شعلةٌ من سنابلِ كربلاءَ
سنة 2012
أشعلتْني سَنابلُ الطفِّ وجْدا = غيرَ ذيْ راحِ منْ رَفيفِ إكْتواءِ
واسْلَمَتْني لرشْفةِ المّوتِ أقفو = رَعشةَ الحُزن بيْن نَارٍ ومَاءِ
وأنا المُبتلُّ بالجِّراحاتِ أمْضي = وتُرابٌ منْ الطفوفِ إزَائي
يتلظّى ورَشفةُ الدمْع كونٌ = هَدْهدَتْهُ فوّارةٌ منْ بَلاءِ
هيَ عاشوراءُ والدماءُ تدّلتْ = كالفنَاراتِ كالرَؤى كالضَياء
وهيَ "هيهاتُ" نبضُ قلبٍ أبيٍّ = يرفضُ الذلَّ بينَ ضَيمٍ وَ..لاءِ
وبنَهرينِ منْ ضِفافِ قِوَانا = عَتّقَتْنَا مَرافئُ الشّهداءِ
ورَسَمْنا منْ دفقةِ النحْرِ نَهراً = في دِمانا يسْمُو على الأقذاءِ
يا بطولاتِ كَربلا يا عُروجاً = من دماءِ السّماءِ والأتقياءِ
نتفيّا تغلغلَ الجرحِ طِيناً = قد تسَامى على مدى الإنزوَاءِ
كم نشَرْنا مِنَ الوّفاءِ شمُوساً = منْ كفوفٍ تلزُّ نبعَ الوّفاءِ
آثرَ الماءُ أن نراكَ ظميّاً = في تفانٍ يشدُّ قلبَ الإخاءِ
وهو عرشٌ من القداساتِ يُعلي = رايةَ النصْر في هدَى النبلاءِ
فتقاطرْنَ كالضّحايا نجُومًا = تتهادى بثورةِ النُّجَباءِ
ترْدفُ الحقَّ في فداءِ حسينٍ = بشَبابٍ من خِيرةِ الأتقياءِ
آثروا المّوتَ عزةً رغمَ ذلٍّ = مُذْ تبنّوا طريقةَ الأنبياءِ
فتفانَوا بمَدرجِ الصبرِ ذاتاً = في سباقٍ منمْنمٍ باصْطفاءِ
هي ذكراكِ تحملُ الفجرَ وحياً = بينَ دمْعٍ ومحنةٍ وفِداءِ
فانتفَضْنَا لرزئِها تضحياتٍ = تتمنّى للدّينِ رفعَ لِواءِ
وأنا فضّةٌ مِنَ الحُزنِ تماهتْ = في خلايايَ حيرةُ الأجْزاءِ
أنثرُ الوقتَ جَمرةً تتلظَّى = وعلى وجْهِ المسَاءِ مَدُّ بُكائي
يتحَدّى تصَحّرَ الليلِ لونًا = والمواقيتُ يَستبَحْنَ غِنائي
ودمايَا مذبوحةٌ في شجوني = وشجُوني مَوائدٌ مِنْ شَقاءِ
وأنا إبنُ هذهِ التباتيلِ = أقتاتُ من وعْيِ احتمالِ عَنائي
وأنا بعضُ سُورةِ الحزنِ = تنثالُ ضلعاً على كرْبلاءِ
وهْيَ رحمٌ إلى البطولاتِ غنّى = جَاوزَتْنَا لقمَّةِ الجَوزاءِ
وهي رزءٌ مُفَصّلٌ للغيَارى = وصِراطٌ بمَهْمَهِ الغُرَبَاءِ
وأنا خفقُ ومضةٍ من حنينٍ = للطّفوفِ تلمّ دمعَ السّماءِ
أجرعُ الحزنَ في ضفافِ يقيني = نهنهاتٍ بنورسِ الأصْغاءِ
فتواريني صَرخةُ المّوتِ خفقاً = ودمائي مَبتورةٌ في دمَائي
أوقظُ الآهَ رنةً في سُؤالي = هلْ أنا من يذوبُ في الأرزاءِ
حين حنَّيْتُ بالمَداراتِ قلبي = وأدرْتُ على المدَى حِنائي
أم أنا الآنَ كربلاءُ جراحٍ = قد تشَظّتْ على صَدى الأحبَاءِ
مَنْ أنا مَنْ أكونُ يا نبضاَ = توسّطَ القلبَ كاشتعالِ إناءِ
جزتُ روحي وجزتُ طوفانَ بَوْحي = حين نقّبْتُ في خُطا أضوائي
لأراكَ تبثُّنِي الدّربَ حرًّا = وتدلُّني نذورَ عَاشوراءِ
أحملُ الضوءَ في غيومِ ارتحالٍ = لملمَتْهُ حَرارةُ الرّمضَاءِ
شرفةٌ للهدى وللحقّ تسمو = كيفَ تهوي على لظى البّوغاءِ
لتناديني بقيةً من يقينٍ = من ترابٍ خبأتُهُ لاكتواءِ
ها هنا يتنسّكُ التربُ قرباناً = يُصلي مقدّسَ الأشلاءِ
يتسلّى وشفرةُ السّيفِ ظمْأى = وندَى المَاء ضفّةٌ من حَيَاءِ
تعْتريني وغربةُ النّحرِ ترقى = بالشّعاعاتِ حَبيسةَ الأعْضاءِ
كلّما مزّقتْ مِن خلايايَ بوحاً = أسْكنَتْني بدمعةٍ حَمراءِ
نهنَهَتْني بوابلٍ من ضَناهَا = في دمُوعِ الأيتامِ والأبناءِ
ونساءٍ مرمّلاتٍ ببؤسٍ = ليسَ كالرزءِ غربةٌ بنسَاءِ
تندبُ الفجرَ الذي تعطَّفَ بالحبِّ = مذ أبصرَتْ تدفقَ الأضْواءِ
لم تكنْ كربلاءُ إلا وَريدًا = جرّبَتْهُ محاجرُ الآلاءِ
زَرَّرَتْهُ بقلبِهَا البّكرِ تنَاهِيداً = تسْتقِيها صَبابةُ الإغرَاءِ
أيُّ بردٍ سيطفئُ النارَ فينَا = بعدَ أنْ سجّرَتْهُ نارَ دماءِ
تنقشُ الآنَ قصّةَ الجرْحِ طِفلاً = مزّقَتْهُ قسَاوَةُ البغضاءِ
ما سَقوهُ غيرَ الرّدَى كأسَ سَهمٍ = بعداءٍ يَشدُّ قوسَ العِداءِ
وحسينٌ تَضمُّهُ نَهْنهَاتٌ = أرْهَقَتْها مَصَارعُ الشّهداءِ
ووَحِيداً مُغرورقاً أفرَدُوهُ = وبَنوهَ مَسكوبَةُ الأشْذاءِ
وعلى صَدرِهِ الشمرُ تعلّى = يفصلُ الشمسَ عن مُحيّا السّماءِ
أروَى للسّيفِ منحراً من حَكايا = قصةِ المّوتِ في انتِصارِ دماءِ
وطأتْهُ برجْلِها عَادياتٌ = فاغتدَى الضّلعُ منبعاً للضّياءِ
ولهُ زَينَبٌ تمدُّ بكاءً = أشعلَ الكّونَ بالشّجى والبّكاء
فتقبّلْ يا رَبِّ إنْ كانَ يُرضِي = منْ دِمانا واْعظِمْ بهِ مِنْ رضَاءِ
وعَليهَا من الأسَى ذارياتٌ = لا تزالُ حَليفةَ الآلاءِ
قدْ غسَلْنَا قلوبَنا بأسَاها = كالفَوانيسِ لاشتِهاءِ سَناءِ
وانتدَبنَا عُيونَنا بجرَاحٍ = سَامقاتٍ تفيضُ بالأندَاءِ
هي رفضٌ لجولةِ الظلمِ تطفو = وهي فيضٌ بمنبرِ الخُلصَاءِ
ودُروبٌ مزمّلاتٌ بدمْعٍ = أحمَديٍّ على خُطى الزّهراءِ
خذْ قلوباً ممزقاتٍ عليْها = مِنْ دِمَانا مُجرَّداتِ الدّماءِ
خذْ نحيباً تقاسَمَتْهُ البَرايا = بينَ قانٍ ووَاترٍ منْ مَضَاءِ
جئنَ يفديكَ يا ملاذَ يقينٍ = هوَ للهِ في ذرَى الكِبريَاءِ
يا حسَينا وصَرخةُ الحقِّ تَعلو = هاكهَا الآنَ مَوعداً من فِداءِ
تنمُو صبحاً حَقيقةُ الماءِ فيْها = يَرفضُ الليلَ مَرتعَ البّيداءِ
يا أبا الطفِّ والمَرايا قلوبٌ = مُنهكاتٌ تَزمُّ وقتَ البّقاءِ
فعلى رزْئِكَ النبويِّ ينتابُنَا = الوَجَعُ المُضْنِيْ بمشَهدِ الأوليَاءِ
إيهِ يا واعِيةً للطفِّ تنمُو = والجراحَاتُ شظيةُ الأنْحاءِ
سوفَ تبقَى زجَاجةُ الحزنِ مَلأى = بالمَواجيدِ والهُدى الوضّاءِ
وستبقىَ مَحاجرُ الدّهرِ دمعاً = ويواسِي لخّاتَمِ الأنبَياءِ
وستبقىْ لحَيدرٍ فيْ بَنِيهِ = وفؤاداً لفاطِمِ الزّهرَاءِ