قمري أنت - في مدح أمير المؤمنين (ع)
ديوان الحزن المعشوق - غازي الحداد البحراني
قمريٌ أنتَ أم أنتَ القمر = قُم تكلم فبِك أحتارَ النظر
هكذا فِيكَ جمالٌ هكذا = تُوصِلُ القلبَ إلى حد الخطر
خَفَقَانٌ واضَطَرابٌ حَمِلُوا = حُسَنَ مَمَدُوحي إذا مِتُ الوُزر
في الليالي البِيضِ قَد قَابلتهُ = وَعُيوني سألَت أينَّ القمر
هاجمَ الليلَ بوجهٍ مُشرقٍ = وعلى الليلِ سنا الوجهِ أنتصر
يا حنانٌ سمِحٌ في خُلقهِ = قُلي ما أنَتَ وهل أنَتَ بشر
تَنزعُ الأرَوَاحَ مِن أجسادها = دونَ أن تَتَرُكَ عيناك أثر
طرفُكَ السَّامجُ في بهمتِهِ = يَسرُقُ الرَوحَ فمن يدري الخبر
أنا والحُبُ كوَرَدٍ والندى = كُلُ صُبحٍ رَشحُهُ فيها أستقر
أنا والعُشقُ كعينٍ في المدى = سَافرت بين سرابٍ وَمَدَر
أنا وَالوَدُ كَقَطرٍ يَرَتَجِي = نَبَتَتَ الزيتُونَ مِن فَوقِ الحَجر
أو نَخيلٍ سامقٍ يشكُو الظمَى = أو كغصنٍ دابلٍ فيه ثمر
أو كشمسٍ حُرمِت أَشَراقَهَا = أو كنجمٍ تائهٍ وقتَ السَّحر
من تُرى يعلمُ إني والهٌ = فيداوينَي إذا الليلُ خَدَر
من تُرى يعلمُ إني عاشقٌ = كُلما يُسألُ وصلاً يُنتَهر
من تُرى يعلمُ أني مُتَعَبٌ = أنَهكَ الليلَ معي طُولَ السهر
ضحكاتي بسماتي موقفي = كُلَ قولٍ من فمي يُخفي الأثر
تَعشقُ البحرَ دمُوُعِي إذ لهَا = بينَ موج المِلحِ فيه مُستتَر
يَعشقُ العقلَ جُنُوني إذ لهُ = سبلٌ لَلِخلِ تَهدَى لوَ غَدر
ليسَ لي في العَيشِ قَصدٌ ومُنى = غيرَ من أهَوى فموتي لو هَجر
ولقد طُفتُ على حَضَرتِهِ = صامتاٌ أُرسَلُ قولي بالنظر
با أميرٌ حُبُه في خاطري = حالهُ جَمراً وَجَمراً بل سقر
يا عليُ الذاتِ يا أولهَا = أعظمياتٍ وأعَلاَهَا أخُر
خُذُ حُرُوفي مُسكباتٍ مِن دَمي = ثُم صَيّرهَا لِنَعَلَيكَ مَدَر
خُذ بياني واقداً من لهفتي = ثم صيرهُ مديحاً للحجر
حجرٌ مَس ضَرِيَح المُرتضى = أُهدهِ عُمري وشعري والفكر
غَابطُ غازي نِعالاً دَقُهَا = في ثرى صَحَنِكَ بالفَجرِ نقر
كيف لا والملأُ الأعلى بهِ = زاحمت بالسعي أخيارَ البشر
كُلما تُشرف أمَلاكُ السما = خَدماً أرسَلَها رَبُ القَّدر
لعليٍ وعليٌ سِرهُ = فَوقَ سَاقِ العَرشِ باللوحِ سَطر
وَلهُ في كُلِ نجمٍ سابحٍ = آيةُ كُبرى وَبَالنورِ صِوّر
وإلى كُلِ بَليغٍ مُصقَعٍ = عن بليغِ القولِ مِنهُ مُنحَدر
بطلٌ ألوى على الموتِ يداً = لو يزيغُ الموتُ مِنهَا لنعَصر
كُلّمَا يَطَعنهُ الدّهرُ قَناً = سُنها في سابغِ الصَّبرِ إنكسر
قُل كفى هذا أميرٌ عندهُ = ينحني رأسُ عَتيقٌ وَعُمَر
وهُمَا من خيرةِ اللهِ وَمَا = وَجَدا فوقَ عليٍ مُفتخَر
كَذَبٌ هذا وموسى المصطفى = وعليٌ هو هارُونُ الخَبر
كَذَبٌ هذا ولولا حَيدرٌ = جَيشُ طهَ يومَ بَدرٍ ما أنتصر
كَذَبٌ هذا ولولا حَيدرٌ = لَعلا دِينُ ابَنَ وَدٍ وَانتَشر
كَذَبٌ هذا ولولا حَيدرٌ = ما لبنتِ المُصطفى كفؤٌ نظر
كَذَبٌ هذا ولولا حَيدرٌ = يأسَ الأشَهادُ مِن دَفعِ سَقر
كَذَبٌ هذا ولولا حَيدرٌ = ما دَنى المِيعَادُ وانَشقَ القمر
كَذَبٌ هذا ولولاهُ فَما = خَلقَ اللهُ على الأرضِ بشَر
يا أميرٌ لو دَعَى نَجم السمَّا = وهو في سابِعِ أُفقٍ لحَضر
وَلَو اسَتوقفَ من أملاكِها = زُمراً أوقَفها اللهُ زُمَر
لا تَظِنوا كَفَرَ العَبدُ إذَا = قلتُ هذا فأنا صَعبُ الفِكر
فَلَكُ الجبارِ لو قال لهُ = حيدرٌ قِفَ عن مَسارٍ مَا أعتذر
ولو إسَتكشَفَ خافي عِلمهُ = سيدُ الأملاكِ جِبريلَ إنبَهر
ولو إسَتَوعَبَ ما يعلمهُ = صَدَرُ إسرافيلَ ذي الصُورِ إنفجر
مَا على حَيدرَ إلا أحمدٌ = وعلى أحمدَ رَبٌ لِلقَدر
قَد سمَا الفضلُ فَجَازَ المُرتَضى = واستوى عِندَ النبي فَاستَقر
هَوَ من أدبهُ من عَلمهُ = والذي عَلمَ أسمى وأغر
إذ هُما إثنانِ عن ثالِثَهم = عَجِزت أرحامُ نِسوانِ البشر
حَيدَرٌ غنى فُؤادي حَاَءهَا = وَصَغى عَقلي إليها فَسَكَر
يَنجَلي هَمّي إذا مَا قِيَل لي = في هواهُ أبنُ زَينبَ قَدَ كَفر
وتَراني غَيرَ أني لا أرى = سابِحٌ في بحرهِ بين الدُرَر
وتَراني غَيرَ أني لا أرى = غَاصَ قلبي في هواهُ وانغمر
وَنتَزى طرفي إلى رَوَضَتهِ = فَرأى أعَجَبَ مَا يُغري البَصَر
إذَ رَأى الوَلَدَانَ وَالحُورَ بها = طَائِفاتٍ بكُؤوسٍ وثَمر
يَنثرونَ الدُرَ نَظمَاً سَاقِطَاً = في جِنَانٍ مِثَل ديِمَاتِ المطر
يَتَسابَقنَ بَأخنَاسَ الرَّنى = فيُملنَ الرُّوحَ مَا مَال الحِوَر
وتَصافَفَنَ غَواريِ البَهى = نَاظِريَن لِحَبيبٍ مُنتَظر
فَسألتُ الحُورَ من تَنتَظروا = وإلى مَن كُلُ هذا مُدَّخر
فَأجَابوا لِمُحبي المُرتضى = للذي حَبَ عَلياً وشَكر
حيدرٌ أفرَدَهُ اللهُ لَهُ = ليكُن سَيفَ قضاءٍ وقدر
قَد كَفَتَهُ ضَربةٌ في غَزوةٍ = عَملُ الثقَلِينِ فِيها مُختَصر
رَجَلٌ مِن فَرطِ مَا يَطَغى بهِ = في الوغى لو نَظَرَ الصَّخر إنفَطر
وَلَو إسَتَنجَدَ حَيداً مُدَرِعاً = قَلبَهُ رُعَباً مِن الَدُرَعِ ظَهر
مُدَرعاً لا لو دَعَى رَضَوى لهُ = لتَهاوى بينَ عَينيهِ وَخَر
قُل لِمَن يَمدحُ قَدرَ المُرتضى = في هواهُ خُذ مِن الشُركِ حَذر
فهَو من فَوق المَلاَ إذ أنهُ = واقعٌ بَيَن الإلهِ والبَشر
أمَا لو كَانَ سَوياً بَشراً = ما لهُ قُرُصُ ذكاءٍ قَدَ سدر
أما لو كَانَ سَوياً بَشراً = ما لهُ عن اللطمةِ والضلعِ صبر
ولما نادى الأمينُ في السمَا = لا فَتى إلا علي والفاروقُ فَر
أما لو كَانَ سَوياً بَشراً = ما إلى تَجهِيز سلمانَ حَضَر
وَلَما انَشقَت إلى فاطمةٍ = لِتَلدهُ الكَعبةُ وهي حَجر
وَلَما مَد ذُرَاعَاً مِن تُقَى = وعليهِ عَسكُرِ اللهِ عَبَر
وَلَما بل وَلَما بل وَلَما = لا أراهَا تَنتَهي أو تُختَصر
فهوَ خَيرُ الخَلقِ بَعِدَ المُصطفى = خيرُ من صَامَ وَصَلى وَذَكَر