المشهد الأليم
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
صَحِبةُ و جِنسُ الجَنسِ ما أنا صاحِبهُ=فما هَوَ إنسانٌ و لا أنا كاذبُ
و ما هو من جَهلٍ بحالي هائمٌ=و لستُ على فهمي إليهِ أُعاتِبُ
و لكنني إذا ضاق صدري أشتكي=زَمانٍ على أهلِ الفَضيلةِ غَاضِبُ
أيا دَهرُ كم أَطربتني بِقصيدةٍ=تغنى بِها رُمحٌ و أُرقِصَ قَاطِبُ
و غنى بِها طَيفي بِرؤيةِ حَادِمٍ=فأيقضهُ بالنشوةِ الحِلمِ حَاجِبُ
ألا ليتني عن ما أراهُ مُبعَدٌ=و يا ليتني نَحوَ البهائمِ هَارِبُ
و أَصحبُ رِيماً بالفلا=و أقودها بِسرِ فؤادي بَعدَ أن عَزَ صاحِبُ
و أُسمِعُها رأيي فقد عِشتُ قائلاً=تُهزدُ رأيي بالطَراوةِ كَاعِبُ
و أَجذِبُ نَظمِ القريضِ عُيونها=فَلمْ أرى ذا عَينين حتى أُكاتِبُ
إذا نَفضت بلوى الشُعوبِ قَريحتي=يُسكِنُها صُمَ الذينَ أُخاطِبُ
غَوامِرُ في نَفسي غَرِمنَ حُشاشَةً=بِها فَيضُ بُركانٍ على الثَلجِ ذائِبُ
ثَلُجنَ قلوبَ المُحدِقينَ فما أنا=سِواء جَدوتاً صَوتَ البارودِ تُحارِبُ
أرى عَبثاً أن يُقِدُ النارَ موقِدٌ=و من فَوقهِ غَيثُ السَحابةِ ساكِبُ
فيا ليتهم مني و يا ليتني بِهم=فَينتَسِبُ المَفرُجُ فيمن يُناسِبُ
فَعِشتُ و دَهري سالِبٌ=لأحبةِ بأرضِ غِمارِ الحَربِ و الدَهرُ سالِبُ
أُحبُ ثرى أرضَ الحُسينِ و أهلها=و لي في رُباها بُلقةٌ و مأرِبُ
بأرضِ نَقيبِ الطالبيِّنِ صَرخةً=علت خَلفَ جُثمانَ المُفيدِ مُطالِبُ
و جَلسةِ عِلمٍ بالغريِّ أُحبُها=فَمن لي بِها و الصَدرُ للحَق ِ نَائِبُ
فلا صَوتَ الناعي بِموتِ شَمردلن=و لا ذَرفت للطَيبين أَطائِبُ
أوادي طِوى مالي رأيتُكَ مُقفِراً=كَئيباً بِمن يَرنوا رُبوعَكَ كائِبُ
أوادي طِوى ما النَخلُ عِندكَ باسِقٌ=فما هو من عَذبِ المَودةِ شارِبُ
أوادي طِوى غَارَ الفُراتُ و جُودهُ=مِنَ الدَمعِ مَطمورٌ بِعبركَ جائِبُ
أمالِكَ يا وادي السلامِ مَظنةٌ=لأرواحِ قُدسٍ نورها يتلاهَبُ
فما لي أرى ذاكَ البهاءِ مُعطلاً=و وَجهَكَ يا مَثوى الهَدايةِ شاحِبُ
آباطَ شجا و واديِّ الغريِّ حُلولَهُ=فَليسَ لهم إلا البُكاء مَكاسِبُ
يَجودُ غَراماً من يُؤمنُ قَبرهُ=لتُربَتِكَ الغراء و للموتِ راغِبُ
مَصاعِبُ وَقعِ المَوتِ ذاهِلةُ الورى=و مالَ الذي في خَطوتَيكَ مَصاعِبُ
جِوارُ عَلياً وَحدهُ فيكَ جَنةٌ=و جناتِ عَدنٍ فالجِنان تكابَبُ
متى تَبعثُ الأيامَ فيكَ قظنفراً=على سِيدِ الكرامةِ واثِبُ
متى تَنهبُ الأرضَ البُراق بِفارسٍ=يَصولُ بِبَراق ٍ إلى الطَرفِ نائِبُ
يُلبي نِداءَ القَلبِ ذابِلُ صَحبهِ=و يدعوا أيا مدروعوا جاءكَ ثاقِبُ
عَنِ النَفخِ في جُنحِ الفراشةِ تائبٌ=و ما هو عن هَدمِ اليَواسيخِ تَائِبُ
يُلَفزُ أعناقَ الخَميسِ مَهابةً=فَتقعصُ رُعباً و هو بالسيفِ ضَارِبُ
يُعلي عِقابَ الطالبينَ بالوغى=مُنورةً خضراء و ذو النَجمِ حاذِبُ
يَطوفُ و نيرانُ القداسةِ حَولهُ=مُسلِمةً في وجنتيهِ تُراقِبُ
و يَشغلُ صَاروخَ العدوِ جمالهُ=فَيجمِدُ من شَوق ٍ و ما هو صائِبُ
و يَستوقف الطيرانُ إذ في مَجالهِ=أُقيمت إلى الجُندِ التُقاةِ مَحارِبُ
متى تُبعثُ الأنصار فالكُفرُ يَدعي=بأنَ جُنودَ القَبلتينِ صغالِبُ
و قد حَلَ بالبَطحاءِ كَلبُ أُميةً=على أمنِها يا حُجةِ الله سائِبُ
أعدلاً يا بابَ الخَلاصِ مِنَ الأذى=تأنُ بَهاليلٌ و يَسخَرُ غاصِبُ
أتستَلِمُ الدُنيا هنيءً عِدائكم=و يَشربُ مِنا مُهجةِ القَلبِ ناصِبُ
أيُرضيكَ جِيِّدُ العَهرِ بالدُرِ مُحدِقٌ=و جِيِّدِ تَقياً بالسلاسلِ شاخِبُ
أنا يا وليَ الله لستُ مُعاتِباً=لكِنَ بيتَ اللهِ بالهَتكِ عاتِبُ
و لُذةِ طِفلٍ تَحتَ أنقاضِ مَسكَنٍ=فهل أنتَ صَبارٌ و ذياكَ نادِبُ
و في طَلبِ الأباذالِ صَرخةُ حُرةٍ=تُنادي و غوثاه و الشَيخُ ناحِبُ
نُشوبٌ بِذكرِ اللهِ و الدُبُ ناشِبٌ=فَمن لجريحٍ فَوقهُ الدُبُ ناشِبُ
أُضاحِكُ قِرداً أم أُغازِلُ ظَبيةً=أم أدنوا لخصرٍ فالرويُ مَراتِبُ
تُقَرِبُ كأساً بالهُدابِ لسيدٍ=لعمري ما ريحَ المُدامُ يُقارِبُ
و تتركهُ حَمالاً للنوائبِ ناعِباً=و ما هو لو لا صِنعةِ الشِعرِ ناعِبُ
و يُرسِلُ قَطرَ الدَمعِ ذِكرُ خَليلهِ=إذا بانَ و الأيامُ فيها مقالِبُ
و لكنني يا صاحِبَ الثأرِ شاعِرٌ=عَنِ الحَقوي و الكأسِ المُعتق ِ عَازِبُ
بِموالِ حُزنٍ من غِمارِ حُشاشةِ=بِلحنٍ سوى داءِ القُلوبِ يُجاذِبُ
أُناشِدُ أيامِ علما فَجعتني=بثُلةِ ديني و المُقاضي غَائِبُ
ألا أينَ أبنُ التيهانِ و مالِكٌ=و أينَ الفتى عمار أينَ الحَبائِبُ
و أينَ أبو ذَرٍ أما زَالَ بالفلا=طريداً على حقي الإمامةِ نَادِبُ
أخَضابُ ما زالَ اللهَيبُ مُقَطِعٌ=قِراكَ فَهل تُفدى و يَبرِزُ لاهِبُ
و هل عن عَمودِ الصَلبِ يُنزلُ مَيثَمٌ=فقد طالَ نَزفاً من جِراحهِ ساكِبُ
أصَدرَ حُسينٍ لا تَزالُ على الثراء=تواريكَ من فَوق ِ الرَميضِ مَقالِبُ
فَهل جئتَ في حَربِ الطُغاةِ بِبِدعةً=فيها إلى خَطِ النبيِّ تُجالِبُ
فما لي جُموعٍ بالعتيق ِ شَذَّوا بِها=عليها هُبوبِ القَتلِ و اللعَنِ حاصِبُ
أعلياء مَزاراً هل ترى ما أشوموهُ=و مِثلِكَ لا تُخفى عليهِ مَصائِبُ
ألم تك مَعدوداً بِلمي مُشتتاً=و ما أنتَ للحق ِ المُصدعِ رائِبً
غَريبٌ بأن تَخفى و لَحظَكَ حاضِرٌ=تُصديهِ من هذا الزمان غَرائِبُ
فتلكَ ضِفافُ الهاشميينَ عُربَةٌ=يُهددها لِبسٌ و يَطمَعُ غاصِبُ
بِمنعِ بِزوغ الفَجرِ أبحرَ لَيلهم=بِصُفنن عليها الانطفاءُ غياهِبُ
فَحيلتُنا التَقوى و أنتَ رَجائُنا=و عَهدُ إلهي بالتقيِّ العَواقِبُ
و شيعتكم منكم و أنتم مَعاشِرٌ=فَتائهَ على خَوضِ المَنيةِ دارِبُ
فلا عَقدَ الرحمنُ سِلْمَ مُعادياً=و لكنَ عَقدَ الربِ رَدهُ واجِبُ
و لا نُكِسة راياتُ آلِ مُحمدٍ=عَنِ الحَق ِ و الزَحفِ المُبَشرِ دأِبُ
ينادونهَ يا مَنصورُ هذا زِمامُنا=إليكَ رَميناهُ و نَحنُ الركائِبُ
إذا الدَهرُ يَبغي بالعجائبِ ذُلنا=بَرزنا و في عِزِ النُفوسِ عَجائبُ