سطا حسنا فأذعنت اضطرابا = حريٌ بالمحاسن أن تهابا
وما المقدام في الهيجا ولكن = إذا ورد الجمال وما تصابا
وإني للمشوق وما حبيبٌ = فكيف إذا أنست به وغابا
وحسبك بإدكار البين أني = من التحنان أفتقد الغرابا
أوافى حيث ما نُعتت طلولٌ = وبي جسد عن الأطلال نابا
يخال من ارتآه وقوف دمعي = بخدي شاعرا ينعى خرابا
كأنيَ والورى حادٍ وعيسٌ = أحن شجاً وتتبعني طرابا
إذا ما قلت ويح البين ظنوا = بإن الوصل قبل البين طابا
وما غبطوا سوى غفلات دهر = مضت كأنامل تُثنى حسابا
عشية حل عِقد الدمع ظبيٌ = أحال دم الأسود له خضابا
توطن مذ رأى رمشي كناساً = بقلبٍ للمراح ذراه غابا
فأخلى الأذن حاسدةً لطرفي =ومن عقلي فؤادي مستغابا
عيونٌ أسرجت بفتيل رمحٍ = يقوّم غنج مشيته غلابا
فلولا الدمع برّد ذي لذابت = ولولا العظم أمسك ذا لسابا
تثنّى بالصليب ولو تثنى = لمفتي صلب عيسى لاستتابا
خلى أن ابن مريم كان يحيي = ملامسةً وذا يردي اغترابا
ومما هال أن تكسوه لطفاً = ملامح لا ترى إلا غضابا
وأن يعيي اللسان وفيه معنىً = يغادر أي جارحة مصابا
فلم أر قبل عطرٍ ذاع منه = أناسا ً بالأنوف حست شرابا
ولا من بعده لرخيم صوتٍ = مسامع معشر لثمت هضابا
مليك صوت حاجبه خفير = بأهدابٍ له اصطفت حرابا
أحابي ما بوسعي منه دلاً = وهل خلقٌ بذي دلٍ يُحابى
يقول ألست ممن قال زهداً = أبرّ الناس من عق الكعابا
وما هو من يريد النصحَ لكن = تحرى الحق باطلهُ ذعابا
فقلت له معاذ الله مهلاً = حذار من الفهيم إذا تغابى
بلى قد ثاب زهادٌ لرشدٍ = ولكن لا كمن بالحسنِ ثابا
وإنيّ للذي فقِهت أناس = ورقّ فكان أوسعهم جنابا
إذا ما العقل أعياه سؤالٌ = عرفت بهاتف القلب الجوابا
أنام على أنينٍ من ندوبي = منام من افتدى طه انتدابا
منام أبي الحسينِ قرير عين = ومن قوسين كان الموت قابا
عشيةَ للدما ظمأت قريش = ففجر من دم الهادي سرابا
تخاتله المنون ويتقيها = بنفسٍ تشرئب لها طلابا
سكينة جنبه بفراش طه = سكينة صارمٍ للغمد آبى
فتى فيه الإله رمى بطعمٍ =وحسبك طعمة كانت عُقابا
يشق بنومه طه الفيافي = كما شقت عصا موسى العبابا
وما من قبله آذان قوم = سمعن بنائمٍ يحدو ركابا
منامٌ فاق عند الله ليلا = قيام الناس كلهم ثوابا
أغار على الزمان به يتيمٌ = تبنى الخلق هدياً وارتبابا
فعاد حصاره في الشُعب فتحاً = وأضحى غار هجرته رحابا
فتى مات الأنام وشاخ دهر = وما انفكت مآثره شبابا
يرددها المحب إذا تغنى = ويحييها الحسود إذا أعابا
وهل في بردة الأرض احتجابٌ = لمن كان الزمان له إهابا
فكم من وقفةٍ لي قد تلاحى = بها الخصمان دمعيَ والصحابا
تخال على ثراه بها عظامي = معاقل خيبرٍ إذ هز بابا
أمد من الضلوع له ذراعا = وأضرب رمش أجفاني طِنابا
بوادٍ للقلوب به عيون = يخيط بهديها العمي الثيابا
حوى علم الكتاب وكان ظفلاً = فبات لحوزة العلم القبابا
وضم الجود ماحله فأضحت = صباه لكل مجدبةً ربابا
ثرىً أحيت دوارسه بياني = كما أحيت معالمه اليبابا
كأن نسيمه وهموم صدري = نهارٌ ضوءهُ خنق الضبابا
يحطّ به الرحال على غمارٍ= إذا ما الطرف سار إليه كابا
لأروع أفزع الأيام حدبا = وبالصمصام أثخنها طبابا
تقضض من مهابته البرايا = تقضض صفحة الورق التهابا
وعن إدراكه تقف المعاني = وقوف الصب لم يسطِع ذهابا
أغرٌ ذكره وِرد ودأبٌ = لمن كان الجميل لديه دأبا
من القوم الأُلى حِرفُ المعالي = تجارتهم فما برحوا اكتسابا
فناءُ بيوتهم يقري اليتاما = وسوح وغاهمُ تقري الذئابا
إذا استلوا صوارمهم لحربٍ = تحسست الأكف بها الرقابا
وإن أعشى العقول جليل خطبٍ = أقالوا خط عثرتها خطابا
أنامٌ ما لقادرهم عتوٌ = ولا مخذولهم في السعي خابا
تراهم رغم زهدهمُ ملوكا = ورغم تواضعٌ منهم هضابا
على الآلاء صائحهم ينادي = وبالملهوفِ سامعهم أهابا
ودون كهولهم في الجد مُردٌ = كقطرٍ يؤنس العين انصبابا
أنامٌ حاول الأمجاد قوم = فأعيوهم وأعيوها اعتقابا
نماهم كل مفديٍ بذبحٍ = وكل أبٍ له شكر المصابا
ومن هشم الثريد قرى سنين ٍ = بها لم تطعم النار احتطابا
ومن أدلى بزمزم بعد غورٍ = فأجرى السحب من يده قرابا
وشيخٌ منهم في الناس أضحى = على البطحاء للحرم النقابا
وفي العقبى لهم أسدٌ بعدنٍ= وطيار مع الأطيار جابا
وهم في الله من نصروا ببدر = وعام الفيل من لهم استجابا
أنام لو وزنت الناس طراً = بهم في الفخر ما عدلوا ذبابا
أقام الوحي بينهمُ عزيزا = تلوك عداه أكباد صلابا
أعمهم الثناء وبعد طه = أخص الأنزع البطلَ المهابا
أخص مكرّم الوجه المرجّى = إذا ما الصبر يوم الروع شابا
وذا النبل الذي لؤمت خصومٌ = ولم تقطع لمنته ارتقابا
ومن حكم الدنا ما جار لولا = شكاية وصلها منه اجتنابا
ففي طمريه أخلقها كفافاً= وعن قرصيه أرهقها خلابا
وحسبك حاكما دون الأعادي = بمخلب عدله صُرع انتشابا
إمام ذاب في الإيمان حتى = غدى لزكاة أهليه النصابا
رسول الله نشأه اصطفاءاً = وبيت الله قمطه انتجابا
وأبناءٌ له لا غير كانوا = بدين الله للعلم العيابا
ومن كانت له الزهراء روضا = فقد أجرى الينابيع العذابا
وما حسبٌ تطاول بي إليه = ولكنّي بقية من أنابا
نسبت له هوىً فعرفت أنّى = يمد النبت للغيم انتسابا
وصغتُ له المديح فآب شعري = بحلو مذاق ما بالكأس ذابا
ولي قلب إذا قالوا عليٌ = كطير نام وانتبه ارتيابا
يرفرف في الضلوع بلا جناح = ويلهث دونما ساق وثابا
كأن حصاته للنار زندٌ = أطارت سقطه عيني انتحابا
كأن نياطه شرَكٌ للفظي = تبز لهاتي الحرف اجتذابا
كأن بطينه عنقود كرمٍ = أسالت كف عاصره اللبابا
كأن وثوبه أملٌ لعاف = بباب المرتضى يشكو سغابا
فوا عجباً لكف منه كانت = لموت المرء ترياقاً ونابا
تجفف مدمعاً بالمسح آناً = وآونة تجففه احتلابا
يدٌ لولا صلابتها لأضحت = لمرعى العشب راحتها شعابا
لها في غيهب الهيجاء غمد = يسيل الصبح من فمه لعابا
لذي قرنين صب على الأعادي = كذي القرنين صاحبه العذابا
يزلزل حمله الأرض اذراعا = وعن شغبٍ يوطدها اعتصابا
حسامٌ ما انتضته الكف إلا = تلبس سمع رائيه النعابا
يكاد خياله للروح مما = تعوّد أن يسابقه استلابا
يعزّره على الجلّى لسان = يجرد في ضلالتها كتابا
لسانٌ في البيان يجر شوقا = إلى إسهابه النفس اقتضابا
ألان له حديد الحرف عقل = أذاب الروح لا قِطرا مشابا
و حدّة فطنةٍ في الذهن إن لم = تكن بصراً فكالبصر انقلابا
على خطراتها ترد المعاني = ورود الناس للبيت احتسابا
لسان ما حكاه سوى حسام = له لولا تثلمه ضرابا
كأن الأذن إن ألقى خطابا = ظلاما قد قذفت به شهابا
ولست معاضلا في الشعر لكن = لحيدر قد ركبت به الصعابا
أقول القول أحسبه عجيباً= ويبدي نقضه العجب العجابا
فأشجع من شجاعته انهزام ٌ= لحقٍ فيه قد جاف الرغابا
وأبلغ من بلاغته سكوتٌ = غداة لإرثه وثبوا انتهابا
فيا لك واحداً فدّى جميعا = ويا لك أمةً يشكوا اغتراباً
ويا لك مسطعا لم يلق أذناً = فأخجل صمته الدنيا عتابا
لعمري قد أصاب الدهر ذنبٌ = بهضمك والورى كان العقابا
فبات كظامئٍ في البرد يذكي= لهيبا ثم يستسقي السحابا
إذا ذكر الغدير عراه شوقٌ = لصنع فضيلةٍ والحال يآبى
فليتك ما وضعت السيف إما = ضلال الكل أو ركبوا الصوابا
وحاشى أن أرد عليك حكماً = ولكني وجدت الصاب صابا
أُرى والغيظ فيّ يغيظ حلماً = ويحسب أن جبنا فيّ رابا
بصدر الناس في طخياء عمت = رؤوسهم زماناً والذنابا
وما التاريخ إلا نقر ماءٍ = قد اتسعت دوائره انسيابا
وهيهات افتتاني عنك حسبي = وفاءاً صقل دنياي القضابا
أُمحص في هواك بها فأجلى = جلاء التبر إن نفض الترابا
على عهد المناقب بي وإني = لمن يأبى الحفاظ له إيابا
أحدق بالخطوب ولي جفونٌ = متى انطبقت كشفت بها الحجابا