بماذا أباشر
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
بماذا أُبَاشرُ مَديحكَ=يا من على ذُرا العرشِ ماهِرُ
لق كُنتَ أَشتمَ القريضَ مِنَ الحشر=فَشُمَ قريضِ و الحشا بِكَ حائرُ
بغيركَ مَدحِ يقطرُ اللفظَ زُربُهُ=و أنتَ إلى مَدحِ بِقُدسكَ ماهِرُ
نبيُ الهُدى من لا يقولُ بِكاملٍ=حَفيرُ مقامٍ عن صِفاتكَ قاهِرُ
رَكِبتُ إلى حوضِ العُبابِ سَفينةً=و هِمتمُ ببحرٍ بالفضيلةِ زاهِرُ
و ما كانَ عندي للتبحُرِ آُخرةٌ=و لكن لعينيَ الحَبيبِ أُغامِرُ
و من كانَ يدري من تكونُ و من أنا=حتى يَعلمُ أني في هَواكَ أُخاطِرُ
سَنحاكَ في كُلِ الجِهاتِ و إن يكن=عليها مُلوكٌ فوقَهنَ أسا سِروا
و أدحضُ كُلِ الفِكرِ حتى أرُمها=بأنكَ رباً للطواغيتِ قاهِرُ
لذا تقولُ ما سوى اللهِ خالِقٌ لذاتي=و فيهِ للسلامِ بشائِرُ
فِداكَ نفسي و الوصيُ مُرافقٌ=على جنبِ يُمناكَ الكريمةِ صاغِرُ
توجهُ نحو الحُشودِ ذاورِعٌ=و يَرجعُ مَنصوراً إلى الحَشدِ ناشِرُ
بِمثلِكَ لا يبقى الكريمُ شُجاعاً=و مِثلُ عليٍ في يَمينُكَ باهِرُ
بِمثلِكَ المَسيحُ لا يلقى كَرامةً=و باسمكَ الأنجيلُ يُفاخِرُ
بِمثلِكَ لا يلقى الخَليلُ فَضيلةً=و بَعضُ أمانيهِ النبيُ يُناصِرُ
و نوحٍ على لوحِ السفينةِ سُرجُهُ=لينجو أسمَ المُصطفى بهِ حائرُ
و آدمٌ من أبناك ما كُنتَ أبنهُ=و قد كُنتَ نوراً و هو بالتُربِ خادِرُ
مُحمدٍ من يدنوا لكعبِكَ يومَ أن علوتَ=بساق ِ العرشَ و الوحيُ سابِقُ
أُحيكَ من نُطق ِ الإلهِ و ما أنا=عليهِ و لو عوني مِنَ الجنِ قادِرُ
سَاجلوكَ معنىً قد أُرى فيهِ مُشرِكاً=و أَدعوكَ فرداً و للرعيةِ ساهِرُ
و رَبِكَ لو لا ناظِريكَ لما رأى=مِنَ الخلق ِ نجماً بالسمواتِ نَاظِرُ
و حَقِكَ لو لا أن بُعثتَ=لما استواء جبريلُ أو مَلكٌ بِجُنحٍ طاهِرُ
و قَبرِكَ لو لا رحمةُ اللهِ بيننا=وجودكَ لم يدعوا الأنامُ أغافِرُ
مُحمدٌ قد أخالكَ جاهلٍ إلهاً=و أسترضي تُرابكَ شاعِرُ
مُحمدٌ هل في جانبيكَ كروحِنا=و هل في عُرقِكَ مِثلُنا الدمُ ثائرُ
فما لكَ خُلق ٍ في الكِتابِ مُعظمٌ=مِنَ الربِ هل عَبدٌ إلى اللهِ باهِرُ
و مالكَ ترقى في السماءِ إليَ سِلوتاً=تبذلُ فيها فهل زمانُكَ غائرُ
أنا عن مديحِ أبي الحُسينِ مُقصرٌ=و أمدحُ من يعلوا هذا فقاصِرُ
مُحمدٌ لو كُلُ الأنامِ يَراعةٌ=لوصلِكَ يسقيها مُحيطٌ زاهِرُ
تَجفُ و لم تزل من صِفاتكَ غامضٌ=بَعيدُ المرامِ لا ينالوهُ خاسِرُ
أيا ربي سَلم لي عليهِ فأنهُ=يَجُلُ و ما كُلُ السلامِ يُباشَرُ
إذا الربُ أهدى للنبي تَحيةٍ=فعنها أيا كُلَ الأنامِ تَفاخرُ
و لكنَ فَضلُ اللهِ كَبرَ خَلقهُ=بِذكرِ صلاةِ المُصطفى فتثابرُ
فنالَ لسانُ الأمنَ بِكَ باللظى=و فَاحَ جِنان من ودادكَ قَاهِرُ
مُحمدٌ إن كُنتَ الجوادَ فماجِرٌ=إذا جادَ كالطائيُ عِندكَ ماجِرُ
مُحمدٌ إن كُنتَ الشُجاعَ لحيدرٍ ملاذٌ=و تنينَ الكريهةِ فاهِرُ
مُحمدٌ إن كُنتَ التقيَ فقطعَةٌ=مِنَ الخوفِ في جُنحِ الليالي ساهِرُ
مُحمدٌ إن كُنتَ الزَكيَ فآيةٌ من الربِ=توحي لكيانكَ طاهِرُ
مُحمدٌ إن كُنتَ الإمامةَ تأخرت صفوفٌ=بها شيخُ النبيين حاضِرُ
مُحمدٌ إن كُنتَ الوَلُودَ فَعِترةٌ=بِصُلبِكَ عنها نُطفةِ الدهرِ عنكَ عاقِرُ
مُحمدٌ إن كُنتَ الفَخورَ فمن لهُ=مِنَ النورِ دونَ العالمينَ أساوِرُ
مُحمدٌ إن كُنتَ الفَضيلَ فمن لهُ=مِنَ النورِ في روضِ الجِنانِ مَنابِرُ
مُحمدٌ إن كُنتَ الشَفيعَ فرُبما=نجا من لهيبِ النارِ مِثلِكَ فاجِعُ
مُحمدٌ من يبدو لِمدحِكَ مُشرِكٌ=ففيهِ إلى الرَبِ الجَليلِ يُشاطِرُ
مُحمدٌ تاهَ الًّلبُ و أنبجس الخفا عُيوناً=في صَدرِ العارفينَ سوادِرُ
و ظَلَ لرَكبُ الشاعِرينَ مُعطَلٌ=سَناكَ و حتى يأذنَ اللهُ شاهِرُ
إذا نَشرَ النَخيلُ رايةَ عِزكم=فباتَ إلى نعماكَ بالحق ِ ناشِرُ
فإن شكا الناسُ للنبي مَقولةً=فليسَ بهم إلا المُجاهِدُ شاهِرُ
فتىً مُجبرٌ للقطعِ في الحربِ أنهُ=لرحلةِ موتٍ للنبيِّ مُسافِرُ
و إن عشعشَ الليلُ البهيُ فأنهُ=غريقٌ بدمعٍ للمثابةِ ناشِرُ
يَتوقُ إلى نَشرِ الهدايةِ مِثلما=يَتوقُ إلى نَشرِ الغوايةِ جاهِرُ
و أعظمُ رِبحٍ للشهادةِ نَيلّهُ=و إن عاشَ مَضمونَ المماتِ فخاسِرُ
فهكذا شُفتُ المُصطفى و بِحقيهِ=لقد نالهُ من شَعبِكَ المالَ ثائِرُ
عليهِ وقارُ الأنبياءَ و أسمُهُ=يقابِلُ عيسى للعدالةِ ناصِرُ
تَجَردَ من ثِقلِ السلاحِ و إنما=لإيمانهِ للقوتين يُناضِلُ
يُتاجرُ في سوق ِ الكلابِ بروحهِ=فإن ألحقوها صارَ للخُلدِ سادِرُ
لهُ اللهَ من حُرٍ يَبيتُ على الثرى=و مَرقَدهُ من نمرق ِ الخُلدِ واتِرُ
و يجتذبُ الأيام حتى يقودها=لفكرٍ مِنَ المُختار فيهِ بصائِرُ
يُطاعِنُ حتى يُبهرَ الكُفرَ حَقهُ=على كَمدٍ و الحقُ بالطعنِ ظاهِرُ
و يَرفعُ بيضاءَ الدِماء إلى السما=لترجعَ بيتٍ للإجابةِ ماطِرُ
فسَيستجيبُ اللهِ دعوةَ أُمةً=لدكِ عُروشِ الظالمينَ تضافرُ
و تعاونوا بالبرِ و البرُ سُلّمٌ=لهُ الموتُ من أجلِ العقيدةِ آخِرُ
فهل لكَ يا صاحِ الرُقي فإنما=مراتِبُ مَجدِ العالمينَ مقاهِرُ
و صَرخةُ حق ٍ عِندَ مُشتبكِ الرُبى=تَضجُ بها للزاحفينَ حناجِرُ
هو الله و الدِستورُ نَهجُ كِتابهِ=هو الحقُ من نورِ العمائمِ زاهِرُ
هي الفضلُ رايةٌ تُباركُ بَعضها=بأيدي رجالٍ للحُسينِ ستثأرُ
و لن تنثني حتى تُعفرُ خدها=برمضٍ بهِ قلبُ الهدايةِ عافِرُ
تُقاتلُ و الدُنيا تلومُ قِتالها=و ما تَسمعُ العُذال و اللهُ عاذِرُ
إلى أن ترى أرضَ الفِداءِ طَليقةٍ=و ربعُ الأحبةِ بالكرامةِ عامِرُ
فما زلِتَ حياً يا مُحمدُ بيننا=و جُندِكَ يا فرعَ السماءِ تكاثرُ
فلا هَزَ ضيمٌ يا مُحمدُ أُمةً=لها من بطولاتِ الحُسينِ شعائرُ