في مدح صحن الاماميين الكاظميين (ع)
السيّد حيدر الحلي
حُزتَ بالكاظمينَ شأناّ كبيرا = فابقَ يا صحنُ آهلاً معمورا
فوق هذا البهاءِ تُكسي بهاءً = ولهذي الانوارِ تزدادُ نورا
إنّما أنت جنَّةٌ ضرب اللهُ = عليها كجنَّةِ الخلدِ سورا
إن تكن فُجّرت بهاتيك عينٌ = وبها يشربُ العبادُ نميرا
فلكم فيك من عُيونٍ ولكن = فُجّرت من حواسدٍ تفجيرا
فأخَرت أرضُك السماء وقالت: = إن يكن مفخرٌ فمني استُعيرا
أتباهينَ بالضُراحِ وعندي = من غدا فيهما الضراحُ فخورا
بمصابيحي استضيء فمن شمسي = يبدو فيكِ الصباحُ سَفورا
ولبيتي المعمور ربّاً معالٍ = شرَّفا بيت ربّك المعمورا
لكِ فخرُ المحارةِ انفلقت عن = دُرّتين استقلَّتا الشمس نورا
وهما قُبّتان ليست لكلٍّ = منهما قبّةُ السماء نظيرا
صاغ كلتيهما بقدرتهِ الصا = ئغُ من نورِه وقال: أنيرا
حولَ كلِ منارتن من التبرِ = يجلّي سناهما الديجورا
كبُرت كلَّ قُبّةٍ بهما شأناً = فأبدت عليهما التكبيرا
فغدت ذاتَ منظرٍ لك تحكي = فيه عذرأَ تستخفُّ الوقورا
كعروسٍ بَدت بقرطي نُظارٍ = فملت قلبَ مجتليها سرورا
بُركت من منائرٍ قد أقيمت = عُمداً تحملُ العظيم الخطيرا
رفعت قبّةَ الوجودِ ولولا = مُمسكاها لاذنت أن تمورا
يالك اللّه ما أجلَّك صَحناً = وكفى بالجلال فيك خفيرا
حَرمٌ آمنٌ به أودَع اللّه = تعالى حجابه المستورا
طبت إمّا ثراك مسكٌوامّا = عَبَقُ المسكِ من شذاه استعيرا
بل أراها كافورةً حملتها = الريحُ خُلديَّةَ فطابت مسيرا
كلّما مرَّت الصبا عرَّفتنا = أنها جَددت عليك المرورا
أينَ منها عِطرُ الامامةِ لولا = أنَّها قبَّلت ثراك العطيرا
كيف تحبيري الثناء فقل لي = أنت ماذا، لاُحسن التحبيرا
صحنُ دارِ ام دارةٌ نيّراها = بهما الكونً قد غدا مستنيرا
إن أقل: أرضًك الاثير ثراها = ما أراني مدحتُ إلاّ الاثيرا
أنت طور النورِ الذي مذ تجلّى = لابن عمران دكَّ ذاك الطورا
أنت بيتٌ برفعه أذنِ اللّه = لفرهاد فاستهلَّ سرورا
وغدا رافعاً قواعد بيتٍ = طهَّر اللّه أهله تطهيرا
خيرُ صرح على يدي خيرِ مَلكٍ = قدَّر اللّه صنعه تقديرا
تلك ذاتُ العمادِ لو طاوَلته = خرَّ منها ذاك العمادُ كسيرا
أو رأى هذه المباني كسرى = لرأى ما ابتناه قدماً حقيرا
ولنادى مُهنيّاً كلَّ من جاءَ = من الفرسِ أوَّلاً وأخيرا
قائلا: حسبكم بفرهاد فخراً = لاتعدُّوا بهرام أو سابورا
قد أقرَّ العيون منك بصنعٍ = عاد طرفُ الاسلامِ فيه قريرا
وبهذا البنا لكم شادَ مجداً = لم يزل فيه ذكرُكم منشورا
وبعصرٍ سلطانُه ناصر الدين = فأخلق بأن يباهي العُصورا
قد حمى حوزةَ الهدى فيه ربُّ = قال: كن أنت سيفه المنصورا
مَلِك عن أبِ وعن حدَّ سيفٍ = ورث الملكَ تاجهُ والسريرا
تحسن الشمس أن تشبَّه فيه = لو أنارت عشيَّةً أو بكورا
يا مُقيل العِثار تُهنيك بُشرى = تركت جدَّ حاسديك عَثورا
من رأى قبل ذا كعمّك عماً = ليس تُغني الملوك عنه نقيرا
وسعت راحتاه أيامَ عصرِ = لم يلدن الانسان الاّ قتورا
بَثَّ اكرومةَ تُريك المعالي = ضاحكات الوجوهِ تجلو الثغورا
ذخر الفوز في مبانٍ أرتنا = أنَّه كان كنزَها المذخُورا
ونظرنا في بذلهِ فهتفنا: = هكذا تّبذل الملوكَ الخطيرا
قد كسى هذهِ المقاصرَ وشياً = فسيُكسى وشياً ويحيى قصورا
صاح والطورِ وهوذا وكتاب = فوق جُدرانِه بدا مسطُورا
إنّما الرقُّ مُهرِقٌ خطَّ وصفي = ذا البنا فيهِ فاغتدى منشورا
لك في دفّتيه سحرٌ، ولكن = خطَّه مذ بَرى البليغَ زبورا
فاروِ عني سّحارّةَ الحسن واحذر = لافتتانٍ بسحرها أن تطيرا
وتحدّث بفضل فرهاد وانظر = كيف منه نشرتَ روضاً نضيرا
مستشارٌ في كلّ أمرٍ ولكن = لسوى السيف لِم يكن مُستشيرا
في حجور الحروب شبَّ وكانت = أظُهُرً الصافناتِ تلك الحجورا
قد حبا في الملا فكان غماماً = واحتبى في العلى فكان ثَبيرا
مُلات بُردتاهُ علماً وحلماً = وحجى راسخاً وُجوداً غزيرا
لا تقس جودَ كفّه بالغوادي = وندى كفّه يمدُّ البحورا
بل من البحرِ تستمدُ الغوادي = كم عليه تطفَّلت كي تميرا
قَلَّ في عصرنا الكرامُ وفي فر = هادَ ذاك القليلُ صّار كثيرا
كم رقابٍ أرقَّها روقابٍ = حَّررتها هباتُه تحريرا
ان رأينا نهر المجرَّةِ قدماً = عَبرته الشعِرى وكان صغيرا
فهي اليوم دونّهُ وقفت من = دونِ بحرٍ فلا تُسمَّى العَبورا
فَرش النّيرين كفّ الثريّا = في سماطي نادي عُلاه وثيرا
وعليه اتكا بأعلى رواقٍ = تخِذَ المكرماتِ فيه سميرا
وغدا باسطاً به كفَّ جودٍ = نَشرت ميّت الندى المقبورا
ودعا يارجاءُ هاك بناني = فاحتلبها لبونَ جُودِ دَرورا
وتشطَّر ضروعها حافلاتٍ = لا ثلوتاً ولا نزوراً شطورا
واترِك غيرها فتلك زَبون = تدع التعبَ في يديك كسيرا
وعلى العصب لاتدرَّ فأولى = لو جعلت العصاب عضباً طريراً
سعدُ قرّط مسامعَ الدهر انشادَ = ك تُسمِع من شئت حتّى الصخورا
وعلى بلدة الجوادين عرّج = بالقوافي مهنياً وبشيرا
قل لها لابرحتِ فردوس أنسىٍ = فيك تلقى الناسُ الهنا والحبورا
مانزلنا حماك الاّ وجدنا = بلداً طيباً ورباً غفورا
وإماميين يُنقذان من النار = لمن فيهما غدا مُستجيرا
وعليماً غدا اباً لبني العلم = وأكرِم به أبيَّا غيورا
وأغر أذيالُ تقواهُ للنا = س نفضن الدينا وكانت غرورا
كم بسطنا الخطوب أيدٍ أرتنا = أخذل الناس من أعدَّ نصيرا
وطواها محمدُ الحسنُ الفعل = فلا زالَ فضلهُ مشهورا
فهو في الحقِّ شيخُ طائفةِ الحقّ = ومن قال غير ذا قال: زُورا
طبتِ أهلاً وتربةً وهواء = كم نشقنا بجوّه كافورا
قد حماكِ المهدىُّ عن أن تضامي = وكفاكِ المخشىٍَّّ والمحذورا
ومن الامنِ مد فوقك ظلاًّ = ومن الفخرِ قد كساكِ حَبيرا
من يسامي عُلاهُ شيخاً كبيراً = وله دانت القُرومُ صغيرا
لم نجد ثانياً له كان بالفخرِ = خليقاً وبالثناء جديرا
غير عبد الهادي أخيه أخي ال = سيفِ مقالاً فصلاً وعزماً مبيرا
وأخي الشمس طلعت تُبهِت الشم = سَ اذا وجههُ استهلَّ منيرا
وأخي الغيثِ راحةً يخجل = الغيثَ ولو ساجلته نؤًزيرا
قمرا سُؤددٍ وفرعا معالٍ = أثمرا أنجماً زهَت وبدورا
حفظا فيكَ حوزة الدين إذ كم = عنكَ ردّا باعَ الزمان قصيرا
واستطالا بهمّةٍ ياسرانِ ال = خطب فيها ويطلقانِ الاسيرا
فبها شيّد معاً طورَ مُوسى = من رأى همةً تُشيد الطورا
ومقاصير لو تكلَّفها الدهرُ = لاعين عذراً وأبدى القصورا
محكماتِ البناءِ تنهدمُ الدنيا = وَيبقى بناؤهن دُهورا
باشرا ذلك البناءَ بخُبر = لم يريدا الاّ اللطيفَ الخبيرا
فيه كانا أعفَّ في اللّه كفَّا = وورأَ الغيوبِ أنقى ضميرا
أجهداها في خدمة الدينِ نفساً = شكرَ اللّه سعيها المشكورا
أتعباها لتستريحَ بيومٍ = فيه تلقى جزءاها موفورا
يَعدلُ الحجَّ ذلك العملُ الصالحُ = إذ كان مثلُه مبرورا
وعدَ اللهُ أن يُعِدَّ لكلٍّ = منهما فيه جنَّةً وحريرا
ايها الصحنُ لم تزل للمُصلّى = ومن الذنبِ مسجداً وطهورا
دُمتَ ما أرست الجبالُ وباني = كِ ليومِ يُدعى بها أن تسيرا
واستطبها مِعطارةَ النظمِ منها = تَحسبُ اللفظ لؤلؤاً منثورا
خُتِمت كافتتاحها فيك لاتعلمْ = اياً شذاهُ أذكى عَبيرا