نحرٌ يضمِّدُ رمحَ الماءِ
سنة 2017
عطشٌ تعلَّقَ في قميصِكَ وانحنى = للأفقِ يمسحُ عُمْيَهُ المتطيّنا
ويغصَّ ريقُ الماءِ معتصرًا على = ثغرِ اليباسِ مكفّرًا عمَّا جنى
أجرى المرايا فزعةً للنهرِ تع = كسُ جرحَهُ في اللانهايةِ مُثخَنا
وببردةٍ حمراءَ جفَّفها اللّظى = جسدُ السماءِ إلى الخلودِ تزيّنا
بالصدرِ نايٌ ليسَ ينبضُ شدوُهُ = إنْ لم تثقِّبْهُ الخيولُ تفنُّنا
بمسافةٍ مِنْ غيمتينِ نبوءةٌ = وغناءُ وحيٍ بالمواجعِ لُحِّنا
سكنَ الفراغَ صراخُهُ يا حارسَ ال = نحرِ الكليمِ دماكَ تُخرِسُ ألسنا
لسكونِ روحِكَ يستفزُّكَ ناسكُ ال = آجالِ بالغيثِ الذي لن يسكنا
اِضربْ عصاكَ تشقُّ طوفانَ الرّدى = عطشُ الرّمالِ على السّحابِ تَفَرْعَنَا
رحّالُ يا خيطَ الرّواءِ لوجهةٍ = حمراءَ خامسةٍ لتنسجَ موطنا
جرسُ انتظارِكَ شدَّ ساقيةَ اللقا = ءِ بحبلِ شوقٍ تالفٍ قد أذعنا
يا كلَّ حيٍّ أينَ كلُّكَ كائنٌ؟ = والموتُ مِنْ ثغرِ الرّمالِ تمكَّنا
عينُ السّرابِ زجاجةٌ مِنْ طينةِ ال = أجدادِ لوْ كُسِرَتْ ستُعجَنُ معدنا
تَهَبُ الرّواءَ لكلِّ غيمٍ مسرفًا = وتكونَ ذاتَ ظهيرةٍ سمجَ الأنا
قمرٌ تتبّلُهُ النجومُ بحسنِها = كم يشتهيهِ الليلُ كي لا يُفتنا
فالفجرُ بالصفعاتِ ملَّ يسارَهُ = أن يُسْلِمَ العتماتِ خدًّا أيمنا
أعطاهُ سيفُ الحلمِ درعَ إبائِهِ = هيهاتُهُ حلفَتْ بألاّ تركنا
ريحًا ستشتلُ كفُّه برمادِها = ينسلُّ منها النهرُ يُزْهِرُ سوسنا
وتصّدَّقَ المطرُ البخيلُ بثوبِهِ = ليقالَ هذا الغيثُ أصبحَ محسنا
حتّى نَمَتْ برسوخِها سُحبُ الإبا = وأحالَتِ البيداءَ عشبًا ليّنا
يا غيبُ لا يدري السحابُ! فَقُلْ لهُ = ما أعدلَ التأريخُ ساعةَ لقِّنا؟
لا تسألوهُ عَنِ الفراتِ وطعمِهِ = هُوَ ليسَ منهُ سيدَّعي متلونا
رأسُ الحسينِ يشعُّ في صلواتِهِ = للهَدْيِ بوصلةً تشيرُ إلى القَنَا
سجدَتْ لمدِّ النحرِ غربة ُجزرِهِ = ومدائنُ الغضبِ المُعطّشِ أذَّنا
كبُرَتْ على التأريخِ صفحة ُوَجهِهِ = وكأنَّ فيهِ الكونُ كانَ مدوَّنا
وتناسَخَتْ كلُّ الجهاتِ بعينِهِ = ليرى الجهاتِ بكلِّ عينٍ أَعيُنَا
نثَرَتْ بذورَ الطلحِ في أصلابِهِ = نكأَتْ بِقَيْحِ المستحيلِ المُمكِنَا
أنفاسُهُ كم حُوصِرَتْ برحيلِها = لرئاتِ كلِّ الشَّمسِ كي لا تسجنا
صدرُ الثّرى يبتلُّ شمعاتٍ بَكَتْ = ضوءًا يذوبً بكهفِهِ مترهْبِنا
حتّى يتوبً النّحرُ مِنْ أسفارِهِ = راياتُهُ ستهبُّ مِنْ جرحِ المُنَى
كلُّ السّيوفِ تناسَلَتْ ببداوةٍ = في كفِّهِ السّمحاءِ كي تتمدّنا
نسخٌ ستخلقُ مِنْ فراتِ وريدِها = تخضلُّ فُلًّا بالخلود ملوَّنا
سيعودُ بعدَ التِّيهِ يسجدُ جنةً = ثلجُ الجحيم يذوبُ فيهِ تديُّنا
لا ينتمي للماءِ وشمُ جفائِهِ = وقناعُهُ أخفى الملامحَ مَكْمَنا
مِنْ أيِّ ليلٍ تخلعونَ سوادَكم = وهدى البياضِ كوجهِ شمسٍ بيّنا
في أيِّ ظِلٍّ تسكبونَ نهارَكم = أقداحُكُمْ ضوءٌ تسرَّبَ أزمُنَا
لم يتّقِدْ حشرُ الخيامِ بحرقِها = فهناكَ نارٌ، جنّةً صارَتْ هُنا
مَزَجَتْ زهورُ الشمسِ لونَ خريرِهِ = فأدارَ منديلَ السماءِ على السَّنَا
لو قابَ قوسِ النحرِ كشفًا مِنْ جلا = لةِ كُنْهِهِ ما ازدادَ فيكَ تيَقُّنا
صورٌ تنفَّسَتِ الذّهولَ مِنَ المَدَى = فتوقّفَ الخَفَقَانُ صَمْتٌ هَيْمَنا
جسدُ الصّراخِ تدكُّهُ آهُ المسا = فةِ حينَ يركضُ بالصَّدَى متحصّنا
بصلاةِ (إسماعيلَ) (يحيى) غارقٌ = بالذبحِ قد صنعَ الجمالَ فأتقنا
مِنْ سدرةِ الملكوتِ نحرٌ قد هوى = في صدرِ ألوانِ الرّماحِ تفنُّنا
وَمَشَتْ بعزٍّ بردةٌ مثقوبةٌ = في التربِ شَقَّتْ بالحوافرِ أزمُنا
يا أنتَ يا وصلَ الأنينِ وأينَهُ = أنّى انقطعْتَ نَأَيْتَ ما بينَ الأنا؟
أدنو فيبتعدُ الصّفاءُ لبُعْدِهِ = وكأنَّ هذا البُعْدَ يصفو إن دَنَا!
يقسو السرابُ على العيونِ بقطرةٍ = مَسَحَتْ لناصيةِ الحياةِ تحنُّنا
يتشجّرُ النسرينُ فيهِ بَراءةً = متفتِّحَ الزَّهراتِ شبَّ وأغْصَنَا
ماءٌ ستكتظُّ الرّماحُ لرشفِهِ = فوضى دماءٍ تُستفزُّ لِتُؤمِنَا
كلُّ الذينَ تراقَصُوا فوقَ الجرا = حِ سيحزنونَ ووحدَهُ لنْ يحزَنا