عَرْشُ الحُسَيْنِ
سنة 2017
عُرُوْشٌ هَوَتْ بالأمْسِ، أُخْرى غَدًا تَهْوي = وعَرْشُكَ صَرْحٌ شِيْدَ بِالعالمِ العُلْوي
تربّعْتَ في الدارينِ فوقَ عُروشِهِمْ = كأنَّ يدَ الأقدارِ طَوْعٌ لِما تنوي
رسَمْتَ بفيضِ النَّحْرِ خارطةَ الإبا = لِتُصْبِحَ نِبْراسَ المآثِرِ والزَّهْوِ
يلوحُ لنا في الأُفقِ دَهْرًا وحينما = يرى نورَهُ المظلومُ يقوى ويستقْوي
غزَوْتَ مَجرَّاتٍ بِدَسْتورِكَ الذي = غزَوْنا بهِ عرْشَ الطُّغاةِ بِلا غَزْوِ
أبَحْتَ حِمَى التأريخِ، صَعّرْتَ خدَّهُ = وأشْعلْتَهُ حتّى استحالَ إلى هَبْوِ
حُسَيْنٌ .. بأيِّ الخَلْقِ أقرنُهُ أنا؟ = حُسَيْنٌ قرينٌ للحُسَيْنِ بلا كُفْوِ
أرى كُلَّ صَفْوٍ مِنْ سِواهُ مُكدَّرًا = وفي حُبِّهِ الأكْدارَ أصْفى مِنَ الصَّفْوِ
ويسمَعُهُ وَقْرِي وينطقُهُ فَمِي = وإنْ أبْكَمُوا ثغري، ويُبْصِرُهُ عَشْوي
فَمَنْ قالَ إنَّ السِّبْطَ في كربلا ثَوى = غَوى، ولِمَنْ يَرْوي روايَتَهُ يُغْوي
ثوى في الثَّرى جِسْمًا عَفيرًا، وَرُوْحُهُ = بِنا، في دِمانا، في مشاعرِنا تَثْوي
بهِ طهَّرَ الأرضَ الإلهُ، فَقَبْرُهُ = غَدا قلعةً والثائرونَ لها تأوي
وذي رُوْحُهُ لَوْ بالملاكِ قَرَنْتُها = لَزِغْتُ وكانَ المَدْحُ ضَرْبًا مِنَ الهَجْوِ
رَبيبَتُهُ الأملاكُ وهْوَ أبٌ لها = ولمْ تحْوِ لا واللهِ مِعْشارَ ما يحْوي
رمَى بعضَ ما فيهِ بها مِنْ مناقبٍ = وقالَ لها بالفضْلِ حُثّي الخُطَى تِلْوي
وقالَ لها ما فيكِ منْ عِفّةٍ فذا = لأنَّكِ في الطّاعاتِ حاذيةٌ حذْوي
فكمْ هزّتِ المهْدَ الشّريفَ وكمْ رَنَتْ = لهُ حينَمَا الميمونُ آلَ إلى الكَبْوِ
وتحْفُو بهِ في الحالَتَيْنِ بمولدٍ = وموْتٍ، ومنها الفخْرُ لا مِنْهُ بالحَفْوِ
طلاسمُ حارَ العقْلُ عَنْ فكِّ كُنْهِها = ولا غروَ أنَّ الدَّهْرَ ما فيهِ مِنْ غَرْوِ
عجِبْتُ لأرضِ الطفِّ حينَ تلاقَفَتْ = شُمُوسَ بني المختارِ أيّانَ لم تذوِ
وحينَ أُريقَتْ فوقَ وجْهِ صعيدِها = دِما السّبطِ ما انصاعَتْ رُبَى الأرضِ للدَّحْوِ
ولكنَّها ضَلّتْ وظَلّتْ عبيدُها = بأسيادِها بِيدًا إلى سَبْيِها تطوي
سَجى الليلُ لكنَّ المُعنّى جِراحُهُ = دُمُوعُ الثَّكالى ما لها قطُّ مِنْ سَجْوِ
فما نائحاتُ الفَرْعِ ما كانَ شَجْوُها = هَوَتْ مِنْ أقاصيها لَوَ اْنَّ بها شَجْوي
ولَوْ سمِعَ الوُصّافُ شَجْوي وشَجْوَها = لأصْبَحَ مِنْها الشَّجْوُ ضَرْبًا مِنَ الشَّدْوِ
أ ألْهُو ؟ وقدْ سِيْقَتْ إلى السَّبْيِ نِسْوةٌ = لهُ، لا رعانِي اللهُ لَوْ مِلْتُ لِلَّهْوِ
وأسْهُو ؟ مَعاذَ اللهِ عَنْ ذِكْرِ يوْمِهِ = وفي يومِهِ أمسى يُذكّرُني سَهْوي
أبِيتُ وفي عَينِي أرى جِسْمَهُ غدا = على الأرضِ شِلْوًا يُسْتَعادُ إلى شِلْوِ
تَمثَّلَ لي في النومِ طيْفًا ألِفْتُهُ = وَعاشَرَني خِلًّا أُناجِيهِ في صَحْوي
يصيحُ بِمَنْ أثْنى على الذُّلِّ جِيْدَهُ = وآمَنَ بالعيشِ المُرفَّهِ والرّخْوِ
أَعِرْ مُنْصِتًا كُلَّ الجوارحِ للدِّما = إذا ما حَكَتْ لا الأُذْنَ واسْتَتْلِ ما تَرْوي
فإنَّ بِهَا سِحْرَ البيانِ إذا حَكَتْ = وهَذْوٌ سِواها، إنْ علا رُتْبةَ الهَذْوِ
نُصابُ بأغلى النَّاسِ لكنَّ ربَّنا = يُخفِّفُ عَنّا الخَطْبَ في نِعْمةِ السَّلْوِ
فأمسِ حثَوْنا التُّرْبَ فوقَ خُدُودِهِمْ = ونَحْنُ غَدًا خَدٌّ يتوقُ إلى الحَثْوِ
تُعفِّي صُروفُ الدَّهْرِ ذكرَ الأُلى نَأَوْا = خَلا ذِكْرَ غالٍ لا يؤُولُ إلى العَفْوِ
بَذَلْنا لهُ الأرواحَ غيرَ نفيسةٍ = وصِحْنا بذِكْراهُ: بِسمْعِ الدُّنى دَوّي
وَسَاءلَنا لاحٍ أ لمْ تَمْحُ ذِكْرَهُ = قُرُوْنٌ مَضَتْ؟ صِحْنَا: فَقَدْناهُ للتوِّ
أ مَا للدُّموعِ الغُزْرِ مُنْقَطَعٌ؟ أمَا = لِتلْكَ الثيابِ السُّودِ في العيدِ مِنْ نَضْوِ؟
وواللهِ لنْ تُمحَى فَذِكْراهُ آيةٌ = تُرَتَّلُ، والآياتُ جلَّتْ عَنِ المَحْوِ
فيا بنَ الأُلى أقْصَى استقامةِ خَصْمِهِمْ = بِعَيْنِ أولي الألبابِ أحْنَى مِنَ الحنْوِ
ينالُ البرايا النقصُ لو نِيلَ منهمُ = وشأنُكُمُ بالنَّيْلِ يَربُو على الرَّبوِ
ومدْحُكُمُ مِرْقاةُ شِعري إلى السَّما = رَقَوْتُ بها والنَّجْمُ كَمْ غَارَ مِنْ رَقْوي
ولسْتُ أُريقُ المدْحَ في غيرِ أهلِهِ = ولكنَّ عطرَ الزَّهْرِ للنَّحلِ يستهوي
وما زِلْتُ أستجدي وأعلمُ أنَّني = أعودُ بماءِ الوَجْهِ مِنْهُم مَعَ الجَدْوِ
لأنّي عَرَانِي الدَّاءُ داءُ خطيئتي = ومَنْ عِندَهُ أنْتُمْ أبِالغَيْرِ يستدوي؟
نَحَرْتُ لكمْ بَوْحِي قرابينَ شاعرٍ = صَرفْتُ لكم صَرْفي، نحَوْتُ لكمْ نَحْوي
لعلّي بِمدحي آلَ بيتِ مُحَمَّدٍ = أُطهِّرُ هذا الثغْرَ مِنْ لَحْنةِ اللّغْوِ
أُسَامَحُ لَوْ جاوَزْتُ قَدْري بِمدْحِكُمْ = لأنّي طلبْتُ العَفْوَ مِنْ سادةِ العَفْوِ