الأفراحَ خُرسانا
الهمُ مُرتصدٌ .. و السقمُ مُطَرِدٌ=و أنتَ غافٍ بعينِ الموتِ يقضانا
و فلا يُهيجُكَ لو فارقت ذا رحِمٍ=طَيفِ الهُمومِ و خُذ ما نابَ إهوانا
فأنتَ خَلفَ سرايا البينِ مُرتحلٌ=بِحيثُ تحطوا تَحطوا الرَحلُ عُريانا
فدع غُروركَ ما أخطاكَ ذو قَنصٍ=قد أنشبَ الظِفرَ بالأرواحِ غرسانا
لِقائُكَ الغدرُ المحتوم مُنتَجَزٌ=أطبلتَ جَراً أم استدبرتَ إجبالا
فأشمخ بأنفِكَ لا تخشى قوائِلهُ=ما كانَ طولُكَ أن تصتدَ ما كانا
إن المنيةَ كأسٌ من أوئليهِ=ضُقتَ اجتراعكَ أم أُخرها سيانا
هذهِ شَبيبةُ بحرينُ الحُسينِ=على صهوة المنونِ أقامُ المجدَ فُرسانا
لما رأوها عروسٍ زان مَشَهدُها=مالوا لمُهرتِها بالروحِ عُرسانا
و أنبتوا زهرةَ الياقوتِ من دَمهمٍ=تئولُ في قصباتِ النورِ أغصانا
و أزهرُ فلكٍ في قُبةٍ ملكت=وجهَ السماءِ بنورٍ شَعَ إيمانا
رأيتهم في سماء العزِ شُهبَ هُدىٍ=يرمي بها اللهُ زيقاً مَسَ شيطانا
و خِلتَهم بِدجاجِ الأرضِ قد رَكَزوا=ذِكراً آبى الدَهرُ أن يَطويهِ نِسينا
ضَعِ العِمامةَ يا شَيخي إذا ذُكِرُ=فأنهم في علوا الفضلِ أعلانا
و أنزل بِخدِكَ في تُربانَ مَدفَنِهم=و أخضِب بهائكَ دونَ الشيبِ تُربانا
و أنشق روائحَ طِيبِ الخُلدِ من دَمِهم=فقد توردَ بالفردوسِ ريحانا
هذا أتاها مِنَ البحرينِ مُذبحاً=و ذاكَ مُنقصِفَ الوجناتِ من غانا
و مِنْ فلسطينا أبنُ الأرضِ أدركهم=مُفجرٌ في بيني صهيونَ جُثمانا
و أبنُ العِراقِ لهولِ النائباتِ بهِ=قد عانقَ الحُورَ حَرَ القلبِ غضبانا
نَظرتُهم بِظنونِ الشوقِ رِيحهمُ=مُسكٌ و حِليتهم بالدمِ أكفانا
شّدو بِقاعاً و حقُ اللهِ جَمَعهم=فكُلهم قد فداء دينٍ و أوطانا
تَقابلُ في جِنانِ الخُلدِ في سُرُرٍ=من دونِ غلاً كما في الذكرِ إخوانا
نعم و كانَ عليهم أبنُ فاطمةٍ=أبو الطفوفِ يقودُ الركبَ رُبانا
إذ كانَ أعلى ضحايا الحقِ مَنزلةٍ=و كان أعلى شهيدٍ في الورى شانا
سألتهُ من أحبُ المؤمنينَ لكم=أجابَ مُستشهداً في اللهِ يَهونا
فقلتُ سمي فَدتكَ النفسُ لي مَثلاً=و قالَ صدرٌ بجنبِ الشطِ فدانا
أوفى لإعراقِ آباءٍ لهُ نَطحت=و عهدُها في لُهاةِ الموتِ قد صانا
رُوحُ الفداءِ مِنَ العَباسِ أدركها=و مِثلهُ خرَ عُطشانٍ بِسُقيانا
و أُختهُ ورِثت أرزاءَ بنتُ أبيه=عَقيلةُ الطفِ واستها و واسانا
جسمٌ مِنَ العلمِ روحٌ فيهِ من فكرِ=و كُلُ عضوٍ بهِ للهِ والانا
قد أخرجوهُ مِنَ التَرباءِ مُعجزةٍ=من بعدِ عقدينِ قضَ العُودِ رَيانا
لكي يكونَ رَسُخاً عِندَ شيعَتِنا=بأنَ أكرمَ خلقِ اللهِ قَتلانا
و كُلُ مُستَشهدٍ يغلوا بِموقفهِ=فكانَ أغلى ذوي الوقفاتِ أثمانا
كَانَ العِراقَ ضَميمٍ في عباءتهِ=حتى إذا قامَ قامَ القُطرُ إنسانا
و كانَ كُلُ ضَميرِ الشعبِ مُجتَمعٍ بقلبهِ=فأستوى للشعبِ وِجدانا
صرِح خَيالكَ في علياءَ بَغوتهِ=يَرتَدُ طَرفُكَ لو أبصرتَ إعيانا
حتى ترى بعيونِ القلبِ موضِعَهُ=فَوقَ البرايا و دونَ العِترةِ شانا
و اللهِ لو شائتِ الأقدارُ تَكملةً=من بعدِ مهديِّ آلِ المُصطفى كانا
هذا غُلوٌ لحاكَ اللهُ عادِلنا=ما دُمتَ أعمى فلن تَستحسِنَ الدانا
هذا شَفيعي ثناءٌ شدَ قافيهُ=في طوقِ فضلِكَ يومَ الحشرِ أرسانا
فَكيفَ تَحرقُ نارَ اللظى رجُل=في قلبِهِ حُبَ طه و أبنَ عِمرانا
لو سألتني أصحابُ الشواء ثَمِلٍ=بأي أهلِ الهوى قد تِهتَ سُكرانا
فقلتُ إني بآلِ البيتِ قد هلكت نفسي=ودادٍ و تاهَ القلبُ هيمانا
و ما أصَدَ الهوى عني لظى سَقرٍ=جاوزتُ فيهِ إلى الأحبابِ عِدوانا
أليسَ ذلِكَ يُخلي المُصطفى خَجِلٍ=و اللهُ يأبى إلى المُختارِ خُجلانا
لذاكَ حُزنا بِما نهوى و قد خسرت=أعداءُ رسولُ اللهِ خُسرانا