خليليَّ غاب النَّجمُ واتَّضحَ الفجرُ
الشيخ أحمد البلادي
خليليَّ غاب النَّجمُ واتَّضحَ الفجرُ=أما لكَ بالأحباب مذ رحلوا خُبر
عسى ولعلَّ البانَ ينبيكَ عنهمُ=إذا جُزتَ مِن بدرٍ وقد طلع الفجر
ألا فأسألِ الوكر اليمانيَّ وقفةً=على عتبات الكرخ إن عارَض الجسر
وإن جزتَ بالنَّعمان فانعمه برهةً=تحيَّةَ مشتاقٍ يُروّعه الهجر
أذوبُ اشتياقاً في هواهم ولم أزل=يُحرّكني وجدٌ ويُحرقني جمر
فما خاطِرُ الخابورِ مهما اشتكى النوى=بأجزع منّي ليت لا غيّرَ الدهر
أما قال ربُّ اليأس عن وصل خِلهِ=إذا متُّ عطشاناً فلا نزلَ القطر
عزيزٌ على عيني تراهم شعائباً=وناديهمُ خالٍ ومَعهدهم قَفرُ
بني الأكرمينَ النّيّرينَ ومَن بُني=لأجلهِمُ البيتُ المُعَظم والحِجرُ
وبعدهُم الدنيا على النَّاس أظلمت=وضاقَ الفَضا حتى كأنَّ الفضا شبرُ
لهم وقعةٌ لو أنَّ معشارَ عشرها=ألمَّ بقلب الصَّخر لا نصدع الصَّخر
مصابُ حسين بالفرند الذي جرى=على نحره لما به فتكَ الشمرُ
جثى جثوةَ الكلب العقور بنعله=على صدرِه وَهوَ المُؤَمَّر والصَّدر
وميّز منه الراسَ في ساعةٍ بها=تداعت سماء المجد وانهدم الفخر
وعلاه مثلَ البدر لو أن بصرته=فوَيقَ القنا يبدو لقلتَ هو البدر
قضى الله أنّ ابن النبيّ من الظّما=يموت وعن جنبيه دجلةُ والنَّهر
ولم يُروَ إلا من مُورّد نحره=له منحرٌ من سائل الدَّم مُحمَرُّ
قتيلٌ بلا جرمٍ قضى الجودُ إذ قضى=وبحر ندىً قد جفَّ واحتبسَ القطر
مُقَطّعُ جسمٍ شَقّت الشمس جيبها=عليه ومنها في العزا يُنشد الشعر
وناحت له الأفلاك وانقلب الملا=وَحَنّ عليه النَّهيُ وانتحبَ الأمرُ
وَحَنَّت له الأملاك في أفُقِ السما=وسُوّدَت الأيامُ واستوحش الدَّهر
وزينبُ تدعو واحسيناه قد قضى=بِحَدّ المواضي لا غياثٌ ولا نصرُ
أخِي كسرتَ قلبي مصيبة كربلاء=بذبحكَ كسراً ما ألَمّ به جبر
فَتى حيدرٍ يا غايةَ الخلق في الورى=ويا مَن إليه يرجع النّهيُ والأمر
ويا من له في جنة الخلدِ في غدٍ=تُزَفُّ الحسانُ الحور والسندس الخضر
فكن للعُبَيدِ القِنّ أحمدَ شافِعاً=متى كانَ لا زيدٌ بمغنٍ ولا عمرو
كفاكَ مديحُ الله حسبي وإنّني=أُجلّكَ عن مدحٍ يصوّرُهُ الفكر
ولكن دعاني الشوقُ والحبُّ والهوى=فطابَ ليَ المغنى ولَذّ ليَ الشعر
سلامٌ عليكم ما أظلّت غمامةٌ=وما انهلَ منها فوق أجداثكم قطر