الوداع الثاني
الجزء الخامس: الإمام الحسين بن علي عليهالسلام
ربِّ انتقِمْ مِنْ هؤلاءِ الظَّلمَهْ= واُمَّة بغَتْ علينا مُجرمَهْ
غَدا فودّعَ العيالَ ثانيا= مُوصيا نساءَهُ مُواسيا
يقولُ : صبراً واستعِدُّوا للبَلا= إذا القضاءُ فيكُم قدْ نزَلا
فربُّكم ينجيكُم بالرحمَهْ= مِنْ بعدِ أنْ يكشفَ هذي الغمَّهْ
ويُغدقُ النعمةَ بالعطاءِ= كرامةً منْ خالقِ السماءِ
فلا تقولُوا ما يحطُّ قدرَكُمْ= ولا تُبيحوا للطغاةِ سرَّكمْ
فأَنتُم ودائعُ النبيِّ= وانتُم أمانةُ الوصيِّ
وعندَها قالَ « ابنُ سعد » ويْحَكُم= شدُّوا عليهِ قبلَ أنْ يفجأَكُم
ما دامَ مشغولاً بأمرِ الحرمِ= وقلبُه معلقٌ بالخيمِ
واللهِ إنْ يكُنْ لكمْ قَدْ فَرغا= لعادَ جيشُكم دَماً مُصطبغا
واختلطَتْ ميمنةٌ بميسرَهْ= فهو ابنُ قاتلِ الرجالِ حيدرَهْ
فحمَلُوا عليهِ بالسهامِ= حتّى تخالفَتْ على الخيامِ
وأُرعِبَ النسوةُ والأطفالُ= وصرخَتْ مِنْ خوفِها العِيالُ
فحملَ الحسينُ لَيْثاً غضبا= وسيفُهُ صاعقةٌ تلهبا
يضربُ فيهم والفؤاد ظامِ= وعنْ بناتِ المصطفى يُحامي
فقالَ للقومِ : ألا مِنْ ماءِ= أُطفي لهيبَ الجمرةِ الحمراءِ
فقالَ شمرٌ لا تذوقُ البارِدا= حتّى تَرى النارَ إليها وارِدا
وقالَ بعضٌ صُدَّ للفراتِ= كأنّه يمموجُ كالحيّاتِ
لا تشربنَّ منهُ أو تقضي ظَما= أو تقبَل الأمرَ وأنْ تَسْتسلما
فأَغمضَ الحسينُ طَرفاً ومَشى= وقالَ يا ربِّ أَمِتْهُ عَطَشا
ثمَّ رمى سَهْماً « أبو الحُتوفِ »= نحوَ الحسينِ في ثرى الطفُوفِ
فوقَع السهمُ على جبهتهِ= وسالَتِ الدما على لحيتهِ
فهتفَ الحسينُ ربِّ قَدْ تَرى= ما أنا فيهِ والذي ما قَدْ جَرى
ربِّ احصهمْ بينَ يَديك عَددا= ولا تذَرْ في الأرضِ منهُم أحَدا
ورفعَ الصوتَ لهُم يُنادي= يا أُمّةً خانَتْ وصايا الهادي
فَبئسما خلفتُمُ محمّدا= في أهلهِ وما حفظتُمْ وَلدا
لا تَقتلُونَ بعدَ قَتلي رجُلا= فيهِ تخافونَ الإِلهَ والمَلا
لكنْ يهونُ كلُّ قتل بَعدي= فأبشِروا بذلّة وبُعْدِ
فإنّني أطمعُ بالشهادَهْ= وهيَ لدينا غايةُ السعادَهْ
وأسألُ الباري بأنْ يَنتقما= منكُم لما سفكتموهُ مِنْ دِما
قالَ « الحُصينُ » : وبماذا ينتقِمْ= مِنا لكُم والسورُ منكُم ينهدِمْ ؟
فقالَ : يُلقي بأسَكُم بينَكُمُ= وعندَها ويلَكُمُ ويلَكُمُ
وضَعُفَ الحسينُ عنْ قتالِهم= فأفرغُوا عليهِ مِنْ نبالِهمْ
ورشَقُوهُ ثُمَّ بالحجارَهْ= فَهُم لعمري أُمَّةٌ غدّارَهْ
فحجرٌ أصابَهُ في جبهتهِ= أسالَ منهُ دمَهُ في وجنتهِ
فأَخذَ الثوبَ ليمسحَ الدِّما= رَماهُ آخرٌ بسهم سُمِّما (1)