لَكَ... مُنَاضِلاً كَوْنِيًّا
سنة 2013
قَلَقٌ، وَصَمْتٌ مُطْبِقٌ، وقُبُورُ؟ = أَمْ هَدْءَةٌ، وَسَكِينَةٌ، وَسُرُورُ؟
مُتَصالِحُونَ مَعَ الدُّمُوعِ وَرَجْفِها = فِي الحَلْقِ، يَلْفَحُهُمْ هُناكَ زَفِيرُ؟
أمْ يَنْزِعُونَ مِنَ الظَّهِيرَةِ حَرَّها، = وَعَلَى ابْتِسامَتِهِمْ يَسِيلُ النُّورُ؟
يَتَبادَلُونَ المَوتَ، يَبْتَكِرُونَهُ، = وَلَهُمْ وَإِنْ عَصَفَ الغِيابُ حُضُورُ
حَمَلُوا مَصائِرَهُمْ عَلَى أَكْتَافِهِمْ = لِيُعِيدَ تَضْمِيدَ المَصِيرِ مَصِيرُ
فَتَناسَلَتْ أَصْدَاءُ حُرِّيَّاتِهِمْ = فِي كُلِّ صَوْتٍ حُلْمُهُ التَّحْرِيرُ
مُتَشَبِّثُونَ بِوَعْيِهِمْ، لَمْ يَقْبَلُوا = إلا بِما يَخْتَارُهُ (التَّفْكِيرُ)
فِكْرٌ، يَغُوصُ بِهِ عَمِيقاً كُلُّ مَنْ = لَمْ تُغْنِهِ مِمَّا يَراهُ قُشُورُ
هُمْ أَبْدَعُوا صُوَرَ الوَفاءِ، وَكَوَّنُوا = ما لَمْ يُحِطْ بِحُدُودِهِ التَّصْوِيرُ
نَذَرُوا النُّفُوسَ إِلَى الحَبِيبِ مُطِيعةً، = لِلْحُبِّ يا اللهُ ثَمَّ نُذُورُ
فَإِذَا اسْتَدَارَ الْاِنْحِرافُ كَصَخْرةٍ = كَانُوا كَمَوْجِ البَحْرِ حِينَ يَثُورُ
وَعَلَى اليَبَاسِ انْسَابَ نَهْرُ إِبَائِهِمْ، = وَوَرَاءَ إِبْدَاعِ الإِبَاءِ سُطُورُ
فِي كُلِّ سَطْرٍ لِلْحَنِينِ مَوَاكِبٌ = وَقَصَائِدٌ مَعَ مَنْ يَزُورُ تَزُورُ
هُمْ هكَذَا الشُّهَدَاءُ حِينَ يَشِفُّهُمْ = مَاءٌ، وَفَجْرٌ مُشْرِقٌ، وَضَمِيرُ
يا سَيِّدِي عَنْ أَيِّ جُرْحٍ مُشْرَعٍ = أَحْكِي، وَجُرْحُ اليَاسَمِينِ غَزِيرُ؟
هَلْ ثَمَّ مُتَّسَعٌ لِضَحْكَةِ (طِفْلَةٍ) = صَعَدْتْ إِلَيْكَ كَأَنَّها عُصْفُورُ؟
وَعَلَى الثَّرَى تَرَكَتْ جَبِيناً ناعِماً = غَضًّا بَكَاهُ (رَضِيعُكَ) المَغْدُورُ
جَسَدُ البِلادِ مُضَرَّجٌ بِدِمَائِهَا = وَالعُمْرُ يَا عُمْرَ الزُّهُورِ قَصِيرُ
وَالأُمَّهَاتُ مَدَامِعٌ مَرَّتْ هُنَا = وَأَزاهِرٌ مِنْها يَفُوحُ عَبِيرُ
وَاجُرْحَنا! فَدَمُ الضَّحَايا لَمْ يَزَلْ = يَغْلِي، وَأَحْزَانُ السَّمَاءِ تَمُورُ
فَلَذَاتُ أَكْبَادٍ تَعَاظَمَ نَزْفُها؛ = فَأَعَادَ رَسْمَ الأُغْنِياتِ هَدِيرُ
لا شَيْءَ يَبْدُو فِي الفَرَاغِ سِوَى (يَدٍ) = تَرْبِيتُهَا وَحَنَانُهَا مَنْذُورُ
نَذَرَتْهُ لِلْأَحْبابِ، وَالْتَمَسَتْ لَهُمْ = عُذْراً إِذا مِنْهُمْ بَدَا التَّقْصِيرُ
بِي مِنْ تُرابِ الأَرْضِ أَشْجَانٌ وَبِيْ = مِنْ كَرْبَلاءَ (فُرَاتُها) المَأْسُورُ
يَنْتَابُنِي رَوْعُ المَسافاتِ اْلَّتِي = مِنْ قَبْلِ غايَتِها يَلُوحُ السُّورُ
وَيَكَادُ نِصْفِي أَنْ يُفَارِقَ نِصْفَهُ، = عَظْمِي مَهِيضٌ، والجَنَاحُ كَسِيرُ
أَنَا قَدْ حَفَرْتُ عَلَى زَوَايَا غُرْبَتِيْ = حُلُمِي، فَبَعْضُ الْاِغْتِرَابِ صُخُورُ
وَأَتَيْتُ أَمْشِي مِنْ بَعِيدٍ حَامِلاً = أَعْوَامَ عُمْرِي، وَالحَيَاةُ مَسِيْرُ
لَيْتَ الغَرِيبَ وَقَدْ مَضَى عَن دَارِهِ = يَأْتِي! فَتُفْتَحُ كَالْقُلُوبِ الدُّورُ
لَيتَ السَّمَاءَ تَنَامُ فِي عَيْنِي! فَذَا = بَصَرِي بِلا حُلُمِ السَّمَاءِ حَسِيرُ
رَأْسِي الَّذِي اشْتَعَلَ المَشِيْبُ بِهِ بَدَا = عَصْراً تَنَامُ عَلَى يَدَيْهِ عُصُورُ
لِي أَنْ أفَتِّشَ فِي ثَنَايا الأَرْضِ عَنْ = حُزْنِ الرِّمالِ، فَلِلرِّمالِ شُعُورُ
لِي أَنْ أَمُدَّ إِلَى الغَرِيقِ قَصِيدَةً = بِاسْمِ (الحُسَيْنِ) خِتَامُهَا مَمْهُورُ
بِحَقَائِبِي حُزْنِيْ الشَّهِيُّ وَقِصَّةٌ = تُحْيِيْ الشُّعُوبَ فَمَاؤُها (الإِكْسِيرُ)
وَلِزَعْفَرَانِ الذِّكْرَيَاتِ حَدَائِقٌ = فِي الرُّوحِ يَحْرُسُهَا الغَدُ المَنْظُورُ
مَأْهُولَةٌ هذِي الحَيَاةُ بِمَنْ مَضَوا = مَاذَا أُسَمِّي الْمَوتَ يَا (دُسْتُورُ)؟
تَرْوِي لَنَا الأَيَّامُ أَلْفَ قِيامَةٍ = فَإِلَى الضَّحَايَا عَوْدَةٌ و(نُشُورُ)
مَا لا يَعُودُ، يَعُودُ حِينَ تَقُولُ لِل = تَّارِيخِ: صِرْ مُسْتَقْبَلاً! فَيَصِيرُ
أَنَا يَا أَبَا الأَحْرَارِ جِئْتُكَ ظَامِئاً = وَ(النَّارُ) فِي لُغَةِ اللِّقَاءِ (نَمِيرُ)
بِرَشَاقَةِ الشُّهَدَاءِ تَهْطِلُ أَدْمُعِي = (آياً) وَحُبُّكَ وَحْدَهُ التَّفْسِيرُ
فِي البَذْلِ، فِي الإِخْلاصِ، فِي المُدُنِ التي = آنَسْتَ وَحْشَتَهَا، فَأَنْتَ أَمِيرُ
أَحْتاجُ مِنْكَ لِخَيْمَةٍ آوِي لَها = إِنْ مَسَّنِي الإِبْعَادُ وَالتَّهْجِيرُ
أَحْتَاجُ مِنكَ لِبَسْمَتَينِ وَمَرْفَأٍ = أَنَا مِنْ بَقَايَا (الراحلينَ) جُذُورُ
وَأَقَلُّ مِنْ جُرْحٍ بِصَدْرِ حَمَامَةٍ = بَيْضَاءَ، يَنْزِفُ جُرْحُها، وَيَغُورُ
أَدْرَكْتُ حُزْنَ العُشِّ حِينَ تُوَدِّعُ الْ = أُمُّ الصِّغَارَ، وَقَلْبُها مَفْطُورُ
مَنْ ذا يَشُدُّ عَلَى الجِراحِ ضِمادَةً = تَمْتَصُّ نَزْفَ الدَّمِّ حِينَ يَفُورُ؟
ويُصَبِّرُ الآبَاءَ لَوْ يَوماً هَوَتْ = غَدْراً على وَجَعِ التُّرابِ بُدُورُ؟
جَسَدِي مَوَاوِيلُ الوَدَاعِ وَسَحْنَتِي = لَحْنٌ حَزِينٌ وَالدُّمُوعُ (أَثِيرُ)
وَأَنَا انْهِمَارُ الذِّكْرَيَاتِ بِمَسْرَحٍ = حَيٍّ بِهِ انْتُهِكَتْ إِلَيكَ خُدُورُ
أَوْمَأْتُ نَحْوَ ضِفَافِ نَهْرٍ مُتْعَبٍ = تَرْنُو إِلَيهِ مَحَاجِرٌ وَثُغُورُ
وَشَعَرْتُ أَنِّي زَوْرَقٌ مُتَحَطِّمٌ = وَمُسافِرٌ، قَدْ أَجَّلَتْهُ بُحُورُ
دَمْعُ العُيُونِ عَلَيَّ يُلْقِي نَظْرَةً، = وَالدَّمْعُ بِالحُزْنِ الدَّفِينِ خَبِيرُ
حَدَثٌ يُلِحُّ عَلَيَّ، حِينَ تَقَوَّسَتْ = في (كَربَلاءَ) مَعَ (الحُسَينِ) ظُهُورُ
يَتَوَقَّفُ اسْتِرسَالُ صَوْتِي، أَنْحَنِي، = أَبْكِي، وَيَغْلِي فِي دَمِيْ التَّنُّورُ
سُبْحانَ مَنْ أَسْرَى بِدَمْعِي حَيْثُ لِلْ = أَحزانِ فِي (أقصَى) السَّماءِ خَرِيرُ
أَشْعِلْ سِراجَكَ؛ تَنْطَفِئْ آلامُنا = يا مَنْبَعاً! لَمْ يَخْلُ مِنْهُ النُّورُ
هَيَّأْتَ لِلْمَعْنَى خُلُوداً آخَراً، = أَثَّرْتَ فِيهِ، وَطَبْعُكَ التَّأْثِيرُ
أنَا شَاعِرٌ لَكَ عائِدٌ مِنْ مَوْتِهِ، = وَإِلَى نَوَايَا الطَّيِّبِينَ (سَفِيرُ)
مِنْ فَرْطِ مَا أَلْهَمْتَنِي أَوْقَظْتَ فِ = يَّ الصَّمْتَ، وَالصَّمْتُ الطَّوِيلُ مَرِيرُ
حَتَّى شَعَرْتُ بِأَنَّ أَجْرَاسَ الشُّعُو = رِ تَرِنُّ إنْ وَارَى الشُّعُورَ شُعُورُ
ما زِلْتُ أَسْمَعُ صَوتَ أَجْمَلِ طِفْلَةٍ = فِي (الشَّامِ) يَحْكِي دَمْعُها المَنْثُورُ
وَيَقُولُ: يَا أَبَتِي (رُقَيَّتُكَ) الَّتِي = رَحَلَتْ تُحِبُّكَ... وَالكَلامُ كَثِيرُ
ما زِلْتُ أَقْرَأُ فِي مَلامِحِ (زَيْنَبٍ) = صَبْراً سَخِيًّا، وَالمُصابُ كَبِيرُ
فِي كُلِّ لَيلٍ بِالوَدَاعِ مُبَلَّلٍ، = للهِ يَصْعَدُ سَعْيُها المَشْكُورُ
هِيَ عَالَمُ (العَبَّاسِ) فِي إِيثَارِهِ = وَوَفَائِهِ، وَلَها يَقِلُّ نَظِيرُ
هِي مَدُّ ثَوْرَتِكْ الَّتِي مَا بَارَحَتْ = تَسْعَى لِعَدْلٍ، وَالزَّمانُ يَجُورُ
يَا أَيُّهَا الوَطَنُ الحُسَينُ! مَعِي هُنَا = تَخْطُو؛ فَتُوْلَدُ مِنْ خُطَاكَ زُهُورُ
وَتُشَكِّلُ النَّاياتِ مِنْ قَصَبِ الرُّؤَى، = وَكَمَا الصَّبَاحِ عَلَى الوُجُودِ تَدُورُ
وَتُدِيرُ أَشْرِعَةَ الحَيَاةِ مُنَاضِلاً = حُرّاً، لِنَهْضَتِهِ القُلُوبُ تُشِيرُ
أَنْتَ (المُدَجَّجُ بِالسَّلامِ) لِكُلِّ قُطْ = رٍ خَانَهُ الإِرْهَابُ وَالتَّفْجِيرُ
يَا حَامِلاً إِنْضَاجَ رُؤْيَتِهِ إِلَى = لُغَةِ الحِوَارِ، خَصِيمُكَ التَّكْفِيرُ
ذِكْرَاكَ تَنْحَتُ فِي اللُّغاتِ جَمِيعَها = أَحْلَى القَصَائِدِ، (فَاشْتِقَاقُكَ نُورُ)
مَا لِلْعُيُونِ سِوَاكَ طَيْفاً آسِراً = مِنْ ظِلِّهِ يَتَشَكَّلُ (البَلُّورُ)
مَنْفَى الحَياةُ، وَأَنْتَ وَحْدَكَ مَوْطِنٌ = مُدَّتْ لَهُ مِلْءَ الحَنِينِ جُسُورُ
يَا أيُّها الكَوْنِيُّ فِي أبْعادِهِ! = ما خانَنِي في حُبِّكَ التَّعْبِيرُ
صَافَحْتُ مَاءَكَ، والعُرُوقُ تَلَهُّفٌ، = فَعَلَى ضِفافِ العُمْرِ أَنْتَ غَدِيرُ
وعَلَى شِفَاهِ الغَيْمِ حُبُّكَ آيَةٌ = تُتْلَى، وَوَحْيُكَ كَالغُيُومِ مَطِيرُ
وهُناكَ حَيْثُ الرُّوحُ تَفْتَرِشُ المُنَى = شَوْقاً لِقُبَّتِكَ الجِهَاتُ تَسِيرُ
أَقْصَى امْتِدَادِكَ لا حُدُودَ تَحُدُّهُ = فَالكَوْنُ دُونَكَ يَا حُسَيْنُ صَغِيرُ
يَا وَاحِدَ التَّارِيخِ! دَرْبُكَ وَاحِدٌ، = مِنْ حَيْثُ تَبْدَأُ يَبْدَأُ التَّغْيِيرُ
فَانْفُخْ (بِصَلْصَالِ الضَّمَائِرِ) مُلْهِماً؛ = لِتَحُومَ فِي أُفُقِ الفِدَاءِ طُيُورُ
(دَاوُدُ) أَنْتَ، وذِي جِبَالٌ أَوَّبَتْ = إِيقَاعُها التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ
وَلَكَ الطَّبِيعَةُ سُخِّرَتْ بِسَخائِها = وعَلَيْكَ أُنْزِلَ في الطُّفُوفِ (زَبُورُ)
أَمَّا القُلُوبُ فأنتَ (يُوسُفُها) الذي = ما زالَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُ
إنَّا (حَوَارِيُّوكَ)، لَمْ نَحْتَجْ (لِمَا = ئِدَةٍ) لِنُؤْمِنَ، فَاليَقِينُ عُبُورُ
إنَّا (حَوَارِيُّوكَ)، أَنْصارٌ إِذا = مَا عَزَّ عِنْدَ النَّائِباتِ نَصِيرُ
نَرْجُوكَ، عَلِّمْنا المَزِيدَ مِنْ العَطا = ءِ، فَفِي الحَياةِ مُشَرَّدٌ وَفَقِيرُ
تَقْسُو الحَياةُ عَلَى بَنِيها تَارَةً، = لكِنَّكَ التَّفْرِيجُ، والتَّيْسِيرُ
عَيْنَاكَ فَلْسَفَتَانِ مِنْ عِشْقٍ، وَمِنْ = فَنٍّ، لَهُ إِيحَاؤُهُ المَوْفُورُ
مِن أَجْلِ مُجْتَمَعِ السَّلامِ تَمُوتُ، بَلْ = تَحْيَا، وَيَفْنَى الظُّلْمُ وَ(التَّطْهِيرُ)
فَمِنَ الحُقُوقِ زَرَعْتَ دَرْبَكَ سُنْبُلاً = وَإِلَى الحُقُوقِ عَطَاؤُكَ المَذْخُورُ
بَعْضُ الشُّخُوصِ جَدِيرَةٌ بِخُلُودِها = وَبِكَ الخُلُودُ أَيَا (حُسَينُ)! جَدِيرُ
حَرَّرْتَ أَنْتَ هَواءَنَا وَمِياهَنَا، = فَخُطَاكَ يَسْكُنُ وَقْعَهَا التَّحْرِيرُ
سُرْعَانَ مَا تَمْضِي فُصُولُ حَيَاتِنَا، = لَكِنَّ فَصْلَكْ أَوَّلٌ، وَأَخِيرُ
لَمْ تقترِبْ هذِي الحِكَايَةُ مِنْ نِها = يَتِها وَلَمْ يَنْفُذْ لَهَا الدَّيْجُورُ
بَينَ التَّمَنِّي وَالتَّمَنِّي بَذْرَةٌ، = وَإِلَى نِهايَاتِ الكَلامِ بُذُورُ