اجآ ذر منعت عيونك ترقد
علاء الدين الشفهيني
اجآ ذرُ منعت عيونك ترقد= بعراص بابل أم حسان خرّدُ ؟
ومعاطف عطفت فؤادك أم غصون= نقى على هضباتها تتأوّد ؟
وبروق غادية شجاك وميضها= أم تلك درّ في الثغور تنضّد ؟
وعيون غزلان الصريم بسحرها= فتنتك أم بيض عليك تجرّد ؟
يا ساهر الليل الطويل بمدّه= عوناً على طول السهاد الفرقد
ومُهاجراً طيب الرقاد وقلبه= أسفاً على جمر الغضا يتوقّد
ألا كففت الطرف إذ سفرت بدور= السعد بالسعدى عليك وتسعد
أسلمت نفسك للهوى متعرّضا= وكذا الهوى فيه الهوان السرمد
وبعثتَ طرفك رائداً ولرُبّما= صَرع الفتى دون الورود المورد
فغدوت في شرك الظباء مقيّداً= وكذا الظباء يصدن من يتصيّد
فلعبن أحياناً بلّبك لاهياً= بجمالهنّ فكاد منك الحسّد
حتّى إذا علقت بهن بعدت مَن= كثبٍ فهل لك بعد نجد منجد ؟
رحلوا فما أبقوا لجسمك بعدهم= رمقاً ولا جلداً به تتجلّد
واهاً لنفسك حيثُ جسمك بالحمى= يبلى وقلبك بالركائب منجد
ألفت عيادتك الصبابه والأسى= وجفاك من طول السقام العوّد
وتظنّ أن البعد يعقب سلوة= وكذا السلوّ مع التباعد يبعد
يا نائماً عن ليل صبّ جفنه= أرقٌ إذا غفت العيون الهجّد
ليس المنام لراقدٍ جهل الهوى= عجباً بلى عجبٌ لمن لا يرقد
نام الخليّ من الغرام وطرف من= ألف الصبابة والهيام مسهّد
أترى تقرّ عيون صب قلبه= في أسر مائسة القوام مقيّد ؟
شمس على غصن يكاد مهابةً= لجمالها تعنو البدور وتسجد
تفترّ عن شنب كأنّ جمانه= بردُ به عذب الزلال مبرّد
ويصدّني عن لثمه نار غدت= زفرات أنفاسي بها تتصعّد
من لي بقرب غزالة في وجهها= صبحٌ تجلّى عنه ليل أسود ؟
أعنو لها ذلاً فتعرض في الهوى= دَلاً وأمنحها الدنو وتبعد
تحمي بناظرها مخافة ناظرٍ= خدّاً لها حسن الصقال مورّد
يا خال وجنتها المخلّد في لظى= ما خلت قبلك في الجحيم يخلّد
إلا الذي جحد الوصيّ وما حكى= في فضله يوم «الغدير» محمّد
إذ قام يصدع خاطباً ويمينه= بيمينه فوق الحدائج تعقد
ويقول والأملاك محدقة به= والله مطّلع بذلك يشهد
من كنت مولاه فهذا حيدرٌ= مولاه من دون الأنام وسيّد
يا ربّ وال وليّه وأكبت معا= ديه وعاند مَن لحيدر يعندُ
والله ما يهواه إلا مؤمن= برّ ولا يقلوه إلا ملحد
كونوا له عوناً ولا تتخاذلوا= عن نصره واسترشدوه تُرشدوا
قالوا : سمعنا ما تقول ما أتى= الروح الأمين به عليك يؤكّد
هذا «عليّ» إمامنا ووليّنا= وبه إلى نهج الهدى مسترشد
حتى إذا قبض النبي ولم يكن= في لحده من بعد غسلٍ يلحد
خانوا مواثيق النبي وخالفوا= ما قاله خير البريّة أحمد
واستبدلوا بالرشد غيّاً بعدما= عرفوا الصواب وفي الضلال تردّدوا
وغدا سليل أبي قحافة سيداً= لهم ولم يك قبل ذلك سيّد
يا للرجال لأمّةٍ مفتونة= سادت على السادات فيها الأعبد
أضحى بها الأقصى البعيد مقرّباً= والأقرب الأدنى يذاد ويُبعد
هلا تقدّمه غداة براءة= إذ ردّ وهو بفرط غيظ مكمد ؟
ويقول معتذراً : أقيلوني وفي= إدراكها قد كان قدماً يجهد
أيكون منها المستقيل وقد غدا= في آخر يوصي بها ويؤكّد ؟
فقضى بها خشناء يغلظ كلمها= ذلّ الوليّ بها وعز المفسد
واشار بالشورى فقرّب نعثلاً= منها فبئس......................
فغدا لمال الله في قربائه= عمداً يفرّق جمعه ويبدّد
ونفى أباذرّ وقرّب فاسقاً= كان النبي له يصدّ ويطرد
لعبوا بها حيناص وكل منهم= متحيّر في حكمها متردّد
ولو اقتدوا بامامهم ووليّهم= سعدوا به وهو الوليّ الأوكد
لكن شقوا بخلافه أبداً وما= سعدوا به وهو الوصيّ الأسعد
صنو النبيّ ونفسه وأمينه= ووليّه المتعطّف المتودّد
كُتباعلى العرش المجيد ولم يكن= في سالف الأيّام آدم يوجد
نوران قدسيّان ضمّ علاهما= من شيبة الحمد ابن هاشم محتد
مَن لم يقم وجهاً إلى صنم ولا= للّات والعزى قديماً يسجد
والدين والإشراك لولا سيفه= ما قام ذا شرفاً وهذا يقعد
سَل عنه بدراً حين وافى شيبةً= شلواً عليه النائحات تعدّد
وثوى الوليد بسيفه متعفّراً= وعليه ثوب بالدماء مجسّد
وبيوم أحد والرماح شوارع= والبيض تصدر في النحور وتورد
مَن كان قاتل طلحة لما أتى= كالليث يرعد للقتال ويزبد
وأباد أصحاب اللواء وأصبحوا= مثلاً بهم يروى الحديث ويُسند
هذا يجرّ وذاك يرفع رأسه= في رأس منتصب وذاك مقيّد
وبيوم خيبر إذ براية «أحمد»= ولّى عتيق والبريّة تشهد
ومضى بها الثاني فآب يجرّها= ذلاً يوبّخ نفسه ويفنّد
حتى إذا رجعا تميز «أحمد»= حرداً وحقّ له بذلك يحرد
وغدا يحدّث مُسمعاً مَن حوله= والقول منه موفّق ومؤيّد
إني لاعطي رايتي رجلاً وفي= بطل بمختلس النفوس معوّد
رجل يحب الله ثم رسوله= ويحبّه الله العليّ واحمدُ
حتّى إذا جنح الظلام مضى على= عجل وأسفر عن صبيحته غد
قال : إئت يا سلمان لي بأخي فقا= ل الطهر سلمانٌ : علي أرمد
ومضى وعاد به يُقاد ألا لقد= شرف المقود عُلا وعز القيّد
فجلا قذاهُ بتفلة وكساه سا= بغةً بها الزرد الحديد منضّد
فيد تناوله اللواء وكفه= الاخرى تُزرّد درعه وتُبنّد
ومضى بها قدماً وآب مظفّرا= مستبشراً بالنصر وهو مؤيّد
وهوى بحدّ السيف هامة مرحب= فبراه وهو الكافر المتمرّد
ودنا من الحصن الحصين وبابه= مستغلق حذر المنية موصد
فدحاه مقتلعاً له فغدا له= حسّان ثابت في المحافل ينشد
إن امرءاً حمل الرتاج بخيبر= يوم اليهود لقدره لمؤبّد
حمل الرتاج وماج باب قموصها= والمسلمون وأهل خيبر تشهد
وأسأل حنيناً حين بادر جرول= شاكي السلاح لفرصة يترصّد
حتّى إذا ما أمكنته غشاهم= في فيلق يحكيه بحرٌ مزبد
وثوى قتيلاً أيمن(1) وتبادرت= عصب الضلال لحتف أحمد تقصد
وتفرّقت أنصاره من حوله= جزعاً كأنّهمه النعام الشرّد
ها ذاك منحدر إلى وهدٍ وذا= حذر المنيّة فوق تلع يصعد
هلا سألت غداة ولّى جمعهم= خوف الردى إن كنت مَن يسترشد ؟
مَن كان قاتل جرول ومذلّ جيش= هوازن إلا الولي المرشد ؟
كلّ له فقد النبي سوى أبي= حسن عليّ حاضر لا يفقد
ومبيته فوق الفراش مجاهداً= بمهاد خير المرسلين يُمهّد
وسواه محزون خلال الغار من= حذر المنيّة نفسه تتصعّد
وتعدّ منقبة لديه وإنها= إحدى الكبائر عند من يتفقّد
ومسيره فوق البساط مخاطباً= أهل الرقيم فضيلةٌ لا تجحد
وعليه ثانية بساحة بابل= رجعت كذا ورد الحديث المسند
ووليّ عهد محمّد أفهل ترى= أحداً إليه سواه أحمد يعهد ؟
إذ قال : إنك وارثي وخليفتي= ومغسّل لي دونهم وملحّد
أم هل ترى في العالمين بأسرهم= بشراً سواه يبيت مكّة يولد ؟
في ليلة جبريل جاء بها مع= الملأ المقدّس حوله يتعبّد
فلقد سما مجداً «عليّ» كما علا= شرفاً به دون البقاع المسجد
أم هل سواه فتى تصدق راكعاً= لمّا أتاه السائل المسترفد ؟
ألمؤثر المتصدق المتفضل= المتمسّك المتنسّك المتزهّد
ألشّاكر المتطوّع المتضرّع= المتخضّع المتخشّع المتهجّد
(1) ايمن بن أم ايمن بن عبيد . من المستشهدين في غزوة حنين .
ألصابر المتوكل المتوسّل= المتذلل المتململ المتعبّد
رجل يتيه به الفخار مفاخراً= ويسود إذ يُعزى إليه السودد
إن يحسدوه على عُلاه فانما= أعلا البريّة رتبةً من يُحسد
وتتّبعت أبناؤهم أبناؤه= كلّ لكلٍّ بالأذى يتقصّد
حسدوه إذ لا رتبة وفضيلة= إلا بما هو دونهم متفرّد
بالله أقسم والنبي وآله= قسماً يفوز به الوليّ ويسعد
لولا الأولى نقضوا عهود محمّد= من بعده وعلى الوصيّ تمرّدوا
لم تستطع مدّاً لآل أُميّةٍ= يوم الطفوف على ابن فاطمة يدُ
بأبي القتيل المستضام ومَن له= نار بقلبي حرّها لا يبرد
بأبي غريب الدار منتهك الخبا= عن عُقر منزله بعيدٌ مفرد
بأبي الذي كادت لفرط مصابه= شمّ الرواسي حسرةً تتبدّد
كتبت إليه على غرور أُميّة= سفهاً وليس لهم كريمٌ يحمد
بصحائف كوجوهم مسودّة= جاءت بها ركبانهم تتردّد
حتّى توجّه واثقاً بعهودهم= وله عيونهم انتظاراً ترصد
أضحى الذين أعدّهم لعدوّهم= إلباً جنودهم عليه تجنّد
وتبادروا يتسارعون لحربه= جيشاً يُقاد له وآخر يُحشد
حتّى تراءى منهم الجمعان في= خرق وضمّهم هنالك فدفد
ألفوه لا وَكلاً ولا مستشعراً= ذلاً ولا في عزمه يتردّد
ماض على عزم يفلّ بحدّه= الماضي حدود البيض حين تجرّد
مستبشراً بالحرب علماً أنّه= يتبوّأ الفردوس إذ يستشهد
في أُسرة من هاشم علويّةٍ= عزّت أرومتها وطاب المولد
وسُراة أنصارٍ ضراغمة لهم= أهوال أيّام الوقايع تشهد
يتسارعون إلى القتال ، يسابق= الكهل المسنّ على القتال الأمرد
فكأنّما تلك القلوب تقلّبت= زيراً عليهنّ الصفيح يضمّد
وتخال في إقدامهم أقدامهم= عُمداً على صمّ الجلامد توقد
جادوا بأنفسهم أمام إمامهم= والجود بالنفس النفيسة أجود
نصحوا غنوا غرسوا جنوا شادوا بنوا= قربوا دنوا سكنوا النعيم فخلّدوا
حتّى إذا انتهبت نفوسهم الضبا= من دون سيّدهم وقلّ المسعد
طافوا به فرداً وطوع يمينه= متذلّق ماضي الغرار مهنّد
عضبٌ بغير جفون هامات العدى= يوم الكريهة حدّه لا يغمد
يسطو به ثبت الجنان ممنّع= ماضي العزيمة دارعٌ ومُزرّد
ندبٌ متى ندبوه كرّ معاوداً= والأسد في طلب الفرايس عوّد
فيروعهم من حدّ غرب حسامه= ضرب يقدّ به الجماجم أهود
يا قلبه يوم الطفوف أزبرة= مطبوعة أم أنت صخر جلمد ؟
فكأنه وجواده وسنانه= وحسامه والنقع داجٍ أسود
فلك به قمر وراه مذنّب= وأمامه في جنح ليل فرقد
في ضيق معترك تقاعس دونه= جرداء مائلة وشيظم أجرد
فكأنّما فيه مسيل دمائهم= بحرٌ تهيّجه الرياح فيزبد
فكأنّ جَرد الصافنات سفاين= طوراً تقوم به وطوراً تركد
حتّى شفى بالسيف غلّة صدره= ومن الزلال العذب ليس تبرّد
لهفي له يرد الحتوف ودونه= ماء الفرات محرّم لا يورد
شزراً يلاحظه ودون وروده= نار بأطراف الأسنّة توقد
ولقد غشوه فضارب ومفوّق= سهماً إليه وطاعن متقصّد
حتى هوى كالطود غير مذمّم= بالنفس من أسف بجود ويجهد
لهفي عليه مرمّلاً بدمائه= ترب الترائب بالصعيد يوسّد
تطأ السنابك منه صدراً طالما= للدرس فيه وللعلوم تردّد
ألفت عليه السافيات ملابساً= فكسته وهو من اللباس مجرّد
خضبت عوارضه دماه فخيّلت= شفقاً له فوق الصباح تورّد
لهفي لفتيته خموداً في الثرى= ودماؤهم فوق الصعيد تبدّد
فكأنما سيل الدماء على عوار= ضهم عقيق ثمّ منه زبرجد
لهفي لنسوته برزن حواسراً= وخدودهنّ من الدموع تخدّد
هاتيك حاسرة القناع وهذه= عنهايماط رداً وينزع مرود
ويقلن جهراً للجواد لقد هوى= من فوق صهوتك الجواد الأجود
يا يوم عاشوراء حسبك إنّك= اليوم المشوم بل العبوس الأنكد
فيك الحسين ثوى قتيلا بالعرى= إذ عزّ ناصره وقل المسعد
والتائبون الحامدون العابدن= السائحون الراكعون السجّد
أضحت رؤوسهم أمام نسائهم= قدماً تميل بها الرماح وتأود
والسيد السجاد يحمل صاغراً= ويقاد في الأغلال وهو مقيّد
لا راحماً يشكو اليه مصابه= في دار غربته ولا متودّد
يهدى به وبرأس والده الى= لكعٍ زنيمٍ كافرٍ يتمرّد
لا خير في سفهاء قوم عبدهم= ملك يطاع وحرّهم مستعبد
يا عين إن نفدت دموعك فاسمحي= بدم ولست أخال دمعك ينفد
أسفاً على آل الرسول ومن بهم= ركن الهدى شرفاً يشاد ويعضد
منهم قتيلٌ لا يجار ومن سقي= سمّاً وآخر عن حماه يشرّد
ضاقت بلاد الله وهي فسيحة= بهم وليس لهم بأرض مقعد
متباعدون لهم بكلّ تنوفة= مستشهد وبكلّ أرض مشهد
أبني المشاعر والحطيم ومَن هم= حججٌ بهم تشقى الأنام وتسعد
أقسمت لا ينفك حزني دائماً= بكم ونار حشاشتي لا تخمد
بكم يميناً لا جرى في ناظري= حزناً عليكم غير دمعي مرود
يفنى الزمان وتنقضي أيامه= وعليّكم بكم الحزين المكمد
فلجسمه حلل السقام ملابس= ولطرفه حر المدامع أثمد
ولو أنّني استمددت من عيني دماً= ويقلّ من عيني دماً يستمدد
لم أقض حق كم علي وكيف أن= تقضي حقوق المالكين الاعبد
ياصفوة الجبّار يا مستودعي= الأسرار يا من ظلًهم لي مقصد
عاهدتكم في الذر معرفة بكم= ووفيت أيماناً بما أتعهّد
ووعدتموني في المعاد شفاعة= وعلى الصراط غداً يصح الموعد
فتفقدوني في الحساب فإنّني= ثقة بكم لوجوهكم أتقصّد
كم مدحة لي فيكم في طيها= حكم تفوز به الركاب وتنجد
وبنات أفكار تفوق صفات= أبكار يقوم لها القريض ويقعد
ليس النضار لها نظيراً بل هي= الدرّ المفصّل لا الخلاص العسجد
هذا ولو أن العباد بأسرهم= تحكي مناقب مجدكم وتعدّد
لم يدركوا إلا اليسير وأنتم= أعلا علاً ممّا حكوه وأزيد
لكن في أم الكتاب كفاية= عمّا تُنظّمه الورى وتُنضّد
صلّى الإله عليكم ما باكرت= ورق على ورق الغصون تُغرّد