مِنَ المهدِ إلى الخُلدِ
سنة 2013
صدِيتُ ولمّا أنْ تملّكَني الصَّدى = لجأتُ إلى مظماكَ ريًّا ومَوْرِدا
ويا لَكَ من ظامٍ تحوطُ ضفافَهُ = شفاهُ العطاشى قُبلة ًوتزوُّدا
شرايينُها جفَّتْ وريُّك باردٌ = وشأنُ رياضِ الوردِ أنْ ترقبَ الندى
ويا لكَ مِن حيرانَ حارَتْ بكَ النُّهى = وجُنَّتْ بكَ الألبابُ عشقًا لتَرشُدا
أحارُ كمَنْ حاروا بأجلى حقيقةٍ = فليسَ يُرى في الشمسِ إلا الذي بدا
كفرْتُ بما يحكي الرُّواةُ وما انطوَتْ = عليهِ حَكَايَاهُمْ مِنَ السفِّ والسُّدى
فولّيتُ شطرَ البحثِ كلَّ مدارِكي = لأمعِنَ فيما قيلَ فيكَ مُفنِّدا
وأمخضَ من ثديِ الحقيقةِ ضوءَها = وأقذفَهُ في الزّيفِ سهمًا مُسدَّدا
فمزّقتُ أستارَ السديمِ محلّقًا = بآفاقِكَ الحُبلى وملكِكَ هُدهُدا
لأكشفَ ما كانَ الستارُ يصونُهُ = وأرجعَ بالعلمِ اليقينِ مُغرِّدا
تقحّمْتُ من كلِّ البحورِ عميقَها = لأبحثَ عمّن جلَّ شأنًا وخُلّدا
أفتشُ عن كلِّ الملوكِ ومجدِها = وعن كلِّ فذٍّ عاشَ أو ماتَ سيِّدا
وجئتُكَ حيثُ المهدُ يرعاهُ فِطرِسٌ = لأبدأَ في آلاكَ مِنْ حيثُ يُبتدا
ومِن حيثُ بنتُ الوحيِ تهمسُ تارةً = بأذنيكَ أنفاسًا وأخرى تشهُّدا
لأنهلَ من عينيكَ أضدادَك التي = يضجُّ بها ثغرُ الزمانِ تهجُّدا
ولمّا تلمّستُ الحقيقةَ بعضَها = تَزعزعَ كلُّ الشكِّ حتى تبدَّدا
فما كانَ منّي حينَها غيرَ أنّني = سقطتُ إلى الأعلى شهابًا توقَّدا
فأدركتُ أنَّ المهدَ بدءٌ لِمَا انتهَتْ = إليهِ مقاييسُ الخلودِ على المدى
وأيقنتُ أني لستُ أبلغُ منتهًى = فما كانَ مِن ماضيكَ كانَ هو الغدا
رأيتُكَ في عينِ العجوزِ مدامعًا = ورُمتُك في وجهِ الشبابِ تجلُّدا
سمعتكَ في نبضِ الجنينِ ترقُّبًا = وفي وجنةِ الطفلِ البريءِ تَوَرُّدا
أراكَ على كلِّ الوجوهِ حكايةً = فمِن أيّ وجهٍ تُستَمدُّ فتُسرَدا؟
وجدتُكَ رقماً ليسَ يقبلُ قسمةً = لهُ تنحني كلُّ الحساباتِ سُجّدا
وقطبًا تشيرُ البوصلاتُ إليكَ مِن = قريبٍ وقاصٍ تستشفُّكَ مقصدا
فلستُ على علمٍ بغيرِك مُنهَكاً = تحدّى غمارَ الموتِ فانصاعَ مَوْلدا
فتولَدُ والحلاّجُ مازالَ غامراً = ودجلةُ يستجدي من المَيْتِ موعدا
كأنَّ فقاعاتِ الطواسينِ فوقَهُ = بقايا غريقٍ ضلَّ فيه وما اهتدى
ولستُ على علمٍ بغيرِك مُثخنًا = يشدّ بكلتا قبضتَيْهِ على الرَّدَى
فإنْ كنتَ مِنْ تحتِ الخيولِ مُمزقًا، = فأوصالُكَ العنقاءُ تأبى تَبَدُّدا
ورأسُكَ مِنْ فوقِ "الصليبِ" علامةٌ = تحيلُ إلى العلياءِ مَنْ رامَ سؤددا
أشرتَ إلى النصرِ المؤزّرِ أن أجِبْ = فجاءَكَ مِنْ خلفِ السماءِ مؤيِّدا
وضمَّكَ حتى لفَّ أشلاكَ جبةً = على طَرَفَيْها العزُّ والمجدُ نُضِّدا
ولستُ على علمٍ بغيرِك فاديًا = بقطعِ نحورِ المستميتينَ يُفتدى
ولستُ على علمٍ بغيرِكَ هامداً = يمدُّ القلوبَ الهامداتِ تجدُّدا
ولستُ على علمٍ بغيرِكَ ظامئًا = بأروعَ سقّاءٍ ظَميٍّ تفرَّدا
ولم أرَ نحرًا غيرَ نحرِكَ لم يزَلْ = يضخُّ بأجداثِ النفوسِ تمرُّدا
ولم يرَ عقلي بعدَ عمقِ تدبّرٍ = سواكَ مصيراً وانتماءً ومَرفَدا
فمهما وجدتُ السعيَ نحوَكَ شائكًا = ودربًا بحمّامِ الدّماءِ مُعبّدا
أسيرُ على الأشواكِ نحوَكَ ناسيًا = نزيفَ جراحاتي إليكَ تودُّدا
تَلَذُّ بيَ الآلامُ والنزفُ عندَما = تَمدُّ إليها يا مسيحَ الهوى يدا
وإنْ حالَ ما بيني وبينَك قاهرٌ = ودَدْتُ فلو أُنْفَى إليكَ وأُطرَدا
وإنْ عادَ منكَ المُتخَمُونَ بريِّهم = ألحُّ عليهِمْ في السؤالِ مُشدِّدا
ليُلقوا على وجهي "القميصَ" أشمُّهُ = فيُبصرُ طَرْفي بعدَما كانَ أرمدا
وأحبسُ في صدري هواكَ تنفّسًا = شهيقًا أبى ألاّ يعودَ تنهُّدا