وترنيمة من تليد العصور = صبّت تراتيل في مزهري
يرجّعها الشوق لحن الخلود = عذبا كفجر من الكوثرِ
تلوح على الروح من عالم = رفيع تضيء بها أسطري
كأن بها من زهور الجنان = مسكا من العنبر الأذفرِ
فتنساب في الثغر شدو الهديل = جنّح في لجة الخاطرِ
ترفرف طيفا بهيّ النضار = في عالمي المظلم المقفرِ
وتشرق في عتمات الجنان = أسنى من الكوكب المقمرِ
سقتني بها مرضعات الولاء = تيما ببيت الهدى الأطهرِ
فطفت خمائل آل الرسول = أقطف من مرجها المثمرِ
ويوم على الكون طاف = البشير ينبىء بالفرقد المزهرِ
من الخلد يسطع نور البتول = شعشع كاللؤلؤ الأنضرِ
ووجه السماء وسفر الخلود = يرفل في روعة المظهرِ
نظرت إليها وطرفي كليل = أنهل من حسنها العبقري
فتهت بها غير أن الفؤاد = دلّ الحبيب على المعبرِ
ونور الولاية بين الضلوع = درب إلى المدنف المسكرِ
فقلت أيا جنة العاشقين = مهوى القلوب مدى الأدهرِ
ويا فلك التائهين السراة = للقبس المشرق الأنورِ
قصدت سحائبك الممطرات = سقيا إلى بلقع مصحرِ
رأيتك يا خير أم شهيد = فردوس فاتنة المنظرِ
وهذا غديرك ثرّ الكنوز = يزخر بالدر والجوهرِ
فقلت لعلي بطهر الولا = وحبي الشفيعة في المحشرِ
وكونك نهرا من المكرمات = فاض على القانع المعترِ
أشم بوصلك عطر الخلود = نفحا يضوع على الأعصرِ
فيا نسمة من نبي الهدى = ويكفيك ذا شرف المفخرِ
وزوج الوصي علي الذي = به انبلج النصر في خيبرِ
تنفست منك أريج الإبى = وعود الرسالة لم يخضرِ
وحين استدارت حشود الضلال = حربا على الأمل المسفرِ
وجاشت لتخمد نور الرشاد = غيّا ببارقة المشفرِ
فدفئا حملت وجرحا ضمدت = عطفا على المرسل النيّرِ
وعزم النبوة من راحتيك = أقوى من الجبل الأزبرِ
وحيث استبدت دياجي النفاق = بالحق في يومه الأعسرِ
رفعتِ حسام الكفاح الذي = بدون بيانك لم يشهرِ
وقارعت جور الضلال = المريب بالفكر والمسلك النيرِ
ولم تخضعي لوعيد السياط = من أرعن أجلف أبترِ
فأشعلت من ومضات الجراح = برقا من الغضب المنذرِ
وحاربت ما أبدع المترفون = من شرعة المخلب الأنمرِ
وما شيد الساسة الجائرون = العسف والظلم والمنكرِ
ومن رغد العيش بين السفوح = فوق جماجم شعب غرِ
كأن السياسة خيل جموح = تعدو إلى منجم أصفرِ
وضرع الشعوب رهان الكبار = إن طوحوا الراح في مقمرِ
وما الشعب إلا ذلول = يقاد للسلخ والذبح بالخنجرِ
وقد أشبعوه رغيف المنون = ذلا إلى كل مستعمرِ
وحبل السقيفة نهج الطغاة = إرث إلى كل مستكبرِ
فهبت رياحك يا مقتدى = الثائرين تنزع تاجا على قيصرِ
وأفرع دوحك دوح الإبى = ليوث الفداء بني شبرِ
و لا غرو أن تلد الشبل بنت = الأسود ليثا وفي نخوة القسورِ
فكم ثائر قد تأبّى الخنوع = ضيما ولولاك لم يزأرِ
فمنك تغذى شهيد الطفوف = عزا فلم يشرب الذل من أقذرِ
وما الدهر إلا نشيد النضال = يعزف من جرحك الأحمرِ
ليصنع من ألق الثائرين = شمسا تجول على الأفق الأكبرِ
ويا ابنة طه وفيك المديح = يحلو على شفة المزبرِ
كأني على مسبح من خميلَ = أستاف من عبق الكوثرِ
إذا طفت في واحة لم أفق = سوى فوق سحر من المرمرِ
وحسبي بأني جواد صهولُ = يرنو إلى شرف المحورِ
وظني بأني شممت العبير = من مرجك الأروع الأزهرِ