في ذكر مصائب أبي عبدالله الحسين عليه السلام يوم كربلاء
السيّد حيدر الحلي
للسيد حيدر الحلي
في ذكر مصائب أبي عبدالله الحسين عليه السلام يوم كربلاء
أدرك تراتك أيها الموتور = فلكم بكل يد دم مهدورُ
عذبت دماؤكم لشارب علها = وصفت فلا رنق ولا تكديرُ
و لسانها بك يابن أحمد هاتف = أفهكذا تغضي وأنت غيورُ
ما صارم الا و في شفراته = نحر لآل محمد منحورُ
انت الولي لمن بظلم قتلوا = و على العدا سلطانك المنصورُ
لو انك استأصلت كل قبيلة = قتلا فلا سرف ولا تبذيرُ
خذهم فسنة جدكم ما بينهم = منسية و كتابكم مهجورُ
إن تحتقر قدر العدى فلربما = قد قارف الذنب الجليل حقيرُ
أو أنهم صغروا بجنبك همة = فالقوم جرمهم عليك كبيرُ
غصبوا الخلافة من أبيك و أعلنوا = أن النبوة سحرها مأثورُ
و البضعة الزهراء أمك قد قضت = قرحى الفؤاد و ضلعها مكسورُ
و أبوا على الحسن الزكي بأن يرى = مثواه حيث محمد مقبورُ
و اسأل بيوم الطف سيفك إنه = قد كلم الأبطال فهو خبيرُ
يوم أبوك السبط شمّر غيرة = للدين لما أن عفاه دثورُ
و قد استغاثت فيه ملة جده = لما تداعى بيتها المعمورُ
و بغير أمر الله قام محكّما = بالمسلمين يزيد و هو أميرُ
نفسي الفداء لثائر في حقه = كاليث ذي الوثبات حين يثورُ
أضحى يقيم الدين و هو مهدم = و يجّبر الأسلام و هو كسيرُ
و يذكر الأعداء بطشة ربهم = لو كان ثمة ينفع التذكيرُ
و على قلوبهم قد انطبع الشقى = لا الوعظ يبلغها و لا التحذيرُ
فنضا ابن أحمد صارما ما سله = إلا و سلن من الدماء بحورُ
فكأن عزرائيل خط فرنده = و به أحاديث الحمام سطورُ
دارت حماليق الكماة لخوفه = فيدور شخص الموت حيث يدورُ
و استيقن القوم البوار كأن = أسرافيل جاء و في يديه الصورُ
فهوى عليهم مثل صاعقة السما = فالروس تسقط و النفوس تطيرُ
لم تثن عامله المسدد جنة = كالموت لم يحجزه يوما سورُ
شاكي السلاح لدى أبن حيدرا أعزل = و اللابس الدرع الدلاص حسيرُ
غير ان ينفض لبدتيه كأنه = أسد بآجام الرماح هصورُ
و لصوته زجر الرعود تطير = بالألباب دمدمة له و هديرُ
قد طاح قلب الجيش خيفة بأسه = و انهاض منه جناحه المكسورُ
بأبي أبى الضيم صال و ماله = إلا المثقف والحسام نصيرُ
و بقلبه الهم الذي لو بعضه = بثبير لم يثبت عليه ثبيرُ
حزنا على الدين الحنيف و غربة = و ظما و فقد أحبة و هجيرُ
حتى إذا نفذ القضاء و قدر = المحتوم فيه و حتم المقدورُ
زجت له الأقدار سهم منية = فهوى لقى فاندك ذاك الطورُ
و تعطل الفلك المدار كأنما = هو قطبه و كان عليه يدورُ
و هوين ألوية الشريعة نكصا = و تعطل التهليل و التكبيرُ
و الشمس ناشرة الذوائب ثاكل = و الأرض ترجف و السماء تمورُ
بأبي القتيل و غسله علق الدما = و عليه من أرج الثنا كافورُ
ظمآن يعتلج الغليل بصدره = و تبل للخطي منه صدورُ
و تحكمت بيض السيوف بجسمه = ويح السيوف فحكمهن يجورُ
و غدت تدوس الخيل منه أضالعا = سر النبي بطيها مستورُ
في فتية قد أرخصو لفدائه = أرواح قدس سومهن خطيرُ
ثاوين قد زهت الربى بدمائهم = فكأنها نوارها الممطورُ
رقدوا وقد سقوا الثرى فكأنهم = ندمان شرب و الدماء خمورُ
هم فتية خطبوا العلى بسيوفهم = و لها النفوس الغاليات مهورُ
فرحوا و قد نعيت نفوسهم لهم = فكأن لهم ناعي النفوس بشيرُ
فستنشقوا النقع المثار كأنه = ند المجامر منه فاح عبيرُ
و استيقنوا بالموت نيل مرامهم = فالكل منهم ضاحك مسرورُ
فكأنما بيض الحدود بواسما = بيض الخدود لها ابتسمن لها ثغورُ
و كأنما سمر الرماح موائلا = سمر الملاح يزينهن سفورُ
كسروا جفون سيوفهم و تقحموا = بالخيل حيث تراكم الجمهورُ
من كل شهم ليس يحذر قتله = إن لم يكن بنجاته المحذورُ
عاثوا بآل أمية فكأنهم = سرب البغاث يعثن فيه صقورُ
حتى إذا شاء المهيمن قربهم = لجواره و جرى القضا المسطورُ
ركضوا بأرجلهم إلى شرك الردى = و سعوا و كل سعيه مشكورُ
فزهت بهم تلك العراص كأنما = فيها ركدن أهلة و بدورُ
عارين طرزت الدماء عليهم = حمر البرود كأنهن حريرُ
و ثواكل يشجي الغيور حنينها = لو كان ما بين العداة غيورُ
حرم لأحمد قد هتكن ستورها = فهتكن من حرم الإله ستورُ
كم حرة لما أحاط بها العدى = هربت تخف العدو و هي وقورُ
و الشمس توقد بالهواجر نارها = و الأرض يغلي رملها و يفورُ
هتفت غداة الروع باسم كفيليها = و كفيلها بثرى الطفوف عفيرُ
كانت بحيث سجافها يبنى على = نهر المجرة ما لهن عبورُ
يحمين بالبيض البواتر و القناة = السمر الشواجر و الحماة حضورُ
ما لاحظت عين الهلال خيالها = و الشهب تخطف دونها و تغورُ
حتى النسيم إذا تخطى نحوها = ألقاه في ظل الرماح عثورُ
فبدا بيوم الغاضرية و جهها = كالشمس يسترها السنا و النورُ
فيعود عنها الوهم و هو مقيد = و يرد عنها الطرف و هو حسيرُ
فغدت تود لو أنها نعيت و لم = ينظر إليها شامت و كفورُ
و سرت بهن إلى يزيد نجائب = بالبيد تنتجد تارة و تغورُ
حنت طلاح العيس مسعدة لها = و بكى الغبيط بها و ناح الكورُ