أراكَ سخيَّ الدمعِ
سنة 2010
أراكَ سخيَّ الدمعِ يخذِلُكَ الصبرُ = فكم للهوى نهيٌ عليكَ وكم أمرُ
كرعشةِ طيرٍ في المهبِّ لوحدِهِ = به لَعِبَتْ ريحٌ وعاقبَهُ قهرُ
تشرِّدُكَ الأحزانُ نهبَ ذئابِها = توالى عليكَ الجمرُ والثلجُ والجمرُ
أهاجَكَ أحبابٌ حفرْتَ قبورَهم = فعادوا لهُم في كلِّ جارحةٍ حفرُ
فدأبكَ لا تنسى وزَورُكَ دأبُهم = كأنَّ لهُم دَينٌ وفاكَ به عسرُ
وإنْ كنتَ لا تنسى فما تلكَ بدعة ٌ = فكلُّ خَدِينِ الشّعرِ يمطرُهُ الذكرُ
رقيقٌ كأحشاءِ القوافي شعورُهُ = وصلبٌ على النسيانِ معدنُهُ صخرُ
إذا ما تناسى الناسُ أحزانَ وقتِهِمْ = وشاخَ الأسى أحزانُهُ أبداً بِكْرُ
يعيدُ لهُ ماضي الدماءِ خيالَهُ = كأنَّ على تلكَ الدما ما أتى الدهرُ
وتلكَ لأربابِ القصيدِ جِبِلَّة ٌ = على كلِّ مفقودٍ يفيضُ بِهِمْ نهرُ
فكيفَ إذا كانَ القتيلُ قضى ظما ً = "وفي كلِّ عضوٍ مِنْ أناملِهِ بحرُ"
لهُ ميزةٌ أنَّ ادِّكَارَ مصابِهِ = يسلِّيكَ عنْ كربٍ كما يفعلُ السحرُ
يريكَ عذاباتِ الزمانِ عذوبة ً = وينمو على أجداثِ غُيّابِكَ الزهرُ
ويأتيكَ ثم الحزنُ صرفا معتقا = عميقا فلا أمرٌ هناكَ ولا خمرُ
وثاني السجايا أنَّ من ذلِّ أهلِهِ = بأيدي الأعادي يستقي قلبُكَ الحرُ
وثالثُها إنْ أخلقَ الدهرُ وامّحى = تراهُ فتيَّ الخلقِ والغرسُ يَخْضَرُّ
صديقي غريبُ الطفِّ أيُّ صداقةٍ = بها غمرَتْنِي مِنْكَ أفضالُكَ الكُثْرُ
فلولاكَ لمْ أنسَ الذين تركتُهم = ولم يُقضَ من توديعِ أكتافِهِمْ وَطرُ
ولولاكَ لم أحبسْ مدامعَ غصَّتي = بفقدِ الذي أودى بهِ الحادثُ المرُّ
ولولاكَ لم أرفعْ على الضيمِ هامتي = كما يتجلّى فوقَ غيماتِهِ النسرُ
رأيتُ نكالَ الظالمينَ وبطشَهُمْ = بحبِّكَ أحلى ما يفوزُ بهِ الصبرُ
فإنْ قيلَ (قيدٌ) قلتُ زيدوا حديدَهُ = وإنْ قيلَ (قتلٌ) طابَ في حبِّكَ النَّحْرُ
ولكنَّ بأسي في قبالِ شدائدي = يذوبُ إذا ما كانَ في رزئِكَ الصَّهرُ
أنا الصامدُ المعروفُ لكنْ صلابتي = تميدُ إذا ما طافَ في خاطري المُهْرُ
يحمحمُ حتى الصوتُ حيٌ كأنَّه ُ = يهرولُ مذعوراً ويتبعهُ البرُ
فتخرجُ في استقبالِهِ زينبٌ وقدْ = أحاطَتْ بها البلوى وحاصَرَها الغدرُ
تناديهِمُ خجلى وفي صدرِ ذلِّها = تهدَّجَ صوتٌ من خلائقِهِ الكِبْرُ
ترى فوقَ رأسِ الرمحِ شمساً تلامَعَتْ = ولكنْ عليها من ظلامِ الأسى سترُ
تقولُ إليكَ العذرُ عن شحِّ نصرتي = وما للذي أرْدَاكَ يا مُهجَتي عذرُ
ألا أيُّها الرأسُ الذي جزَّهُ العِدى = وفي كلِّ بيتٍ من قصائدِهِ شطرُ
وما مرَّ إلا وانحنى كلُّ شاهقٍ = عليهِ ومالَ النجمُ وانشطرَ البدرُ
مصيبةُ معناي الذي حرْفُهُ دمٌ = وفرحة ُ مغنايَ الذي لحنُهُ درُّ
حديثُكَ لي عبرَ التواريخِ مُؤْنِسي = ومنبعُ إلهامي وأنتَ لهُ سرُ
عليكَ سلامُ اللهِ ما دارَ كوكبٌ = وما وقفَ التاريخُ وانتصبَ الحشرُ
هناك يرى الباغونَ سُود أكفِّهِمْ = وأوجهُهُمْ بالرعبِ تذوي وتَصْفَرُّ
هناكّ يرى العشَّاقُ بِيضَ قلوبِهِمْ = طيوراً إليها اللهُ بالودِّ يفترُّ
فلا عذَّبَ اللهُ الذي صَبَّ أضلعي = بحبِّكَ حتى شِيدِ في جوفِها قبرُ
فيقصدُنِي الزوَّارُ من كلِّ ملةٍ = يرَوا قبةً خضراءَ شيَّدَها الشِّعرُ
هما الأمُ لا أنسى مدى العمرِ رضْعَها = مع الأبِ أحْيَتْنِي مدارسُهُ الغرُّ
فيا ربِّ أجزِلْ بالعطاءِ جزاهُمَا = وإنْ قلَّ منِّي في حقوقِهِمَا البرُّ