شكاية لصاحب الأمر
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
أرى أهلي تُغادرني=و بالي تُشاغِلهُ مقابضةُ التساليمي
فيستعصي و صَبرُ القَلبَ يُدري=على الوجناتِ دَمعاتِ الكمالي
و عِشتُ أُكاشِفُ الدُنيا=بسري فما أخفت سرائرها الليالي
كما أَبكتكَ في الماضينَ حُزنٍ=سَتُبكي في عَزاكَ و لا تُبالِ
إذا حَنت على المَفقودِ حرا=تَحمحمَ عِندها فَرسُ الرِحالِ
يُراودني التَفكرَ رَغمَ عَيشي=بأنَ العَيشُ ضَربٌ من خَيالِ
فهل عِشنا و ضحكنا أُناساً=أم آنا ضَحِكنا للرِمالِ
و كانَ لِقائُنا وَهماً و لكن=حَسبناهُ جُنوناً بالفِعالِ
إذا حَقاً وِلدتُ فأينَ أمي ؟=و أُمِها هل تُجيباني سؤالي
و أينَ المُصطفى من قَبلِ هذا=أما كانَ الحَبيبَ لذو الجلالِ
أما أفتخرَ الثرى عِندَ الثُريات=لوطأِ مُحمدٍ لَهُ بنِعالِ
أ بَعدَ مُحمدٌ يُبكى فَقيدٌ=و قد كانَ الجمالُ إلى الجَمالِ
و كانَ الآيةُ العُظمى و ربي=براهُ مُنَزهاً تَمَ الخِصالِ
و لكِنَ الخُلودَ لهُ حَرامٌ=سيبقى اللهُ من بَعدِ الزَوالِ
و يجري الدَهرُ و الأيامُ تَسعى=على عُمرِ الشَبيبةِ باختيالِ
تُناوِلُ كُلِ ذي حَتفاً عَقاهُ=و لا تَرتاعُ من كُدرِ النوالِ
رَمتنا بالحُسين و ما استراحت=و رأسهُ شاهِقٌ فَوقَ الطِوالِ
أتت خِدرَ الدلال=و مزقتهُ على الحوراءُ مَفخرةُ الدلالِ
و أهدتها إلى الشاماتِ سَبياً=بلا سِترٍ يَصونُ على الجِمالِ
و راحَ يَسلِبُ الأبدادُ مِنا=فلم تَبغي رَفيقاً للمعالي
و جَدت بِالْسُرى حَتى نراها=فَنعرُفها كما نَعرِفُ الخَوالي
فيعشنها و آمالٌ لدينا=بسيدنا الأمامُ أبي النِضالِ
فَكُنا نَشهقُ الأنفاسَ مِنهُ=و نُخرِجها صُموداً بالنِزالِ
و كانت أعيُنُ الغرثاء إليهِ=تَمِدُ السَغبَ في جُنحِ الليالي
و كانت سادةُ الساداتِ فينا=تطأطئ عِندهُ شِبهَ المَوالِ
و كانت أَعيُنُ الرائينَ تُحشى=إذا نَظرت إليهِ مِنَ التِلالِ
و تَحسبهُ التباساً في جَلالٍ=بأنهُ من يُظللُ بالثِقالِ
فَكانَ في كَفهِ سَيفُ التَحدي=و لم يُسلِمهُ في حَربُ السِجالِ
و قد لَبِسَ التُقوى ثَوباً مَقِيساً=كأنهُ قد تَفَصلَ بالوِصالِ
تَزوجَ بالمهابةِ من صِباهُ=فأنجبتَ الطِعانَ بلا قِتالِ
و قد تَبني المهابةُ صَرحَ عِزاً=تَعذرَ أن تُشيدهُ العَوالي
لذا المِقْدامُ عِلمٌ فَوقَ هذا=إلى الدارينِ مُنبثُ المِثالِ
إذا أستفتي أجابَ مَقالَ حَق ٍ=تَظِنُ الوحيَ شَاركَ في المَقالِ
و إن ساسا الورى تَركَ الرَزايا=تُصَببُ فَوقَ هاماتِ الظَلالِ
و تَرجوا عَفوهُ فَيصِدُ عنها=لأفراحِ الأُسارى بِقتبالِ
يَقولُ و مَسمعُ الجَوزاءُ يُصغي=و يُعطي النِسرَ عَهدَ الامتثالِ
و ما أختارَ القُصورَ و قد دَعتهُ=على بَيتَ المُعفرَ بِالْرمالِ
فَمن جَمَرنا حُبهُ مُستَقِرٌ=بِرحبِ الأرضِ في قَلبِ الموالي
رِساليٌ بِفكرهِ و الأماني=لِذلكَ أختارَ مَسكنهُ رِسالي
فما ذُكِرَ الحُسينُ لديهِ إلا=تَذكرَ طَرفهُ وَقتَ المسالي
و كُلٌ باسِطُ الراحاتِ يَبغي=مَدامِعهُ إلى الداءِ العُضالِ
لهُ قَلبٌ تُذَوِبهُ اليتامى=و عَزمٌ ناسِفٌ قِممَ الجِبالِ
فَكانَ لنا ملاذاً في الرزايا=و في حَرِ الآسى بُردَ الظِلالِ
سَعيدٌ عِندنا من كَانَ=يُهدى لرؤيةِ وَجههِ
و الحَظُ عاني نُقبلُ=أعيُنٍ نَظرةَ إليهِ
و من يلقى الحَبيبَ=لِقاهُ غالي
إذا ذُكِرَ أسمهُ=فالْناسُ فيهِ خِلافٌ بينَ ذي مقتٍ و قالي
فَكنُا لو يَموتُ الجيلُ نسلى=و لم نُبصِر مكانٍ مِنهُ خالي
فقُلِّي كَيف نَسلوهُ فَقيداً=و قد كَان المُرجى بالتسالي
كفى للموتِ روحَك فهي تُجزي=لي ألا يَدنوا أرواحَ الرجالِ
فَكُنتَ رُجولةُ الدُنيا فَزالت=و صارت رَهلتاً أُنثى الفِعالِ
ألا يا دَهرُ هل لكَ باكتفاءً=فقد أشبعتنا بالاعتلالِ
ألم يَكفيكَ صَدرُ العِلمِ حتى=عَمِدتَ بِصدرِ أروقةِ المعالي
ألم يَكفي المُعلمُ في البرايا=بِعلمٍ بَحرهُ نَظِرُ الآلآلي
و حَولهُ من فَطاحِلُنا زِينٌ=لهيبتهُ تُخبطُ بالسؤالِ
أما كانَ الدُهاةُ بِكلِ عِلمٍ=لديهِ حَظهم خَطُ الأماني
بلى و البيت كَانَ كذا و لكن=خَلاني بَعدها يُردي بحالي
و قد جُنَ الزمان=فَصارَ يَطوي بمأكلهِ السِباعَ مع الرِئالي
و أشهى ما لديهِ فَتىً كَريمٌ=تآزرَ و ارتدى حُسنَ الخِلالِ
فَمِتنا بينَ مُنجَدِلٍ شَهيداً=و ما بينَ المُطوق ِ بالْنِكالِ
و عِشنا ما بينَ مَظلومٍ غريباً=و سَبيٌ حَزهُ أَثرُ الحِبالِ
أوائلُنا تَولتهم أُميٌّ=و قد زِدنا على حَالِ الأوالِ
حُقوقٌ للثرى و الصَبرُ جَمٌ=و حَدُ الصَبرِ بِحدِ المَنالِ
فَوقها أننا للجورِ عَونٌ=نُذَوقُ بَعضنا مُرَ القِتالِ
و مُصغٍ بيننا يَقيضاً ليُلقي=بأخوتهِ إلى فَتكِ الجُهَالِ
كذا نَحيا و في الأيامِ خافاً=يُخيفُ الجَن من طَرفِ الآُجال
متى يا مُدركٍ للضلعِ ثأراً=نَراكَ في مَعشرٍ بيضِ الخِصالِ
و قد مُلئت فِجاجُ الأرضِ عدلاً=بِكفيكَ و الحُسامُ أبا النِصالِ
و قد نَفَزت إلى لُقياكَ خَضٌ=و حَطت هَيبةً نُشُوزُ التِلالِ
و قد فرتَ المُلوكُ فلا مُلوكٌ=سِواء مَلِكَ الزمانِ لِخيرِ آلِ
و أشرقت الوجودُ بِهِ ابتهاجاً=شُروقٌ لا يئولُ إلى زَوالِ
صَبرنا و الغوايةُ في ثَرانا=شَكونا و الكرامةُ في الوِحالِ
و كُلٌ رَفِعٌ للصوتِ عجل=و لو يَوماً تَسِرُ بهِ الموالي