مناسبة القصيدة:
كنت أستمع إلى الخطيب الحسيني الشيخ جعفر الإبراهيمي حفظه الله فذكر قصة أحد زوار الإمام الحسين (المشاية):
التقته أحدى الفضائيات التي كانت تغطي الحدث وقالت له: من أي المدن أتيت؟
الزائر: مدينة العمارة.
الفضائية: يبدو أنك قد خرجت متأخرا...
الزائر: لا، أنا خرجت مبكراً، وقد وقع انفجار انتحاري في الطريق الذي أسلكه، فقررت الرجوع لكي أصطحب أولادي حتى يسدوا نقص الزوار الشهداء، وها أنا مع أولادي نكمل المسيرة... (انتهى كلام الشيخ)
تصورت الموقف البطولي لهذا الزائر فلم أتمالك نفسي فبكيت وبدموعي كتبت قصيدة التحدي التي بين أيديكم...
التحدي
الزائرُ الثائرُ من مدينة العمارة
يمشي على رجليهِ في النور وفي الظلامْ
وقلبُهُ قد سبقَ الجسمَ إلى منارة الإمامْ
ما أروعَ الزائرَ والمسيرَ والمنارة
يسير فوقَ الشوكِ والألغامِ والقنابلْ
ويزرع الورودَ والنخيلَ والسنابلْ
وأسسَ الزائرُ في مسيرِهِ حضارة
تعلو على الموت...
على الخوفِ...
على الإرهابِ والتفجيرِ
والإجرامِ والتكفيرِ
و الأحقادوالحقارة
دقَّاتُ أقدامِ المسيرِ تعلنُ التحدي
لقد أتى الزائرُ من مدينة العمارة
لن توقفوا مساره...
حتى وإن أعددتمُ مفخَّخاتِ الحقدِ والدمارْ
لن توقفوا الزيارة...
فالزائرُ العاشقُ بين العاشقينَ جندي
دقَّاتُ أقدامِ المسيرِ تعلنُ التحدي
لن توقفوا الزيارة...
الفاشلونَ قبلَكم
قد حاولوا أن يوقفوا الزيارة
فقتَّلوا رجالَنا
وقطَّعوا أيديَنا
وصادروا أموالَنا
وحاصروا طريقنا
وأجروا الماءَ لكي يندرسَ القبرُ
ولكنْ هُزِموا
وانتصرَ القبرُ
وقد سطَّرَ تاريخُ الدَمِ انتصارَه
الزائرُ الثائرُ من مدينة العمارة
يمشي وأقدامُ المسيرِ طبعتْ
في أرضهِ الجسارة
وفجأةً...
رأى على طريقهِ وحشَ البشرْ
فجَّرَ زواراً وراحَ للجحيم وانتحرْ
...
توقف الزائرُ في منتصف الطريقْ
وعاد للبيتِ وفي أحشائِهِ
يستعرُ الحريقْ
وجنَّدَ الأولادَ للمعركةِ الجديدة
وسار في طريقه ليفتدي العقيدة
وعاد بالأولاد في ثورته العتيدة...
خطوتهُ ثابتةٌ
صرختهُ عاليةٌ
ونفسُهُ جاهزةٌ
للحظةِ الشديدة
جئتُ بكم يا أيها الأولادُ كي ترابطوا
حتى ولو رأيتمُ العشَّاقَ
بالدماءِ قد تشحَّطوا
فليسَ بيننا هنا
منهزمٌ أو مُحبَطُ
نواصلُ الطريقْ
نطيِّبُ السماءَ بالزفير والشهيقْ
بالنَّفسِ المَهْمُومِ بالمصيبةْ
بصرخة المفجوعِ أو نحيبه
بما يفوحُ من دَمِ الأحرارِ والعبيرْ
يا أيها الأولادُ هيا نكمل المسيرْ
للنَفَسِ الأخيرْ
فليشحنوا قلوبَهمْ غيضاً بنا وليسخطوا
فرايةُ الحسينِ سوف تعتلي
ورايةُ الباطلِ سوف تسقطُ
أنا وأنتم أيها الأولادُ
قد جئنا هنا نثورْ
نجددُ العهدَ مع الدماءِ والنحورْ
ونملأ الآفاقَ بالطيبِ وبالتسبيحِ والسلامِ والبخورْ
مرابطونَ نحنُ في الطريق للزيارة
حتى ولو تقطَّعتْ أشلاؤنا
لن نترك الثغورْ
لن نتركَ الزيارة
نحن هنا جئنا لكي نسابقْ
وروحُنا تهتفُ يا حسينْ
ولا نخاف السوطَ والمشانقْ
لا بدَ أن نأتي إلى القبرِ...
إلى الضريحْ...
فها هناكَ قد ثوى الكليمُ والمسيحْ
وها هناك وارث الخليلِ والذبيحْ
وها هناك قبَّةٌ تحفُها الأملاكُ بالبكاءْ
وها هناك تنحني من حزنها السماءْ
وها هناك قبَّةُ الشموخْ
قد ضُمِّختْ بالدم لكن قد أبت أن تعلن الرضوخْ
وها هناك صرخةُ الدماءْ
في قلبنا تنبضُ كربلاءْ