شعراء أهل البيت عليهم السلام - وطنُ الحُسينِ

عــــدد الأبـيـات
0
عدد المشاهدات
151
نــوع القصيدة
فصحى
مــشــــاركـــة مـــن
تاريخ الإضافة
04/10/2023
وقـــت الإضــافــة
10:15 مساءً

النهارُ الذي غادرَ توّاً من شُرفةِ المدينةِ، تاركاً وراءَهُ ثقالةَ الوُجومِ وشيئًا مِنْ ذُبالةِ النُورِ المُترنِّح على السُعيفاتْ، الشمسُ التي ما عهدناها إلاَّ شامخةً أضحتْ تحتضرُ على صفحةِ الأفقِ، تسحبُ أذيالَها وعلى عينيها انكسارٌ ثقيلٌ ثقيلْ!، أصواتُ الأطيارِ التي تشحنُ الدنيا من تغريدِها ودوِّيها الجميلِ اختفتْ وتهاوتْ أمامَ هجومِ المساءِ ونُزولِ الديجورِ!
الطرقاتُ المشحونةُ بثرثرةِ الآدميّينَ هَجَعَتْ! وعانَقَتْ كَرَاها بعدَ نهارٍ طويلٍ طويلٍ .. فلا ترى إلا الصمتَ يفرضُ لُغتَهُ على مشهدِ المدينةِ، فهل للصمتِ لُغةٌ وأبجدِّيةٌ؟! وما هو الخطبُ الجللُ الذي زعزعَ كُلَّ هذا الوجودِ وأخرسَ لُغةَ الأمانِ والسلامِ فيها؟!! وما لهذا الأفقِ مدميٌّ يرفلُ في صخبِ الجراحاتِ والآهاتِ؟ حتّى الأحجارُ الصمّاءُ تحتَ واهجةِ الرمضاءِ تبكي دمًا وتلهجُ بالويلِ والثبور!
أسمعُ هنالكَ في البعيدِ البعيدِ .. أصداءَ عاشقينَ أجنَّهُم حُبُّ الحسينِ "ع" فامتَشَقُوا أرواحَهم مِنْ أجسادِهم، وامتَطَوا صهوةَ العشقِ الأبديِّ، ومَضَوا إلى كربلاءَ، أعيُنُهم تعانقُ الشموخَ والكبرياءَ، صنعوا في يومِ الطفوفِ ملحمةَ الصمودِ والبطولةِ، ولم يُغلِهِمْ دمُهُم ولا أرواحُهُم، بل اقتحموا حياضَ الموتِ وأعيُنُهم ترحلُ صوبَ الحُسينِ "ع" تحكي لهُ أقاصيصَ العشقِ والحنينِ!
أيْ أبا عبداللهِ الحسينُ "ع" هل وَفَيْنَا؟ فداكَ أرواحُنا وأبدانُنا وكلُّ وجودِنا، فداكَ أهلُنا وعيالاتُنا يا بَن رسولِ اللهِ "ص".
سيِّدي يا أبا عبدِاللهِ "ع" صدى صوتِكَ المُثخنِ بوهجِ الجراحاتِ وثقالةِ السنواتِ تقرعُ آذانَ قلبي وترحلُ بكياني وكأنَني أسمعُكَ الساعةَ! أراكَ تشخصُ بحروفِكِ المُلتهبةِ، وعلى صدرِكَ المرضوضِ المُهّشمِ عبدُاللهِ الرضيع ُيعانقُكَ في صمتٍ فجيعٍ!
أسمعُ عيالاتِكَ وأطفالَكَ ويتاماكَ يتناثرونَ في القفار،ِ خائفينَ مشدوهينَ مِنَ الأعداءِ، وينادونَ: "أيْ أبتاهُ مَنْ لنا بعدَكَ؟!" .. أرى زينبَ "ع" تنادي ساعةً بكفيلِها، وساعةً تندبُ حُسينَها، ولا مِنْ مُجيبٍ!! ما خلا صمتَ الرمالِ وصحاري نينوى ..
أرى أنصارِكَ وقد توسَّدوا الترابَ، وفي زوايا أعيُنِهم حكايةُ الحُبِّ التي لم تنتهِ فُصولُها، ولم يجفَّ حبرُها!!
عَنْ أيِّ مشهدٍ وَعَنْ أيِّ فاجعةٍ أحكي لكَ سيِّدي وقَدْ أخرسَ يومُكَ بكلِّ نوائبِهِ وفواجعِهِ مصائبَ الدنيا كُلِّ الدنيا؟!
سيَدي يا أبا عبدِاللهِ الحسينُ "ع" إذا كانَ العشقُ يعمي ويصُّم العاشقَ فإنّي مِنْ عشقِكَ ازدَدْتُ هدايةً، ومِنْ هواكَ ازدَدْتُ معرفةً ودرايةً، لم يكُنِ عشقي لكَ محضَ صُدفةٍ، ولم ينهمرْ علىَّ في حينِ غرَّةٍ! بلْ رضعتُهُ وأنا في حِجْرِ أمّي صغيرًا، وشربتُهُ أريجًا وعبيرًا، مُذْ كنتُ في عالَمِ الخلقةِ والذرِّ، حبُّكَ مولايَ غمرَ كلَّ وجداني، وأغدَقني بالرحمةِ والبركةِ والعطوفةِ.
هاكَ أكتبْ بيراعِ الحبِّ على جدرانِ قلبي الأربعةِ: حسينُ يا حسينُ يا حسينُ ... فإنّي بها أحيا، ومن نورِ تلكمُ الأحرفِ أبقى وأستنيرُ، هاكَ أرسُمْ في لوحِ نفسي قصّةَ العشقِ التي كانَتْ بعمري ولمّا تنتهِ أحداثُها!!
أيْ حبيبي يا حُسينُ مُذْ أشرَقْتَ في دنيايَ شمسًا أضاءَتْ كلَّ صحاري نفسي، فأضحَتْ مُمرِعةً تضُّج الحياةُ فيها بأبهى صورِها وأروعِها ..
في حُبِّكَ أنا أضوعُ الهوى، وألهجُ بحروفِهِ نغماتٍ أثيريةً ترحلُ في أعماقي دونَما محطّاتِ استراحةٍ، ودونَ تأشيرةٍ للسفرِ إلى وطنِ الحسينِ "ع".
Testing