الذكرى الأبدية
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
ذِكراكَ حُسينٌ أبدية=تتحدى أحقادّ أُمية
نحركَ بالدم تحداها=قلبكَ بالسهمِ تحداها
ما أغلى ثَمَن الحُرية=ما أغلى ثَمَن الحُرية
يجلوكَ يسارا بدماءٍ=سببٌ للنشأةِ والأُخرى
و إليك تطاير شرف المجدِ=ليبلغَ أصناف المذرى
وعليكَ تساقط ماء الروحِ=جِمارا تسفحُ من حرى
ويداكَ تهُزُ على الأكتافِ=رويدا قتلى يا أسرى
أُسوتكم عطشي ووليدي=جسدي للعاديةِ المجرى
نُزُلا كالجنةِ اجذبها طمعي=في أن أحيا حُرا
وبدورٌ ما أنحسها الذبحُ=وراحت تُشرقُ بالمسرى
وصغيري أعليتُ دِماهُ=للشفق الأعلى فأحمرا
مذبوحا في راح يدَّيَة=عيناهُ تُعذبُ عينية
وحنينُ دماهُ يُناديني=أبتاهُ الجنةُ تدعوني
ما أغلى ثَمَن الحُرية=ما أغلى ثَمَن الحُرية
ما أفجع أن تُبصرَ شمسا تهوي=في التُرب على بدرِ
فتراهُ بغمرةِ مُنحطمٍ=قِطعَ الأسياف على السُمرِ
ودماهُ في ومضاتِ النورِ=خليطا بالوجنةِ تجري
يبدو والشمسُ تعانقهُ=فلكا مخسوفا بالفجرِ
أو قطعُ العرشِ بدت تهوي=بضياءٍ رَطَبٍ مُحمَّرِ
أو موسى مُحتضنا هارون=بوادي الطورِ على الصخرِ
أو عيسى فوق صليب الوهم=تهاوى في حجرِ الخُضرِ
أو أن مُحمدَ مُنفجعا=قد ضمَ عليا بالصدرِ
مذ ضَمَ حسينٌ للتوديعِ=أخاهُ المُقَرحِ بالنهرِ
أ أُخيا تموت وتتركني=فردا للغُلةِ والوتِرِ
ما صولي أُخيا وما حولي=وجِراحُك قد قصمت ظهري
طابت لعِداكَ شماتتها=مذ صابت أجنِحةَ الصقرِ
و وِصالكَ ما انتثرت=حتى آلت بالشملِ إلى النثرِ
وتَيَقَّن بعدك أشقاها=أن ينحَرَ بالقاضب نحري
أيقنت النسوة والحوراءُ=بضربِ الصوتِ وباليسرِ
وبهجمةِ شمرٍ وخُوَّلٍ=بالنارِ عليها بالخِدرِ
ورضيعي يئست أحشاهُ=من بَلٍ بعدكَ بالقطرِ
وسُكينةُ بعدكَ يقتلها=عطشٌ ممزوجٌ بالذُعرِ
أ أُميةُ قّرَّي قد سقطت=خاتمةُ الراياتِ الخُضّرِ
وأنبترت أذرعُ حاملها=وهوى يترفلُ بالكِبرِ
مفضوخ الهامةِ ضمآنا=يتروى فائضة الطَبرِ
آهٍ للقُربةِ لو سالت=في واقدِ مبسمك الذُري
لِتُبردَ قبل عمود القوم=ضماكَ الشاعِلَ بالثغرِ
أ أُخيا إذا شئتَ سلاما=فأغمض عينيكَ على حِجري
وأرحل محمودا للأبطالِ=فريد الوقفةِ بالدهرِ
كُلُ الوقفات لياليٍ بيض=ووقفتُك الليلُ القدري
فأصدع بجراحٍ خَمرية=في مسمعِ أبناءِ سُمية
العيشُ من الموتِ سيبدأ=ردد حُراً هذا المبدأ
ما أغلى ثَمَن الحُرية=ما أغلى ثَمَن الحُرية
أنواءٌ في برقِ ثُغورٍ=سكبت بالدمِ ثناياها
فاحمَّرت ورداتُ الوجناتِ=بسابلِ من فيضِ دِماها
من دمها قد شَربت لما=بالماءِ تعذَر مسقاها
وزكت من طيب روائحها=لكن المُعرسَ أزكاها
والمُعرسُ من حقهِ يبدو=في جمعِ الزفةِ أحلاها
في حُلَّلٍ يمشي لعروسٍ=أحلى ما فيها معناها
وحسينٌ يمسكهُ يدعوا=بصحابٍ عِزها أبناها
يتقربُ عند مصارعها=يستنهض منها أشلاها
يا بدر الطفِ لقد زفت=عِريسَ الطفِ سباياها
والأهلُ تلوم مراحمها=لو تهجُر في يوم مُناها
ما عُذركَ ترمي قربتها=وتَفِرُ سريعا بلواها
وصغارك ما زالت ترجو=
ليمينكَ من قبلُ يمينا زينبُ=لن يُدنى لخباها
نسيت كفاكَ معاهدها=أم حُرمت بالسيفِ وفاها
ناشدتك عن قسمٍ يزهو=لو أظلم إشراقُ ضُحاها
نفسي من فقدكَ يا نفسي=سامت من بعدكَ محياها
أحبيب القلبِ حبيبي حبيب=وشيخَ الصحب وأغلاها
يا قلبا ما في أحشاهُ=إلا حٌبا لبني طه
حتى ودِماكَ تسيلُ لها=كتبت بالمصرعِ أسماها
عهدي لو رأسُك مفصولٌ=دعواتُ حُسينٌ لباها
ما لَكَ لا تسمعُ ناعيتي=أتُراك مذلتي ترضاها
جعفرُ يا جونُ ويا عونُ=يا من للحربِ مراياها
نافعُ يا مُسلمُ يا رومي=يا زُحلا زلزل أرجاها
أزُهيرُ بريرُ فما ردت=بالصيحةِ إلا أصداها
فيُعَنِفُ لومتها حتى=قامت للنصرِ بقاياها
فأشار إليها أن قَرّي=فأنخمدت في بحرِ دِماها
من بعدَ الأكبر يُدني لي=فرسا للمنحرِ مجراها
تركت مذ نظرت حيرتهُ=زينبُ إذلال يتاماها
وأتت من صومعة الأحزانِ=تقودَ الطِرفَ لمولاها
أرأيتَ كأُختُك قاسيةً=ما رحمت للموتِ أخاها
قدمتِ الطِرفَ لكي يمضي=للذبحِ بأسيافِ عِداها
فبكى المَظلومُ فما=أبقى ناشئةً إلا أبكاها
مُحتضنَ الأُخت يُودعها=ويُبردَ نيرانَ حشاها
وبمعنى الصبر يُذكرها=وبحفظ العيلة وصاها
فاضطربت من فاجعة الخطب=فمد يديه فأرساها
فبدت في نفسٍ قُدسية=ومواقِفُها رَبّانية
بالطفِ الأصغرِ والأقوى=وتُردد في وجه البلوى
ما أغلى ثَمَن الحُرية=ما أغلى ثَمَن الحُرية
عجبا لظهيرةِ عاشوراء=النجمُ برابعها أربع
ما شهدت من قبل الدنيا=ليلا بنهارٍ يتجمع
الشمسُ تشعُ بلاهبها=والنجمُ بأنوارٍ يلمع
وكأن محمدَ مصروعٌ=من زمنِ الدُنيا يتودع
مُنجدلا بالأُفُقِ الأعلى=و شهوبٌ في جسمهِ تقطع
فكأنهُ نورٌ في نارٍ=من بين لواهبها يسطع
مُحمَّرا كضياءِ غُروبٍ=وظلامُ الليلِ بهِ ينزع
إنسانٌ هذا أم مَلَكٌ=يغليكَ الريّبُ فلا تقنع
إلا أن تحسبهُ الصِدّيقَ=وفوقهُ يعقوبُ تلوع
محتضنا جثتهُ الحمراء=وعينهُ بالأحمرِ تدمع
ويجمعُ أوصالا قد كانت=لصفاتِ المُختارِ مُجَمع
ماذا لهُ خُلقٌ في خُلُقٍ=طيبٌ من طيبٍ يتفرع
ألبسهُ طه هيبتهُ=ثوبا نوريا لا يُخلع
من فمهِ ينبعُ منطقهُ=عذبا يتصببُ لو يسجع
شبلٌ بشجاعةِ حيدرةٍ=وببأسِ الحمزةِ لو أفزع
والعُمرُ كوردةِ جدتهِ=من قبلِ تفتُحها تُقطع
كرمٌ من حسنٍ في يدهِ=لو سال على صخرٍ أمرع
و إباءٌ من عز أبيهِ=ترهبهُ الريحُ إذا يجزع
ما حالُ حُسينٍ يُبصرهُ=من واسعةِ الجُرحِ تُقطع
أبُنيَ جِراحُك محصية=أبدا بالسبعِ العُلوية
سجدت بالدمِ إلى المولى=لتردد بالملأ الأعلى
ما أغلى ثَمَن الحُرية=ما أغلى ثَمَن الحُرية
عَثَرَ الإسلامُ فما ألوى=كي يقوى إلا بيديكَ
قُطعت فمددت لهُ طولا=يُدلي بدمٍ من ودجيكَ
وشفارُ الأعضبِ تهبرها=فتفور الروح بعينيكَ
لتُكبرَ تكبيرا أرسى=قدر الجبارِ بكفيكّ
فكأن الأرض سماءُ العرشِ=وذروا العرشِ بكعبيكَ
وضيوف أبيك خليل الله=أتت للطفِ تُواسيك
إن شئت نخلي سافلها=عاليها حتى نُرضيكَ
وأتاك الوحيُ وميكالٌ=ما ترضى فأمر عبديكَ
وملائِكُ بدرٍ بِحِرابِ=نادت مولانا لبيكَ
والجنُ تُسابر أغوارا=لِتشُقَ الطفَ حواليكَ
ورسول اللهِ يصيح=بُني إلي إلي أهنيكَ
فاليأس يذبل غُصنَ الدينِ=وسُقياهُ من ودجيكَ
فدعوتُ لمرضاةِ اللهِ=يا سيفُ النحرُ لحديكَ
فتوارت أجنحةُ الأملاكِ=وخلت شمرا يُرديكَ
بعيونِ النسوة والحوراء=بمثلِ دمائك تبكيكَ
أ أُخيا تموت ضمي النفسِ=فمن يروي نفسي فيكَ
تتوسدُ ساجرة البوغاء=أو سِجرُ الغُلةِ يغليكَ
تكويك الشمس ألا يكفي=ضمأ الأحشاءِ يكويك
لو هبت لاهبةُ الغبراء=لهيب الذبحةِ يكفيكَ
يا ابن العذراء أما عَلِمت=طُلقاءِ الفتحِ معانيكَ
أو بعد كساء رسول الله=بسافي الرمضة تكسوكَ
فقداسة جدك ما جعلت=نسلَ الوقاصِ يواريكَ
بل آمر عشر المعوجاتِ=تُرضض حِقدا جنبيكَ
وتعودُ ملاقيط قُريشٍ=لِتشُب الخدر بأهليكَ
وتلاحقُ خثراتٍ فرت=نحو البيداءِ تناديكَ
وصغارا تركضُ نحو الماء=لتكشف حال محاميكَ
وجدتهُ منهزمَ الآمالِ=تفكك وصلهُ تفكيكا
محتضنَ الرايةِ بالزندين=كأنهُ ميتا يفديكَ
ما وقف الدهرُ على إخلاصٍ=يعلو إخلاصَ أخيكَ
ما أروع لطغاةِ الإسلامٍ=تحديهِ وتحديكَ
أنفاسُ الروحُ النبوية=تعلو والرايةُ بدرية
بنداءٍ ما زال يدوي=حرا للأحرار يُقَوي
ما أغلى ثَمَن الحُرية=ما أغلى ثَمَن الحُرية