حوارٌ معَ مسبيّةٍ
سنة 2013
قالتْ: أراكَ عابساً في حيْرةٍ لمْ تُعهدِ = أجبتُها: بلْ تائهٌ ظمآنُ والقلبُ صَدي
قالتْ: فكلُّ ظمأٍ يُروى بكأسٍ باردٍ = فقلتُ: لكنْ ظمئي لكربلاءَ مورِدي
قالتْ: فهلْ تشتاقُها تشتاقُ مدفوناً بها؟ = قلتُ: اشتياقَ والهٍ للثمِ تُربِ المرقَدِ
أبغي العروجَ نحوَها أنشُقُ مِن عبيرِها = أبغي رِثاءَ شافِعي ومُنقِذي وسُؤددي
قالتْ: فنِعْمَ مقصَداً وصالُ آلِ أحمدٍ = قلتُ: بلى بقربِهِم أرجو النجاةَ في غَدي
قالتْ: إذاً فلنَرتَحِلْ أريكَ أرضَ نينوى = ترى بأُمِّ العينِ فيها، قلتُ: ذاكَ مَقصدي
عَجبتُ مِن دعوتِها نَظرتُ في هيئتِها = سألتُه:ا مَنْ أنتِ حتّى قد أثرتِ كَمَدي
قالتْ: أنا مسبيةٌ شهدتُ يومَ كربَلا = يومَ الرَّزايا والبَلا شهدتُ ذَبحَ سيِّدي
قلتُ: لها –بعبرةٍ مخنوقةٍ أختَ السِبا = نارُ الجوى توقَّدتْ هلُمّي فامضي واسْرُدي
ما إنْ وَصلنا كَربلا نَرفِلُ في أدمُعِنا = في الأُفْقِ لاحَتْ قُبَّةٌ تَوشَّحَتْ بالعسجَدِ
قلتُ: هُنا مَصارِعٌ مَصائِبٌ حَرقُ خِيا = مٍ نِسوَةٌ مَثكولَةٌ مِنْ بيتِ آلِ أحمدِ
قالتْ: فَلو تَراهُمُ في ليلِ عاشورا بَدَوا = كأنجُمٍ تَحَلَّقَتْ مِنْ حَولِ بدرٍ أوحدِ
قُلتُ: صِفي لي عِشقَهُم، قالتْ: أنا سمَعتُهم = دَويُّهُمْ دَوِيُّ نَحلٍ فَوقَ زَهرٍ مُورِدِ
مُسلمُ فيهم، جونُ، والحرُّ كذا، يَقدِمُهُم = شيخُ الوَقارِ والبَها أعنِي حبيبَ الأسدِي
قُلتُ: وما دَويُّهم؟ خوفٌ أصابَ قلبَهم؟ = قالتْ: وهل يَعرِفُ خوفاً قَلبُ شهمٍ أصيدِ؟
بَل صارَ تُربُ كَربلا العِشقِ لَهُم كَمسجدٍ = قلتُ: إذاً فَليلُهم قَدْ كانَ ليلَ الهُجَّدِ
قالتْ بلى وَصوتُهم قد اعتلى مُزلزِلاً = قُرِّي عُيوناً زَينَبٌ إنَّا فِدا المُهدَّدِ
لو نُقتلُ اليومَ ونُذرى هكذا فِعْلٌ بِنا = سبعونَ كانَ الموتُ أحلى مِن مذاقِ الشَّهَدِ
قلتُ: وأينَ الهاشمُيّونَ صِفي ما صَنعوا = قالتْ: سيوفَ الحقِّ كانوا وضياءَ الفرقَدِ
يَحمونَ خيماتِ النِّسا وخدرَ بنتِ حيدرٍ = الثغرُ مِنهُم باسِمٌ والنُّورُ ساطِعٌ بَدِي
أنصارُ مولايَ كذا عَهدتُهم أسدُ الفَلا = ما مِثلُهم كانَ، وكلا مُثلهم لم أعهَدِ
ولو تراهُم ظُهرَ عاشوراءَ والحبُّ سَمَا = تَرى لُيوثاً بَرَزَتْ تَرجو الخلودَ الأبَدي
قُلتُ: أهجتِ الحُزنَ يا بِنتَ الهُدى قَلبي اكتوى = دَمعي جَرى هيَّا اشرحِي وفَصِّلي وَزوِّدِي
قالتْ: تهاوى الصحبُ مَهوى أنجُم قُدسيةٍ = عابسُ وابنُ القينِ غابا في نهارٍ أسودِ
صَلَّوا صَلاةَ العِشقِ في كَعبتِهِ وأحرَمُوا = فعانَقوا الموتَ ولم يُعطوا المقادَ عَنْ يَدِ
لم يبقَ غَيرُ الآلِ فِيهِم أكبرٌ مُشمِّرٌ = خاضَ غِمارَ الحربِ أُحصيكُم أنا بمِفرَدي
عادَ ونيرانُ الظَّمى تَوقَّدَتْ بِجوفِهِ = شَربةُ ماءٍ أبَتي أردُّ ظالِما رَدِي
قُلتُ: أ عادَ ظافراً؟ قالتْ: بلى مُبتسِمٌ = والوجهُ مِنهُ زاهرٌ كصفحةِ الزُّمرُّدِ
ثمَّ هَوى مُضرَّجاً يُبحِرُ في فَيضِ الدِّما = آهٍ على الدُنيا العَفى يا نَجمَ ليلي الأسعَدِ
كلُّ الخيامِ كُلُّها تُجهِّزُ الأمُّ ابنَها = رَملةُ والشبلُ ابنُها قاسِمُ كانَا مَقصَدِي
قلتُ: شبيهُ المُصطفى علامةٌ مِن حَسَنٍ = قالتْ: أجل كانَ كما الأكفانِ ثوباً يَرتَدِي
مولايَ هذي عُوذةٌ تُرخِصُني لِنصرِكُم = كبَّرَ في الميدانِ يُردِي كُلَّ طاغٍ نَمرَدِ
قلتُ: وذاكَ النورُ جَنبَ العَلقَمي ما سِرُّهُ؟ = قالتْ: عَظيمٌ سِرُّهُ والسِّرُ في التَّجَدُّدِ
فَكلما تَغرُبُ شَمسُ الكونِ في مَغرِبِها = يَبزُغُ بدرٌ كامِلٌ مِنْ خَلفِ ذاكَ المرقَدِ
قلتُ: عظيمٌ شأنُهُ؟ قالتْ: وذو مهابَةٍ = وطبعهُ كما اسمهُ عباسُ شِبهُ الأسَدِ
قلتُ: إذاً فقائِدٌ تهابُهُ كُلُّ العِدا = قالتْ: وسيفٌ قاطِعٌ ممُتَشَقٌ مِن مِغمَدِ
كفَّاهُ غدراً قُطِّعَتْ، لهُ دُموعِي انحدَرَتْ = سهمٌ أصابَ عينَهُ، والهامُ مَهوى العَمَدِ
نادَى: سَلاماً يا أخي مِن خافقٍ مُفَطَّرٍ = مِن محجرِي، مِن مَنحرِي، مِن مُهجَتي، مِن كَبِدِي
فجاءَ سِبطُ المُصطفى وضَمَّه لصدرِهِ = كأنَّهُ الأفْقُ احتَوى بَدراً حديثَ المولِدِ
أخرجَ سَهمَ عَينِهِ قَبَّلَ جُرحَ هامِهِ = صاحَ حُسينٌ: يا أخِي ظَهرِي ويا مُعتَمَدِي
قلتُ: أهجتِ الحُزنَ يا بِنتَ الهُدى قلبي اكتَوى = دَمعِي جَرى هيَّا اشرَحِي وفَصِّلِي وزوِّدِي
قالتْ: فَنادَى السِّبطُ هلْ مِن ناصرٍ يَنصرُني؟ = لبَّى النِّدا في الرَّحْمِ مَن لبَّى وَحَقِّ الصَّمَدِ
حتى كأنَّ صَحبهُ أجسادُهُم تَحرَّكَتْ = "لبيكَ" صاحَ نَحرُهُم: "لبيكَ سِبطَ أحَمدِ"
فقدَّمَتْ جوادَه بنتُ الهُدى قائلةً: = تُرى أ أختٌ يا أخِي بِذاتِ قَلْبٍ جَلمَدِ؟
قالَ: وهَل مِثلي وصَحبي صُرَّعٌ فَوقَ الثَّرى = أختُ اصبِري واصطَبِري تَجمَّلي تَجلَّدِي
قلتُ: أهجتِ الحُزنَ يا بِنتَ الهُدى قَلبي اكتَوى = دَمعِي جَرى هيَّا اشرَحي وفصِّلِي وَزَوِّدِي
قالتْ فَخاضَ السِّبطُ في وسطِ العِدا مُجلجِلاً = أنا ابنُ داحي البابِ وابنُ المُصطفى مُحَمَّدِ
حتى أتاهُ السهمُ في لُبَّتِهِ سَهمُ الرَّدى = هَوى صريعاً فَهَوى عَليُّ زينُ العُبَّدِ
تهافَتَتْ زينبُ والأطفالُ ليلى والنِّسا = رأينَ شِمراً فَوقَ صَدرِ ابنِ الهُدى المُؤيَّدِ
رأينَ عشراً أعوجياتٍ تدوسُ صدرَهُ = ورأسُهُ في ذابلٍ يُخجِلُ نُورَ الفرقَدِ