الحسين في شعور شاعر
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
غُوري بِأعماقي فإنَ مَدها=عَزت على عَينِ المها من هاها
و إليكِ عَني يا أُمَيمةُ إنني نَفساً=من قَبيلِ الشَوق ِ من اسماها
و تَحدثي تَكوينها كي تَعلمي=من نَارِ عِشق ِ الوارثينَ بِناها
فَما حَداكِ على الملامِ أما تريّ=رَجُلاً مَحاجِرهُ يَكادُ يَراها
أ صبيحةَ الوجناتِ لا تتدللي=فالْنَفسُ يَزجُرها الإبا و نُهاها
و الحُبُ يا وَردَ الحَنانِ بِخاطرِ=أجزاءُ ما ناولتكِ أجزاها
و الشِعرُ و القِدُ اللطيفُ توأمٌ=تَحنوا و ترعى بالجَميلِ إخاها
و أنا بِنعليَ الحُسينِ مُتيمٌ=ما كَانَ تَيمني الهوى لولاها
فَتراجعي يا وَردُ أو فَتقدمِ سياها=فالْروحُ ارتضت مولاها
إني على حُبِ الحُسينِ مُكابِدٌ نَفساً=أكادُ مِنَ الهوى أنساها
بل كُلما دافَعتُها تَقتاتني=بِجنودِ عِشق ٍ لا أُطيقُ لِقاها
فِكري و عَزمي و اصطِباري شُحَذاً=في وَجهِها فَيَعُدنَ من آسراها
و غَمِرتُ قَلبيَ مِنَ السلو=فجاءهُ سَهمُ الحُسينِ فَصارَ من قتلاها
راميتهُ فرمى فؤاديَ قائلاً=قد أنصفَ القَارةُ من رماها
باركتُ للنَفسِ التي أحبابُها=بِمراتِبٍ و السِبطُ في أعلاها
يَبتَزُني حُبي لأُميَ حُبهُ=و البَزُ مَوصولٌ إلى أقواها
و هَيَ التي قد أرضعتنيَ عِشقهُ=فكأنهُ بِجميلها عاداها
أنا ما أقولُ بِسيدٍ من مَحشرٍ=أنفاسُها رَبُ السماء زَكها
شِعرِ إليكَ تَقربٌ لا مِدحَتٌ=فَالْشَمسُ مادِحهُا يَذُمُ ضياها
نَفسٌ على حِجرِ البَتولِ غُلِبت=و مُحمدٌ إبهامهُ غَذاها
كُلُ الكَلام يَجوزُ لو لا أنها=نَفسٌ عَليُ المُرتضى رباها
أيَصِحُ مَدحي للُحسينِ و إنهُ=لو سَالَ حُبهُ في لظى أطفاها
فيا زَبانيةُ الجَحيمِ تَحذرُ=لا تُدخِلوا أَحبابَهُ مَصلاها
خَوفاً تَسيلُ بِها بُرودةِ حُبِهم=فَيُمَتِعوا في قَعرِها أشقاها
هذا هو الحَقُ اليَقين=و أُمةٌ حَبة حُسيناً رَبُها حَباها
فالْنارُ تَخشى حُبهُ=إذ أنهُ حُبٌ مِنَ اللهِ أنشاها
لَهُ رَحمةٌ تَبكي على أعدائهِ=و لقد قَضى ظمئاً و ما أبكاها
فإذا رَمَتهُ عُتاتَهم أحقادها=يَرمي لها دَمعاً على خُسراها
و لو أنها يَومُ الحِسابِ شَفاعةً=مِنهُ أرادت رُبما أنجاها
كَفٌ تُغالي بِسخاءِ و من هُنا=طَمِعَ النَواصِبُ في عَظيمِ عَطاها
للهِ نَفسٌ بِسماحةِ مَترعٌ=فليقاتلها أَشرعت مَجارها
و بُطولةٌ يَومُ الطَفوفِ سَماعُها=بِفمِ البَليغِ أَقلُ من مراها
فالْسيفُ قد أَسرَ الرؤوس=فإن بدا مِنها حِراكٍ عَضَ في أحشاها
و الرُمحُ يَزحفُ للقلوبِ كأنهُ=أمُ الكَوكِبِ ضَيقت مَسعاها
فإذا تَيقنت اختراق ٍ لإنائهِ=صَبت لهُ قَبلَ الطِعانِ دِماها
و تَخالطت رُتَبُ الزَمانِ على العِدى=من ضَربِهِ حتى رأت آُخرها
فإذا تَطايرتِ النُفوسِ لِربِها=عَلِمت أنها فَارقت دُنياها
مَرضى أَشدُ مِنَ المماتِ عَيارُها=من خَوفِهِ فبِقتلهِ داواها
و يَكفُ عن أهلِ الجِرارِ حُسامهُ=لكِنَ طَيفَ بريقهِ أرداها
فَرت على خَيال الجيادِ و أبعدت=و خَيالهُ يَجري على مَجرها
فَلو استقرت على الثُريا نالها=و لو استقرت بالبُروجِ أتاها
بِكْرٌ كأنَ الشُهبَ من أجناسهِ=و بأمرهِ فَوقَ السما مرماها
و حِكايةٌ وَقِفَ الزَمانُ فما مَشى=بَينَ الورى إلا على ممشاها
كُلُ العُقولِ إلى الحُسينِ مَضيةٌ=فكأنهُ لِعطائهِ أتراها
يبدوا كأنَ الدَهرَ فيهِ شُجاعةٌ=تَثني الخُطوبَ و كَربلاء يَخشاها
و أُخالُ أن النَجمَ يَحلِمُ مَرةً=لو أنهُ بِعُلوهِ حاذاها
و أظِنُ أن ملائكٍ قد قُرِبوا=قَذَفوا رِجالاً عُفِروا بِتراها
و أظِنُ الساجدينَ بِليلِهم=قَذفوا الذينَ بَكوا على قَتلاها
و أَحِسُ أني آمِنٌ يَومَ اللظى=من يَومُ قُلتَ الشِعرَ في ذِكرها
و لقد عَلِمتُ و ما دَرت وَردُ الصِبا بِجهالتي=قد فارقت منجاها
حَسبُ الطفوف بأنها أُنشودةٌ=من صَوتِ آهاتِ الحُسينِ غِناها
حَسبُ الطفوف بأنها أُقصوصةٌ=جِبريلُ للطُهرِ الأمينِ حَكاها
حَسبُ الطفوف بأنها مَصقولةُ=كُلُ الطُغاةِ تَخافُ من أشباها
حَسبُ الطفوف بأنَ فيها مُعرِساً=حتى ملائكةَ السما أبكاها
حَسبُ الطفوف بأنَ فيها فارِساً=لو مَدَ كَفاً بالسُها جراها
و لو التقت كُلُ البُدورِ بِوجههِ=لرآهُ حتى من عُمي أحلاها
في جودهِ جُودُ العُلا و يسارِهِ=عُسرُ الورى و يَمينهُ يُمناها
عَباسُ أذعلتَ البُطولةِ و الفِداء=و أتتكَ تَسألوا من يَديكَ قِراها
أطعمتها و سَقيتها في موقِفٍ=لم تدري بِهِ الأرضُ أينَ سماها
أَبُروكُ الليلِ كفوقها أم رَعدُها=أم صَوتُ خَرقِكَ للدروعِ داوها
و جَمالُ وَجهِكَ و الحُسامُ و بَرقُها جُمِعت=فَكانَ جَمالهُ أسناها
فإذا تَكورتُ الجيوشَ بِوجههِ=جُثَثٍ بِأقدارِ الصَقيلِ دحاها
شِيمٌ تُوفي للجمالِ فما دَرت=فيضُ الزمانِ أيُها أُفاها
فِكرٌ إذا أحتارَ الزَمانُ بِغاشِمٍ=لِزُفوفهِ من كَربلاء ناداها
تأتي سِراعاً للخلاصِ مَفادها=نَفسي إلى نَفسِ الحُسينِ فِداها
أتُرى تَزولُ و إن تَعاصبَ ضُدها=من شؤنَ عَصرٍ مانِعٍ حاشاها
لا لا تزول تأملوا و تَفكروا=مَعنى الخُلودِ مُطابِقٌ معناها
لا ينتهي ذِكرُ الحُسينِ و كربلاء=من ذا يُكذِبُ زَينباً دَعوها
و اللهِ لا يَمحُ يَزيدُ ذِكرنا=و عِصابةُ البَعثِ التي رباها
و رايةُ القَمرُ الذي أُردي بِها=للصَدرِ قَبلَ سُقوطهِ أعطاها
بَطلٌ تَقيٌ عالِمٌ لو عِلمهُ مَطرٌ=يَصبُ على الورى أفناها
عَزمٌ إذا دَكَ الجِبالِ مُغالباً=لا تَستحي لو فارقت مرساها
صَبرٌ لو انكشفت لهُ أرزائُنا=و آتى عليها مِثلُها غَطاها
و شِجاعةٌ أَسمتكَ يَومَ المُلتقى=مِثلَ الحُسينِ أبيكَ من أباها
قد عَلمتنيَ الشِعرَ حتى أنني=دونتهُ عَجبٍ على إملاها
و فَضائلٌ قد حاضرتني مُفزِعٍ=بِبديعها فَسعيتُ في مرضها
شَهِدت التُقاةُ أنهُ رَمزٌ لها=شَهِدَ الدُهات أنهُ أدهاها
و نَفائسُ الفِكرِ التي قد أُلِهت=حتى كأنهُ لا إلهَ سِواها
سَجَدت لها الأفكارُ دونَ تَحرُجٍ=فَسُجودها حَقٌ إلى مولاها
و مواقِفٌ لكَ لا يفي بِمَثيلها=إلا الخُمينيُ و الحُسينُ و طه
و أمانةُ السَعدِ التي كُلِفتها=بالحَق ِ نَحرُكَ بالْدماءِ أداها
خَذلوكَ حتى بانَ من خُذلانِهم=وَجهُ العِراق ِ مُلطخاً بِدماها
لا تَشتكي صَدامُ أرضُها=إنما تَشتكي الذينَ تلاعبوا بِولاها
زَحفَ الحُسينُ و قَصدهُ إنقاذُها=من زُمرةِ البَعثِ التي ترعاها
بَثَ الخِطابَ على الأرزاءِ لِرشدِها=لكِنها رَكِبت على طَغواها
فَلستُ أدري ما جرى لِعقولهم=أهلُ العِراق و ما الذي أعماها
قامت عليه شَبابُها و شيوخها=و استنفرت لها سهلها و رُباها
و نَفاقها و سيوفها و قُلوبها=كُتابُها أُدبائها شُعراها
حتى الصِغار يُلقنونَ بأنهُ=شَيطانٌ مَجبولٌ على إغواها
ضَحِكت و صَفقتِ الفراتُ و أهلُها=و الشَتم أرقصَ بالغِناء نساها
يا أبنَ المَجوسَ الفارسيُ المُحتذى=يا عُنصريُ الطَبعِ يا أجناها
و بِموتهِ شَمِتت و قد بَلغت بِهِ=أقصى مسراتِها فما أدناها
أَخزت نَبيَ العَصر أبنَ مُحمدٍ=و بِلعنهِ صَلت فما أخزاها
نَزِلَ البلاءُ بِأهلها فبلحظةً=حتى الَعدوُ بَكى على عُقباها
لبِسًت لباسُ الجوعِ والخَوفِ الذي=نَسجتهُ في ليلِ الظلامِ يداها
عَضت أنامِلها و قالت ليتها تُربٌ=ولم تك خالفت عُلماها
عضت فعضَ قُلوبنا آلمٌ لها=أردت تَبَسُمِنا وأحيت الآهها
ما لَومُكم قَصدي و لكن بي ضَنٍ=دَمعَ العُيونِ ملاذةً مجراها
أنا بالعراق ِ مُعذبٌ لا شامتٌ=حتى نِعاجِ ربوعِها أهواها
فيها الحُسين و كربلاء وأنا هُنا=لكِنَ قلبي حَلَ في مغناها
مُتَسكِعاً فَوقَ التُراب و كلما=وطأتهُ زوارُ الحُسينِ تبآها
هذا الذي قد علمتني زَينبٌ=أمي فها أنا أهتدي بِهُداها
سائلتُها في كربلاء من هؤلاء ؟=ما هَذهِ القِبَبُ المُشِعُ سناها
قالت تَمهل و اتبعني=قبلت أعتابَ بَابِ القِبلةِ و عُراها
و رأيتُها تَشتَدُ في تقبيلها=من شَوقِها و أغرورقت عيناها
فسألتُها لما ذا ؟ أجابت يا بُني=هذا الحُسين ملاذًها و ذُراها
هذا لأجلِ نجاتِنا ضحى بِمن كانت=أشدُ مِنَ الضُحى بِضُحاها
هذا إذا فَاضَ العَذابُ على الورى=فهو السفين و كربلاء مرساها
فَسلكتُ مَسلكها و قبلتُ العُرى=وخَطوتُ نَحوَ الروضةِ و فِناها
قالت تأدب بالدخولِ فإنها=أبياتُ قُدسٍ ربُها أعلاها
قِف يا بُني فإنَ آلِ المُصطفى=زوارهم يستأذنون اللهَ
فوقِفتُ اهتِفُ يا أبا العزِ الذي=رُسِلُ المنيةِ بالإبا ذلاها
غازي بِخدمتِكم يَموتُ مُحققاً=أغلى أماني أُمهِ و مُناها
ألقيت دمعي في دِماءِ ولائكم=يا مَعشرٌ ما خَابَ من والاها
و لقد عَلِمت وإن يُخالفُ نَاصِبٌ=أن القيامةُ أنتمُ أُمراها
طُوبى لِمن يَردُ القيامَ و عهدهُ=في ذِمةِ المَظلُومِ من زُعماها