هلّ المحرم
السيد معتوق الموسوي
هلّ المحرم فاستهلّ مكبّرا= وانثر به درر الدموع على الثرى
وانظر بغرّته الهلال إذا انجلى= مسترجعاً متفجّعاً متفكّرا
واقطف ثمار الحزن من عرجونه= وانحر بخنجره بمقلتك الكرى
وانس العقيق وأُنس جيرانِ النتا= واذكر لنا خبر الطفوف وماجرى
واخلع شعار الصبر منك وزر من= خلع السقام عليك ثوباً أصفرا
فثياب ذي الأشجان أليقها به= ما كان من حمر الثياب مزرّرا
شهرٌ بحكم الدهر فيه تحكّمت= شرّ الكلاب السودفي أسد الشرى
لله أي مصيبةٍ نزلت به= بكت السماء لها نجيعاً أحمرا
خطب وهي الإسلام عند وقوعه= لبست عليه حدادها أم القرى
أو ما ترى الحرم الشريف تكاد من= زفراته الجمرات أن تتسعّرا
وأبا قبيس في حشاد تصاعدت= قبسات وجد حرّها يصلي حرا
علم الحطيم به فحطّه الأسى= ودرى الصفا بمصابه فتكدّرا
واستشعرت منه المشاعر ........= وعفا مُحسّرها بهجوى وتحمّرا
قتل الحسين فيالها من نكبةٍ= أضحى لها الاسلام منهدم الذُرا
قتلٌ يدلك إنما سرّ الفدا= في ذلك الذبح العظيم تأخّرا
رؤيا خليل الله فيه تنيرت= حقّاً وتأويل الكتاب تفسّرا
رزء تدارك منه نفس محمّدٍ= كدراً وأبكى قبره والمنبرا
أهدى السرور لقلب هندٍ وابنها= وأساءَ فاطمةً وأشجى حيدرا
ويل لقاتله أيدري أنّه= عادى النبي وصنوه أم ما درى
شلّت يداه لقد تقمّص خزيةً= يأتي بها يوم الحساب مؤَزرا
حزني عليه دائم لا ينقضي= وتصبّري مني عليّ تعذرا
وارحمتاه لصارخاتٍ حوله= تبكي له ولوجهها لن تسترا
ما زال بالرمح الطويل مدافعاً= عنها ويكفلها بأبيض أبترا
ويصونها صون الكريم لعرضه= حتى له الأجل المتاح تقدرا
لهفي على ذاك الذبيح من القفا= ظلماً وظلّ ثلاثةً لن يقبرا
ملقى على وجه التراب تظنه= داود في المحراب حين تسوّرا
لهفي على العاري السليب ثيابه= فكأنّه ذو النون ينبذ بالعرا
لهفي على الهاوي الصريع كأنه= قمر هوى من أوجهِ فتكوّرا
لهفي على تلك البنان تقطّعت= ولو أنها اتصلت لكانت أبحرا
لهفي على العباس وهو مجندل= عرضت منيته له فتعثرا
لحق الغبار جبينه ولطالما= في شأوه لحق الكرام وغبّرا
سلبته أبناء اللئام قميصه= وكسته ثوباً بالنجيع معصفرا
فكأنما أثر الدماء بوجهه= شفق على وجه الصباح قد أنبرا
حرٌ بنصر أخيه قام مجاهداً= فهوى الممات على الحياة وآثرا
حفظ الإخاء وعهد فوفى له= حتى قضى تحت السيوف معفرا
من لي بأن أفدي الحسين بمهجتي= وأرى بأرض الطف ذاك المحضرا
فلو استطعت قذفت حبة مقلتي= وجعلت مدفنه الشريف المحجرا
روحي فدى الرأس المفارق جسمه= ينشي التلاوة ليله مستغفرا
ريحانة ذهبت نضارة عودها= فكأنها بالثرب تسقي العنبرا
ومضرّجٍ بدمائه فكأنما= بجيوبه فتّت مسكاً أذفرا
عضبٌ يد الحدثان فلّت غربه= ولطالما فلق الرؤوس وكسّرا
ومثقّفٍ حطم الحمام كعوبه= فبكى عليه كل لدن أسمرا
عجباً له يشكو الظماء وإنّهُ= لو لامس الصخر الأصم تفجّرا
يلج الغبارَ به جوادٌ سابحٌ= فيخوض نقع الصافنات الأكدرا
طلب الوصول إلى الورود فعاقه= ضرب يشب على النواصي مجمرا
ويل لمن قتلوه ظمأناً أما= علموا بأنّ أباه يسقي الكوثرا
لم يقتلوه على اليقين وإنما= عرضت لهم شبه اليهود تصورا
لعن الإله بني أمية مثلما= داود قد لعن اليهود وكفّرا
وسقاهم جرع الحميم كما سقوا= جرع الحمام ابن النبي الاطهرا
يا ليت قومي يولدون بعصره= أو يسمعون دعاءَه مستنصرا
ولو أنهم سمعوا إذاً لأجابه= منهم أسود شرّى مؤيدة القرى
من كل شهمٍ مهدوي دأبه= ضرب الطلا بالسيف أو بذل القرى
من كل أنملةٍ تجود بعارضٍ= وبكل جارحةٍ يريك غضنفرا
قوم يرون دم القرون مدامة= ورياض شر بهم الحديد الأخضرا
يا سادتي يا آل طه إنّ لي= دمعاً إذا يجري حديثكم جرى
بي منكم كاسمي شهاب كلما= أطفيته بالدمع في قلبي ورى
شرفتموني في زكيّ نجاركم= فدعيتُ فيكم سيداً بين الورى
أهوى مدائحكم فأنظم بعضها= فأرى أجل المدح فيكم أصغرا
ينحط مدحي عن حقيقة مدحكم= ولو انني فيكم نظمت الجوهرا
هيهات يستوفي القريض ثناءكم= لو كان في عدد النجوم واكثرا
يا صفوة الرحمن أبرأ من فتى= في حقكم جحد النصوص وأنكرا
وأعوذ فيكم من ذنوب أثقلت= ظهري عسى بولائكم أن تغفرا
فبكم نجاتي في الحياة من الأذى= ومن الجحيم إذا وردتُ المحشرا
فعليكم صلّى المهيمن كلما= كرّ الصباح على الدجى وتكوّرا