الجذوةُ التي لا تخبو
سنة 2009
طافَتْ بنا الذكرى على يومِ القضا = ومضَتْ على سمعِ الزمانِ تُهذِّبُ
بحرٌ ليغرفَ مَنْ رأى في لبِّهِ = إنَّ الحقيقةَ نورُها يتشعّبُ
وبريقُها الآخّاذُ يوغلُ في النهى = ويجوبُ أوردةَ الفؤادِ فيعذِبُ
لا لن يمرَّ بها الردى بسيوفِهِ = أو يدنو من تلكَ القلاعِ مخرِبُ
ولسانُها فوقَ الرؤوسِ مجلجلٌ = يفري الطغاةَ إلى النُّهى يتسرّبُ
هذا يزيدٌ قد مضى لا رجعةٌ = وعليهِ ويلاتُ الدهورِ تَنَكّبُ
لا ذكرى لا حسٌّ لهُ في دارِهِ = وبقى حسينٌ للرسالةِ يكتبُ
يذكي بجمرِ الدمِّ كلَّ حواسِنا = ويقودُنا بدمِ الفؤادِ فنشربُ
وتموتُ آفاتُ الزمانِ وعرشُها = يبقى حسينٌ بحرُنا والمركبُ
ومضى الحسينُ من المدينةِ قاصداً = نحوَ الحتوفِ إلى الحقيقةِ يذهبُ
والركبُ في جوفِ الليالي قد سرى = وتنوءُ مكةُ والبقيعُ ويثربُ
وتكلَّمَ التاريخُ "عينُ الشمسِ لا = يجري سناها والسّنا يتصبّبُ"
ركبٌ تُحيطُ بهِ الفتوحُ وخيبرٌ = سربُ الحمائمِ في الذرى إذ تطربُ
هذا محمدُ والخنادقُ ترتمي = هذا عليٌ للوغى يتأهّبُ
هذا لواءُ الحمدِ يخفُق هازجاً = والبيدُ تُزهِرُ والمسالكُ تعشبُ
هذا ترابُ الطفِّ ينشدُ صائحاً = إني إلى صرحِ المُنى أترقّبُ
أبقى ملاذاً فوقَ أفقي قصةً = دمُها المسالُ كواكبٌ تتلهّبُ
دارَتْ نجومٌ حولَ شمسِ مدارِها = صلى عليها العرشُ إذ هيَ تشخبُ
سقطَ الإباءُ لكي ينيرَ دروبَنا = وأمامَهُ الحقُّ المكلّلُ ينجبُ
هلعَتْ قلوبٌ كالبحارِ خوافقٌ = إذ أقبلَ المُهرُ المدمّى ينحبُ
وهوَتْ ضمائرُ جيشِهِمْ في هوَّةٍ = لا بلْ ظلامٌ قد حواهُ غيهبُ
لا لنْ تمرَّ النائحاتُ بزينبٍ = والصبرُ من صبرِ العقيلةِ يعجبُ
هذا فؤادٌ قد تفتَّتَ بالأسى = في العمقِ يبكي دمُّهُ يتعطبُ
وتراهُ عملاقاً يلملمُ دولةً = حملَتْ لواها لبؤةٌ تتوثبُ
غربَتْ شموسُكَ يا يزيدُ برميةٍ = في نطقِها المسنونِ ذاكَ الأهيبُ
مأسورةٌ مكلومةٌ لكنَّها = حفظَتْ أريجَ الدينِ كي لا يسلبُ
هذا حسينٌ آتياً بمشاعلٍ = تُهدي إلى الأحرارِ ثوباً يقشبُ
إنْ نمْتَ يا أزكى الوجودِ بِحرِّها = دقّتْ نواقيسُ الفؤادِ تُرحِّبُ
إنْ سالَ دمٌّ من جراحِكَ في الثرى = فالكونُ يبكي والبسيطةُ تنحبُ
إنْ باتَ عبدُاللهِ فيها طاوياً = أحشاه في ضنكِ الخطوبِ يُعذَّبُ
فالماءُ دفقُ الكونِ مزناً منهلاً = يهمي على القلبِ الصغيرِ فيشربُ
رأسٌ مُعلّى شامخٌ متورِّدٌ = من فوقِ رمحٍ ثاقبٍ يتشهّبُ
وخريطةُ الدنيا إليكَ سلامُها = تدنو إلى الجرحِ العظيمِ وتعصُبُ
تلكَ هيَ الأمجادُ، ضدُّكَ طامسٌ = إنْ يطلبوا الدنيا فحتماً تهربُ