تجلياتٌ رياحيّةٌ
سنة 2015
تقمّصتُ أنفاسَ الصباحِ إذا تُتلى = وأمسكتُ ظلَّ الشمسِ في لحظةٍ حُبلى
خرجتُ مِنَ التابوتِ حينَ انبرَتْ يدٌ = تحرِّكُ من أعتى مغالِقِه قُفلا
وغادرتُ أيوبي الذي طالَ ضُرُّهُ = أُهرولُ منزوعًا إلى عينِه غُسْلا
يُجَعجِعُ بي صوتٌ سحيقٌ ولم يَزلْ = يبشرّني حتى وُلدتُ له كهلا
أراقبُهُ منذُ استقلَّ سِنِيَّهُ = وأقبلَ من مهوى مدينتِه جَفْلا
يُقِلُّ عليها الضِّدَ والشِّبْهَ توأمًا = ومِن كلِّ زوجٍ من معاني الإبا أهلا
يُسهِّلُ صعبَ المدرَكات برمْقَةٍ = وأنّى يشأْ من أمرِها صعّبَ السَّهْلا
فيفقَأُ عينَ المستحيلِ مُصيِّرًا = حبائلَهُ صَيدًا وألغازَهُ حَلّا
فلم أرَ يا للهولِ أسرعَ ثابتٍ = على الحقِّ ترتدُ الطريقُ له عَجلى
فيدنو لأعذاقِ الرجالِ يَهُشُّها = فلم يرَ جَنْيًّا يُستطابُ ولا نخلا
فهزَّ بجذعِ العرشِ حتّى تساقَطَتْ = على مَتْنِهِ الأنصارُ تَقرؤهُ "قُلْ لا"
كأنّ خُطا نَعليهِ ريشُ حقيقةٍ = تقصّيتُها كي أدركَ الفوتَ والرَّحْلا
فألفيتُهُ ريحًا أقلّت سحابَها = إلى بلدٍ مَيْتٍ ليُعشِبَهُ حَقْلا
ولمّا وجدتُ الركبَ كالحبل صاعدًا = وكنتُ بقعرِ الجُبِّ، أمسكتهُ حبلا
فأبصرتُ من أجلى الحقائقِ وجهَها = ومِنْ بينِها وجهُ الحسينِ بدا الأجلى
يُقسّمُ قلبَ الخُلْد نبضًا وكعكةً = ليُفردَ لي ممّا يجودُ به كِفْلا
فمرَّ بنا في ومضةٍ ما رأَتْ لها = بصائرُنا في الخلقِ رِدفًا ولا مِثْلا
فقطّعتُ أوصالي اشتغالاً بما أرى = كما قطّعَ الكفّين سقّاؤهُ شُغْلا
وحيثُ هوى جسمي أفقتُ لكي أرى = دَمًا غَطَّ فيهِ الرملُ لكنْ بلا قتلى
فجاءتْهُ تكتالُ السماءُ نصيبَها = فأمطرَها من سُحْبِ آفاقِه كَيْلا
يُصعِّدُ فيضَ الطفلِ قيدَ حمامةٍ = ليجمعَ ما بين الثرى والسّما شَمْلا
وأسفرَ من أقصى المخيّم مُشرقًا = وقورًا يُقفّي خَطوَهُ الملأُ الأعلى
يباشرُ لاهوتيّةَ العِشقِ مُخبِتًا = يُقيمُ طقوسَ القُربِ من دَمِهِ حَفْلا
يجاوِزُ حدَّ الريِّ في اللهِ ظامئًا = فينسابُ ريُّ الذكرِ مِنْ ثغرِهِ نَهْلا
فألقى هُواةُ السحرِ كُلَّ حبالِهم = ومحضَ عِصِيٍّ يَمّمَتْ شطرَهُ نَبْلا
فأبصرتُ قلباً بين جنبيه كُلَّما = توخّاهُ سهمٌ كان يَلقَفُه حَبْلا
وحينَ انبرى يستدرجُ الموتَ نحوَه = تناهى إليه النصرُ يقصدُه قَبْلا
فيسفعُ ذاتَ الذبحِ ناصيةَ الردى = ويسحلُه سَحْلَ العزيزِ إذا ذَلّا
تظنّونَ أنْ فاضَتْ إلى العرش روحُهُ = فكيفَ لها، والعرشُ في صدره حَلّا
فلم أرَ أحلى منه من قبلِ ذبحهِ = ولكنْ بَدَت بالفيضِ سحنتُهُ أحلى
تَفتَّحَ حتى خِلتُه ياسمينةً = تُبَوصِل أسرارَ الجمال لها نَحْلا
وزيتونةً حُبلى لكلِ مواسمِ ال = حياةِ، فتُؤتي كلَّ حينٍ لها أُكْلا
كأنْ لم يَجدْ حُلْمُ السماءِ مُؤوِّلاً = يُأنسِنُهُ، حتّى ارتأى أنّه الأوْلى
أراهُ حكاياتٍ كأنَّ فصولُها = تُنسِّلُ مِنْ أقصى نهاياتها نَسْلا
فيَرجعُ في فصلٍ يُلملِمُ بعضَهُ = لينثرَهُ فصلاً ويجمعَهُ فَصلا
يُشجِّرُ بالآلامِ آفاقَ مُلْكهِ = ليَجنيَ مِنْ أغصانِها اللذّةَ المُثلى
أراقبُهُ منذُ استقلَّ حقيقةَ ال = عُروجِ فمرّتْ فوقَ أضلُعِهِ خَيْلا
فأدركتُ أنّي (العبدُ) حينَ تَصَنّمتْ = عبوديةُ المعنى لأعبدَها عِجلا
فحرَّرَني معنى الحسينِ وعِشقُهُ = لأُدرِكَ أنَّ (الحرَّ) مَنْ أدركَ المَوْلى