محراب الوجود
السيد حسين العبد العال
خَضَّبْتُ قَلْبِيْ مِن نَدِيِّ دَوَاتِي = وَنَظَمْتُ مِن نَبْضِ الهَوَى كَلِمَاتِي
وَبَثَثْتُ مَا بَيْنَ السُطُورِ صَبَابَتِي=وَجَمَعْتُ فِي زُمَرِ الحُرُوفِ شَتَاتِي
وَقَطَفْتُ مِنْ وَلَهِ السِّنِيْنِ قَوَافِيًا = بِعِدَادِ مَا عَمَّرْتُ مِنْ سَنَوَاتِ
وَقَضَيْتُ عُمْرِي فِي حُرُوفِيَ مُلْهَمًا =مَا بَارَحَ الشِعْرُ العَذُوبُ لَهَاتِي
وَرَحَلْتُ فِي عَرْضِ البُحُورِ أَجُوبُهَا= بَحْرًا فَبَحْرًا وَالهَوَى مِرْسَاتِي
وَجَعَلتُ مِنْ لُغَةِ الغَرَامِ قَصَائِدِي= وَنَبَذْتُ عَنْ فَنِّ القَصِيدِ لُغَاتِي
لَمْ اَسْتَطِعْ وَصْفَ الشُعُورِ بِذَاتِيْ= لَكِنَّنِي بَعْدَ اللتَيَّا وَ التَّي
فَطَفِقْتُ اَبْحَثُ فِي خَفَايَا أَضْلُعِي = عَنْ اسْمِ مَن قَدْ تَيَّمَتْ أَبْيَاتِي
عَنْ اسْمِ مَنْ قَدْ أَيْقَظَتْ بِبَرِيقِهَا = نَجْمِي المُجَدَّلَ فِي سَمَاءِ سُبَاتِي
عَنْ اسْمِ آسِرَةٍ غَدَتْ أَقْيَادُهَا = وَتَرًا تَرَاقَصَ عَازِفًا آَهَاتِي
فَوَجَدتُهَا شَمْسًا بِمَشْرِقِها بَدَتْ = صَفْرَاءَ يَخْطِفُ نُورُهَا نَظَرَاتِي
يَا قُبَّةَ الحَسَنِ المُفَدَّى مَوئِلاً = قَدْ صِرْتُ فِيْكِ مُوَزَّعَ الذَّرَاتِ
يَا آيَةَ الحُسْنِ التَّيِ بِسَمَائِهَا = تَهْوِي الكَواَكِبُ سُجَّدًا بِصَلاةِ
فِي لَيْلَةٍ أُمَّ الوُجُودُ بِنُوْرِهِ = وَالكَوْنُ أَحْنَى رَاكِعًا لِلآتِي
قَدْ صِرْتِ مِحْرَابَ الوُجُوْدِ وَقُطْبَهُ = وَمَدَارَهُ يَا قِبْلَةَ القِبْلاَتِ
خَرَّتْ لَكِ الأَمْلاكُ مِنْ فَرْطِ الهَوَى = لِتُلامِسَ الأَعْتَابَ بِالقُبُلاَتِ
لِتَطُوفَ سَبْعًا حَوْلَ سَامِرَّا التَّي = أَمْسَتْ بِحَقٍّ كَعْبَةَ البَرَكَاتِ
خَشِعَ الوُجُودُ وَسَبَّحَتْ أَمْلاكُهُ= وَالعَرْشُ نَادَى الأَرْضَ بِالبَهَجَاتِ
وُلِدَ الزَكِيُّ العَسْكَرِيُّ فَكَبِّرِيْ = وَاسْتَقبِلِي المَوْلُودَ بِالصَلَوَاتِ
فِي عَالَمِ المَلَكُوتِ كَانَ وَلَمْ يَزَلْ = تَسْبِيحَ عَرْشِ اللهِ فِيْ الجَنَّاتِ
فَعَلا "لِسِدْرَةِ مُنْتَهًى" كَمُحَمَّدٍ = أَغْشَى فَأَبْصَر اَكْبَرَ الآيَاتِ
وَتَنَزَّلَتْ لِلأَرْضِ سُورَةُ مَوْلِدٍ = فِيْهَا القَدَاسَةُ اَبْلَغُ الكَلِمَاتِ
قَدْ جَاءَ يَمْلَئُ بِيْدَ أَفْئِدَةِ الوَرَى = غَيْثُ الغَرَامِ بِوَابِلِ الرَّحَمَاتِ
قَدْ جَاءَ نَبْضًا لِلوُجُودِ مُسَبِّحًا = يَا كَوْنُ سَبِّحْ إنَّ نَبْضَكَ آتِ
قَدْ جَاءَ مِشْكَاةً تَفْشَّى نُوْرُهَا = تُنْجِي البَسِيطَةَ مِنْ دُجَى الظُلُمَاتِ
بَسَطَتْ إِلَيْهِ الأَرْضُ كَفَّ مُبَايِعٍ = أَحْنَتْ إِلَيْهِ الثَّغْرَ بِالقُبُلاَتِ
هَاذِي الجِبَالُ تَدَكْدَكَتْ مَحْنِيَّةً = تَهْوِي إِلَيْهِ بِعَالَمِ السَّجَدَاتِ
وَ مَنَاهِلٌ بِالسُّحْبِ أَمْطَرَ خَمْرُها = فَالعِشْقُ خَمَّرَ هَاطِلِ القَطَرَاتِ
ثَمِلَ الثَرَى مِنْهَا فَأخْرَجَ زَرْعَهُ = نَبْتُ الوَلاءِ فَكَانَ خَيْرَ نَبَاتِ
وَتَنَزَّلَتْ آَيَاتُ رَبِّكَ بِالسَّنَا = فِيْ ابْنِ النَّقِيِّ خِزَانَةِ الآَيَاتِ
إِنَّ الجَلِيْلَ وَكُلَّ أَمْلاَكِ السَمَا = صَلَّوا, فَصَلُّوا أَقْدَسَ الصَلَوَاتِ
يَا سَيِّدِي كَمْ فَتَّنِي شَوقٌ إِلَى = ذَاكَ المُغَيَّبِ فِي عِدَا السَنَوَاتِ
يَا سَيِّدِي كَمْ فَتَّنِي شَوقٌ إِلَى = رُؤْيَا وَلِيدِكَ فَاسْتَمِعْ لِشِكَاتِي
وَاسْمَع لِنَجْوَايَ التِي سَطَّرْتُهَا = تَطْوِي مُنَايَ وَتَحْتَوِي آَهَاتي
فَإلِى المُؤَمَّلِ مِنْ سُلالَةِ أَحْمَدٍ = وَإِلى المُغَيَّبِ خَاتَمِ السَّادَاتِ
وَإِلى مَنَارِ الكَوْنِ فِيْ حَلَكِ الدُجَى = وَإِلَى ضِيَاءِ اللهِ فِيْ المِشْكَاةِ
إِنِّي سَكَبْتُ هَوَاكَ فِيْ قَلْبِي دَمًا = فَانْسَابَ فِيَّ مُنَاغِمًا نَبَضَاتِي
وَنَقَشْتُ اِسْمَكَ فِيْ فُؤَادِيَ آَيَةً = فَأَنِسْتُ بِاسْمِكَ فِيْ صَدَى الخَفَقَاتِ
وَنَشَقْتُ أَنْفَاسِي بِذِكْرِكَ كُلَّمَا = هَبَّ النَسِيْمُ فَسَبَّحَتْ شَهَقَاتِي
وَرَسَمْتُ ظِلَّكَ فِي بُحُورِ تَأملِي = فَتَفيَّأتْ بِظِلالِهِ كَلِمَاتِي
وَبَحَثْتُ عَنْكَ أَجُوبُ كُلَّ مَدَائِنِي = وَثَنَيْتُ نَحْوَكَ مَقْصَدِي وَجِهَاتِي
فَلَئِنْ قَضَيْتُ وَمَا رَأَتْكَ مَحْاجَرِي = وَلَأِنْ هَلَكْتُ وَمَا ظَهَرْتَ لِذَاتِي
فَكَفَانِيَ الفَخْرُ العَظِيْمُ بِأَنَّنِيْ = أَفْنَيْتُ فِي نَجْوَكَ كُلَّ حَيَاتِي