حوار بين الإبن و والده في فضائل و مدح أمير المؤمنين عليه السلام جعفر علي يعقوب
للاستاذ جعفر علي يعقوب
حوار بين الإبن و والده في فضائل و مدح أمير المؤمنين عليه السلام
سألته وفؤاد القلب مضطربِ = عما يجول لبابي طيلة الحقبِ
وصرت أبحث تواقا لمعرفة = لتطفئ الظمأ الصادي من السغبِ
أبي فديتك قلبي جد منشغل = وخاطري مثل موج البحر في عببِ
في الفكر عنّ سؤال ظل ينسج في = عقلي ضبابا من الأفكار كالسحبِ
فقال سل قرة العينين يا ولدي = إني أجيبك عما ليس في الكتبِ
سلني فقلبي وعاء ليس تعجزه = خيوط وهم من الأرجاف والريبِ
قلبي هو البحر والأصداف زاخرة = وفي فمي تلمع الأفكار كالذهبِ
عندي كنوز من الأسرار قد طويت = تضيء في كل قلب طاهر النسبِ
وسوف تجلو عيون الشمس أسدية = من الضباب وتبدو هالة الشهبِ
سألته يا أبي لم كان حيدرة = على الفؤاد مليك العرش والقببِ
أحبه يا أبي حبا وأعشقه = ودونه الموت أحلى منية الأربِ
ويا أبي ما الذي يدعوك من صغري = لزرع حب علي الطهر في جنبي
لم كنت تنقش إسم الله في خلدي = وفي فؤادي علي خيرة العربِ
لم كنت تذكره عند القيام وفي = حين القعود ونآي القلب في طربِ
كأنه بلسم يحلو لذائقه = ونغمة من عزيف البلبل الطربِ
لم كنت تسرد أحداثا مسلية = عن حيدر وأنا في غمرة اللعبِ
وكنت تسمعني مجد البطولة من = صليل سيف علي في لظى الحربِ
محدثا عن بطولات مخلدة = بأحرف النور في الأسفار والكتبِ
وعن ملاحمه والموت مفتغر = فاه المنية يطوي ضيغم اللجبِ
وعن سجايا وأيم الله ما طبعت = إلا فعال نبي العجم والعربِ
وإن سمعت بفوج سار مرتحلا = إلى العراق من العشاق في لغبِ
طربت شوقا إلى مغناه في وله = كأنه جنة الفردوس و الخصبِ
وقد عراك حنين ملؤه شجن = والدمع مغرورق كاللؤلؤ الرطبِ
وإن جرى ذكره في محضر خشعت = منك الضلوع كما لو كان عن كثبِ
صليت ألفا عليه حينما نطقت = علي من حبك الفياض للقبِ
قدست ذكر علي واسمه علنا = وما خشيت من العذال والعتبِ
فكان أول أنفاس نطقت بها = حروف أسم علي من جناك أبي
وكان أكثر ما رددت من لقب = حتى غدت بلساني غنوة لصبي
وصيتي أي بني إن كنت مبتغيا = درب الفلاح وترجو الخير في العقبِ
فالزم فؤادك عشق الطهر حيدرة = وحبه فاغرسن في هيثم النجبِ
فقال لا فض فوك اليوم يا ولدي = وأنت تنثر در القول والخطبِ
قرت عيوني بما أبدعت من حلل = وما غدا في مهب الريح من تعبِ
بلى علي كما أرصفت من درر = بل جوهر جل أن يدعى إلى نسبِ
حار اليراع به وصفا وقد عجزت = عن كنهِ ذروة الاقلام من عجبِ
فإن أهيم به عشقا فلا عجب = القلب يعشق سحر البان ذي الخضبِ
وما عشقت سوى نور يراه لنا = من عالم الذر رب الرمل والحصبِ
لذا غرست هواه فيك معتقدا = بأنه النور يجلو ظلمة الحجبِ
وأنه منبع للطهر من دنس = وأنه الصفو في الأصلاب والحسبِ
وإنه العروة الوثقى لمعتصم = وانه الحبل ينجي من لظى اللهبِ
وإنه شرف المولى وطاعته = سفينة وهو باب الله في القربِ
وإنه دفعة الإيمان إن لمست = ضفاف قلبك يغد كعبة الوصبِ
وإنه نفحات العرش لو سكنت = على فؤادك ترقى في ذرا الرتبِ
وإنه قطرات الطيب نافحة = من دونها القلب رسم القبر والخربِ
من دونه ستظل الروح قاحلة = ولن تذوق معين الحب كالجدبِ
من دون حب علي لن تري مطرا = من رحمة الله يروي القلب في الكربِ
ولن ترى قمرا تزهو أشعته = لأنه القمر البراق في الرحبِ
ولن تصيخ إلى إيقاع عازفة = لأنه نغمة في روح كل أبي
وكنت أذكره من غيرما سأم = في كل آن على يسر وفي النوبِ
علّي بحب علي أغتدي ثملا = وأرشف الطيب في قلبي من الصببِ
أو ربما أنكشفت أسرار عالمه = لعاشق تاه في أبراجه الرحبِ
أو ربما سطعت أنوار حكمته = فأهتدى دربه في غيهب الشعبِ
أو ربما سمعت أذناك حيدرة = فيرتوي قلبك الريان كالعشبِ
أو ربما غرست نبت المودة في = جنان قلبك نبت العود في التربِ
حتى غدا ذكره شهدا وليس له = على فمي مثل أشهى من الرطبِ
فصرت أروي وأحكي عنه سيرته = إليك حتى أضيء الشمع في الدربِ
حدثت قلبك أشذاء معطرة = من سيرة عبقت شدوا من الطيبِ
ملاحما ينحني التاريخ إن ذكرت = وموكب المجد إجلالا على الركبِ
حدثت فكرك عنها يا بني ولم = أخش سيوف عطاش الدم من نخبي
حدثت عنها وعين الجبت ترصدني = كأنني مارق عن دين كل نبي
وكم تمنيت قربانا إلى سفري = أن لو صرعت وحبي غاية السببِ
أو مت في شاهق الأعواد إن دمي = يغدو إليك شعاع النجم في الطلبِ
ويحي بني إذا ما السمع شنفني = بذكر حيدرة أضحيت في أدبِ
كأنه حاضر والشمس غرته = تزهو وترسل نور الله كالسربِ
عار علي إذا في محضر ذكروا = اسم الوصي ولم أخشع مع الصحبِ
ما جلل الحب قلبا ظل ملتهيا = وذكر حيدر يتلى كالصدى الصخبِ
إني لأدركه روحا تحركني = وخافقا في كياني كالندي الرطبِ
وإن طربت بشوق الحب في وله = إلى الغري وفيض العين في صببِ
فذا لأن عليا قبة سمقت = وروضة شرفت للعاشق النجبِ
ومعلم يغرف الأحرار منهجه = ودوحة تفعم الأبرار بالأدبِ
هناك تأسو الجراح الحمر من تعب = على الضريح وتشفى زفرة العطبِ
هناك تغفو عيون الحر من سفر = على بساط من الأشواك واللهبِ
هناك بلسم ما في الروح من ألم = برى القلوب كبري الرمح والقضبِ
هناك يغلي دم المحراب متقدا = يعبد الدرب للأحرار في غضبِ
يشير هذا الطريق العز منبلج = لمن يريد حياة النصر والغلبِ
إن حقوق إذا ما عنوة سلبت = فلن ترد بغير الدم والسلبِ