بأيكما أبكي ومن ذا أجاهد = وكلكما ماضٍ وكليّ فاقد
فلا أنت لما شتت الدهرُ واصلي = ولا الدهر لما كان وصلك عائد
لإن كنت ترعى بالوداع تجلدي = فما كل محمول على الكتف ساعد
وحسبُك من عهد إذا ما ذكرتُه = يلين له جنبي وحظي يعاند
تكاد له روحي تُمس من الجوى = ويُسجر من وجدي به ما أخالد
بكيت وما السِلوان بالدمع والبكا = ولكن طرفا لا يراك يُحادد
وقوفاً على الأطلال من جانب اللوى = كأني بقايا خلفتها المعاهد
أفيض من التحنان ما لاعج الحشى = وما ليس أم تحتويه ووالد
فيأنس شجوي كل صب ومولهٍ = ويجزع وجدي ثاكلات وواجد
إذا ما أراني السعد يوم فإنني = تساوى مثناً في عيوني وواحد
فما عاد سعدي أن أروم من المنى = ولا عاد نحسي أن تحول النكائد
فعني معاذ الله دونك والهوى = فما العز إلا أن تُعز المقاصد
ودوني دارات تنكّر أهلها = جرى العُرف فيها أن تبلّ الجلامد
وقم نجتدي بالله من دار أحمد = منازل ربع كلهن محامد
منازل ربع عاصرتها دوارس = وهن على مر الزمان خوالد
لآل رسول الله فيها مضاجعٌ = ومن محكم التزيل عنها موارد
ذرتها السواقي حِجة بعد حجة = وأضوت عليها البارقات الرواعد
وصلى عليها الله ما يمم السُرى = ركائب للبيت الحرام تعامدوا
ديار لعلامين من آل هاشم = بهم حق أن يزهوا على النجم رافد
أصعّر خدي ما تلاقى ووردهم = وألثم ما بانوا محلاً تواردوا
وأنثر من نظمي عليهم قصائداً = حِضارُ المعاني في سِواها شوارد
هم النفر البيض الذين بحبهم = وعيدٌ على أجر النبي وواعد
هم العروة الوثقى هم النور والهدى = هم المصطفون المجتبون الأماجد
أعز بني الدنيا وأكظم من وطى = وخير من أعتدت إليه الأصايد
فيا قاصداً تلك المناسك و الربى = بمرقالة يحدو بها السير واخد
أقلهم سلاماً عرض البين دونه = وما حملت نجواه عني المراود
وعرج بها عند الغري وقل أيا = مسجىً به جائت تلوذ الطرائد
ويا من ببيت الله مهدّه السنا = ويا من ببيت الله واراه لاحد
ويا من على الجادي تصدق راكعا = ووافى المنايا صائماً وهو ساجد
ويا فارس الدنيا ويا خاطر الورى = ويا من به ذلّت لطه الشدائد
عجبت لسر فيك ضمنه الثرى = إلى الآن لا يُدرى وفيه نناقد
وحرت أعي كنهاً لجوهرك الذي = تبدى وما يبدو لعين تشاهد
أيا جامع الأضداد والشرّد التي = محال مثانيها بنفسٍ توارد
تخالف فيها الناس كل سجية = ومن غير جَهد حزت ما فيه جاهدوا
فكف نداها الجود والضرب بالوغى = وبأس بطبع فيه رقّت مخالد
ونفس تجلى في مهابتها الحيا = وحلم توازى فيه عزم يجالد
وعيبة علم ينتهي كل مذهب = إليها وعنها بت متن وساند
و مربوع تغضي دون هامتك العلى = وأنزع مقدام ومبطان زاهد
وأروع خواض لكل مهولة = ونساك محراب تواراه عابد
وسيان فصل في لسان وصارم = فكلٌ على كشف الملمات نافد
وفيك تساوى ظاهر بان للورى = وباطن لا يبدوا فكل أباعد
تعاظمت حتى لا مقام لنازل = إزاك ولا ذكر لغيرك صاعد
وأنكرت ذات جل بالله قدرها = وقرّ لها بالفضل غال وجاحد
وآثرت حفظ الدين بالصبر بعدما = أقمت لنشر الدين سيفا يجاهد
ورحت إماماً رغم عزلك مثلما = عن النصر لم تمنع وطرفك رامد
فكنت على الحالين أولى خلافة = وكنت بها الأجدى وإن حال حائد
وإني أقمت الفكر دهراً فلم أجد = كمالاً بلا نقص ولته الزوائد
فلله يا يوماً بخم له على = دقيق المعاني في النفوس شواهد
تمثلت فيه الدهر أنّى تقلبت = نوائبه والخلق أنى تواردوا
فلم أرى يوماً مثل يومك في الورى = تفرق دون الحق فيه حواشد
وما خلت حتى أصقلتني تجارب = بأن أشر الخلق في الناس حاسد
فمن بعد أشياخ تبايع نصه = تأول في الآي المبين ولائد
وناكر بالمعروف من كان عارفاً = وناكث من بالأمس كان يعاضد
عليك أبا ترب وللدهر غاية = عوائدها أن لا تدوم العوائد
تناهى بكظم الغيض كل موحد = وأرزى به عيش وضاقت فدافد
يرى إرثكم نهباً يباح وحقكم = يفيء به دون الولاة الطرائد
فيختم مروان برسم خليفة = ويرأس في جيش الفتوحات خالد
وأنت حبيس الدار بالحلق غصة = تبوح بها طورا وطوراً تخالد
فلو أنت تخفيها فما ثم مدرك = ولو أنت تبديها فما ثم فائد
تناقضت الأسباب عند ذوي الحجى = وشذت عن الأحكام فيها القواعد
فجاهرت الدنيا لخلعك إمرة = وفاطم سراً شيعتها اللواحد
وأنت الذي لولاه ما أسلم الملى = ولولاه ما شِيدت لدين عمائد
ولما توارى لاحق إثر سابق = وفيك على من حل قِدماً تعاقدوا
تجمل أقوام عليك ببغيهم = و كفر أقوام لواك وحاددوا
وجاء ابن حرب يدعيها خلافة = إليه وهل أعطى العطية فاقد
فيا قلب لا هانت عليك مواجعٌ = ويا عين لا ضمت كراك المراقد
ولا قر في نفسي سكون ولا اشتفى = بي الصدر من غيظي ولا خف واقد
إلى أن يقيم الله في الأرض حجة = وقائم في أمرٍ إلى الآن قاعد
فيبسط باسم الله أرضاً بصارم = تكاد له تطوى الطباق الشدائد
وفتية حق هان في الروع حتفهم = تلين لهم قبل القلوب الحدائد
يرون اصطكاك البيض والسمر بالوغى = حسانا تلقتها بلهف خرائد
فيثنى لهم بالأرض شرق بمغرب = ويقرن بالجوزاء عنهم عطارد
غطاريف من إنس يحاذر طيفهم = إذا خلفوا الأشلاء جان ومارد
هناك أطب نفس وأرقأ عبرة = وأشفي غلياً ذاب جراه جامد
وقد طوعوا الدنيا كراء وكبرت = على شارف الآفاق فيها مساجد
فعني أبا ترب نجيبة شاعر = يباطن ما يخفى تقاً ويكابد
إذا ما رئاء الناس ظنوا بأنه = خلي من الشكوى جسور وجاسد
وما كل من بانت ثناياه باسم = وما كل من ضم الوسادة راقد
وقالوا ترابي طريف به الهوى = فقلت لعمري بل طريف وتالد
وقالوا غليط طوّع اللفظ واجداً = فقلت وما طاعت بلفظي المواجد
فخذها قريضاً أتهم الدهر دونها = مثاني صداها في الزمان فرائد
أذكي بها الأبيات في غيهب الدجى = فتزهوا كما لاحت بليل فراقد
عليكم سلام الله يا معشر الهدى = بمجرى صلاة ما حصتها حواصد