ذهب الصبا وتصرّم العمر
علاء الدين الشفهيني
ذهب الصبا وتصرّم العمر= ودنا الرحيل وقوّض السفر
ووهت قواعد قوّتي وذوى= غصن الشبيبة وانحنى الظهر
وبكت حمايم دوحتي أسفاً= لمّا ذوت عذباتها الخضر
وخلت من الينع الجنيّ فلا= قطف بها يجنى ولا زهر
وتبدّلت لذهاب سندسها= ذهبيّة أوراقها الصفر
وتغيبت شمس الضحى فخلى= للبيض عن أوطاني النفر
وجفونني بعد الوصال فلا= هدي يقرّبني ولا نحر
وهجرن بيتي أن يطفن به= ولهنّ في هجرانه عذر
ذهبت نضارة منظري وبدا= في جنح ليل عذاري الفجر
وإذا الفتى ذهبت شبيبته= فيما يضرّ فربحه خسر
وعليه ما اكتسبت يداه إذا= سكن الضريح وضمّه القبر
وإذا انقضى عمر الفتى فرطاً= في كسب معصية فلا عمر
ما العمر إلا ما به كثرت= حسناته وتضاعف الأجر
ولقد وقفت على منازل من= أهوى وفيض مدامعى غمر
يا قلبه وعداه من فرق= فرق وملؤ قلوبهم ذعر
أمن الصلاب الصلب أم زبر= طبعت وصبّ خلالها قطر
وكأنه فوق الجواد وفي مت= ن الحسام دماؤهم هدر
أسد على فلك وفي يده= المرّيخ قاني اللون محمر
حتى إذا قرب المدى وبه= طاف العدى وتقاصر العمر
أردوه منعفراً تمجّ دماً= منه الظبى والذبل السمر
تطأ الخيول إهابه وعلى ال= خدّ التريب لوطيها أثر
ظامٍ يبلّ أوام غلًته= ريّاً يفيض نجيعه النحر
تأباه إجلالا فتزجرها= فئة يقود عصاتها شمر
فتجول في صدر أحاط على= علم النبوة ذلك الصدر
بأبي القتيل ومن بمصرعه= ضعف الهدى وتضاعف الكفر
بأبي الذي أكفانه نُسجت= من عثيرٍ وحنوطه عفر
ومغسّلاً بدم الوريد فلا= ماء أُعدّ له ولا سدر
بدر هوى من سعده فبكا= لخمود نور ضيائه البدر
هوت النسور عليه عاكفةً= وبكاه عند طلوعه النسر
سلبت يد الطلقاء مغفره= فبكى لسلب المغفر الغفر
وبكت ملائكة السماء له= حزناً ووجه الأرض مغبّر
والشمس ناشرة ذوائبها= وعليه لا يستقبح النشر
برزت له في زيّ ثاكلة= أثيابها دمويّة حمر
وبكت عليه المعصرات دماً= فأديم خد الأرض محمر
لا عذر عندي للسماء وقد= بخلت وليس لباخل عذر
وكريمة المقتول يوجد من دونه= دمه على أثوابها أثر
بأبي كريمات «الحسين» وما= من دونهن لناظر ستر
لا ظل سجف يكتنفن به= عن كل أفّاك ولا خدر
ما بين حاسرة وناشرة= برزت يواري شعرها العشر
يندبن أكرم سيّد ظفرت= لأقلّ أعبده به ظفر
ويقلن جهراً للجواد وقد= أم الخيام : عُقرت يا مهرُ
ما بال سرجك يا جواد من الن= دب الجواد أخي العلا صفر ؟
آهاً لها نار تأجج في= صدري فلا يطفى لها حرّ
أيموت ظمآنا «حسين» وفي= كلتا يديه من الندى بحرُ ؟
وبنوه في ضيق القيود ومن= ثقل الحديد عليهم وقر
حملوا على الأقتاب عارية= شعثاً وليس لكسرهم جبر
تسري بهم خوص الركاب ولل= طلقاء في أعقابها زجر
لا راحم لهم يرقّ ولا= فيما أصابهم له نكر
ويزيد في أعلا القصور له= تشدو القيان وتسكب الخمر
ويقول جهلاً والقضيب به= تدمي شفاة (حسين) والثغر
يا ليت أشياخي الأولى شهدوا= لسراة هاشم فيهم بدر
شهدوا الحسين وشطر أسرته= أسرى ومنهم هالك شطر
إذ لا ستهلوا فيهم فرحاً= كأبي غداة غزاهم بسر
ويقول وزراً إذ بطشت بهم= لا خفّ عنه ذلك الوزر
زعموا بأن سنعود ثانية= وأبيك لا بعث ولا نشر
يا بن الهداة الأكرمين ومن= شرف الفخار بهم ولا فخر
قسماً بمثواك الشريف وما= ضمت منى والركن والحجر
فهم سواء في الجلالة إذ= بهم التمام يحلّ والقصر
تعنو له الألباب تلبية= ويطوف ظاهر حجره الحجر
ما طائر فقد الفراخ فلا= يؤويه بعد فراخه وكرُ
بأشدّ من حزني عليك ولا= الخنساء جدّد حزنها صخر
ولقد وددت بأن أراك وقد= قلّ النصير وفاتك النصر
حتّى أكون لك الفداء كما= كرماً فداك بنفسه الحر
ولئن تفاوت بيننا زمن= عن نصركم وتقادم العصر
فلا بكيّنك ما حييت أسى= حتّى يواري أعظمي القبر
ولا منحنّك كل نادبة= يعنو لنظم قريضها الشعر
أبكار فكري في محاسنها= نظم وفيض مدامعي نثر
ومصاب يومك يابن فاطمة= ميعادنا وسلوّنا الحشر
أو فرحة بظهور قائمكم= فيها لنا الإقبال والبشر
يوماً تردّ الشمس ضاحيةً= في الغرب ليس لعرفها نكر
وتكبّر الأملاك مسمعة= إلا لمن في أذنه وقر
ظهر الإمام العالم العلم= البر التقي الطاهر الطهر
من ركن بيت الله حاجبه= عيسى المسيح وأحمد الخضر
في جحفل لجبٍ يكاد بهم= من كثرة يتضايق القطر
فهم النجوم الزاهرات بدا= في تمّه من بينها البدر
عجّل قدومك يابن فاطمة= قد مسّ شيعة جدك الضر
علماؤهم تحت الخمول فلا= نفع لأنفسهم ولا ضر
يتظاهرون بغير ما اعتقدوا= لا قوة لهم ولا ظهر
استعذبوا مرّ الأذى فحلا= لهم ويحلو فيكم المرّ
فهم الأقل الاكثرون ومن= رب العباد نصيبهم وفر
أعلام دين رسّخ لهم= في نشر كل فضيلة صدر
فكفاهم فخراً إذا افتخروا= ما دام حياً فيهم الفخر
وصلوا نهارهم بليلهم= نظراً ومالو صالهم هجر
وطووا على مضض سرائرهم= صبراً وليس لطيّها نشر
حتّى يفض ختامها وبكم= يطفى بُعيد شرارها الشر
يا غائبين متى بقربكم= من بعدوهنٍ يجبر الكسر
ألفيء مقتسم لغيركم= وأكفّكم من فيئكم صفر
والمال حلّ للعصاة ويحر= مه الكرام السادة الغرّ
فنصيبم منه الأعمّ على= عصيانهم ونصيبكم نزر
يمسون في أمنٍ وليس لهم= من طارق يغتالهم حذر
ويكاد من خوف ومن جزع= بكم يضيق البر والبحر
وإذا ذكرتم في محافلهم= فوجوههم مربدّة صفر
يتميزون لذكركم حنقاً= وعيونهم مزورّة خزر
وعلى المنابر في بيوتكم= لاولي الضلالتة العمى ذكر
حالٌ يسوء ذوي النهي وبه= يستبشر المتجاهل الغمر
ويصفقون على أكفّهم= فرحاً إذا ما أقبل العشر
جعلوه من أهنى مواسمهم= لا مرحباً بك أيها الشهر
تلك الأنامل من دمائكم= يوم الطفوف خضيبة حمر
فتوارث الهمج الخضاب فمن= كفر تولّد ذلك الكفر
نبكي فيضحكهم مصابكم= وسرورهم بمصابكم نكر
تالله ما سرّوا النبي ولا= لوصيّه بسرورهم سرّوا
فإلى مَ هذا الانتظار وفي= لهواتنا من صبرنا صبر
لكنّه لا بدّ من فرج= والأمر يحدث بعده الأمر
أبني المفاخر والذين علا= لهم على هام السها قدر
أسماؤكم في الذكر معلنة= يجلو محاسنها لنا الذكر
شهدت بها الأعراف معرفة= يجلو محاسنها لنا الذكر
شهدت بها الأعراف معرفة= والنحل والأنفال والحجر
وبراءة شهدت بفضلكم= والنور والفرقان والحشر
وتعظم التوراة قدركم= فإذا انتهى سفر حكى سفر
ولكم مناقب قد أحاط بها ال= انجيل حار لوصفها الفكر
ولكم علوم الغايبات فمن= ها الجامع المخزون والجفر
هذا ولو شجر البسيطة أقلا= م وسبعة أبحر حبر
وفسيح هذي الأرض مجملة= طرس فمنها السهل والوعر
والإنس والأملاك كاتبة= والجن حتّى ينقضي العمر
ليعدّدوا ما فيه خصّكم= ذو العرش حتّى ينفذ الدهر
لم يذكروا عشر العشير وهل= يحصى الحصا أو يحصر الدرّ
فأنا المقصّر في مديحكم= حصراً فما لمقصّر عذر
ولقد بلوت من الزمان ولي= في كل تجربة بهم خبر
فوجدت ربّ الفقر محتقراً= وأخو الغنى يزهو به الكبر
فقطعت عمّا خوّلوا أملي= ولذي الجلال الحمد والشكر
وثنيت نحوكم الركاب فلا= زيد نؤمله ولا عمرو
حتّى إذا أمت جنابكم= ومن القريض حمولها دُرّ
آيت من الحسنات مثقلةً= فأنا الغني بكم ولا فقر
سمعاً بني الزهراء سائغةً= ألفاظها من رقّة سحر
عبقت مناقبكم بها فذكى= في كل ناحية لها عطر
يرجو «عليّ» بها النجاة أذا= مدّ الصراط وأعوز العبر
أعددتها يوم القيامة لي= ذخراً ونعم لديكم الذخر
فتقبلوها من وليّكم= بكراً فنعم الغادة البكر
فقبولكم نعم القرين لها= وهي العروس فبورك الصهر
لكم عليّ كمال زينتها= وليّ الجنان عليكم مهر
أنا عبدكم والمستجير بكم= وعليّ من مرح الصبا أصر
فتعطّفوا كرماً عليّ وقد= يتفضّل المتعطف البر
وتفقدوني في الحساب كما= فقد العبيد المالك الحر
صلّى الإله عليكم أبدا= ما جنّ ليل أو بدا فجر
وعليكم مني التحية ما= سحّ الحيا وتبسّم الزهر