لحى الله دهرا لو يميل إلى العتبى
ديوان السيد حيدر الحلي
لحى الله دهراً لو يميل إلى العُتبى=لأوسعتُ بعد اليوم مسمعه عَتبا
ولكنه والشرُّ حشو إهابه على=شغبه إن قلتُ مهلاً يزدْ شغبا
له السوءُ لم يُلبس أخا الفضل نعمة ً=يسرُّ بها إلا أعدَّ لها السلبا
على الحرّ ملآنٌ من الضغن قلبه=فبالهمّ منه لم يزلْ ينحت القلبا
يطلُّ عليه كل يوم وليلة ٍ بقارعةٍ=من صرفه تقلع الهضبا
كأنَّ كرامَ الناس في حلقه شجاً=وإلا قذى ً يُدمي لناظره غربا
فيلفظهم كيما يسيغَ شرابه و=تطبقُ عيناه على هدبه الهدبا
وحاربهم من غير ذنبٍ لنقصه=فلست أرى غيرَ الكمال له ذنبا
كأنَّ له يا أعدم الله ظلَّه لديهم=تراثاً فهو لا يبرح الحربا
وأصعبُ حربِ منه يومَ صروفُه من=الشرف السامي ارتقت مرتقى ً صعبا
تخطَّت حمى العلياء حتى انتهت به=إلى حرمٍ للخطب يشعره رُعبا
فما نهنهت دون الوقوف على خباً=ضر بن المعالي فوق رتبته حجيا
ولا صدرت إلا بنفسٍ نجيبة ٍ عليها=مدى الدهر العلى صرخت غضبى
وهوَّن فقدان النساء مؤنَّب يعيب=الأسى لو شئت أو سمعته ثلبا
وهوَّن فقدان الرجال وعنده على=زعمه فيما يرى هوَّن الخطبا
وما كلُّ فقدان النساء بهيِّن ولا كلُّ=فقدان الرجال يُرى صعبا
فكم ذات خدرٍ كان أولى بها البقَا و=كم رجل أولى بأن يسكن التربا
وغير ملومٍ من يبيتُ لفقده=كريمته يستشعر الحزنَ والندبا
فكم من أبٍ زانته عفة ُ بنته وكم=ولدٍ قد شانَ والدَه الندبا
فساقت بمأثور الحديث له الثنا و=ساق بمأثور الملام له السبّا
بل الخطب فقدُ الأنجبين، ومن له=بذلك؟ لولا أنها تلد النجبا
وربّة ُ نسكٍ بضعة ٌ من محمدٍ مضت=ما زهت يوماً ولا اتخذت تربا
غداة قضى عن أهلها الدهر بعدها=وأوحشها من لا ترى من ذوي القربى
وأخرجها من عالم الكون مثلما=له دخلت، لم تقترف أبداً ذنبا
أحبَّ إلهُ العالمين جوارها له=فقضى بالموت منه لها قربا
حليفة ُ زهدٍ ما تصدَّت لزينة ٍ ولا=عرفتْ في الدهر لهواً ولا لعبا
وخبأها فرط الحياء فلم تكن تصافحُ=وجهَ الأرض أذيالها سحبا
فلو أنَّ عين الشمس تقسمُ أنها لها=ما رأت شخصاً لما حلفت كذبا
وغيرَ حجاب الخدر والقبر ما رأتْ=ولا شاهدت شرقاً لدنيا ولا غربا
فلم تُدر إلا بالسماع حياتُها وجاء=سماعاً أنها قضت النحبا
وأما هي العنقاء قلتَ فصادقٌ و=لكن مقام الاحترام لها يأبي
وما هي إلا بضعة ٌ منمحمدٍ أجلُّ=بني الدنيا وأعلاهم كعبا
وأرحبهم بيتاً، وأوسعهم قرى ً=وأطولهم باعاً وأرجحهم لبّا
رطيب ثرى ً منه تحيِّ وفودهُ محيّاً=بأنداء الحيا لم يزل رطبا
وتلمسُ منه أنملاً هنَّ للندى=سحائب فيها علِّم المطرُ السحبا
ولو نُسبتْ شهبُ السماء بأنها=بنوه إذن تاهتْ بنسبتها عجبا
غدا مركزاً للفضل ما لفضيلة ٍ=جى فلكٌ إلا وكان له قطبا
له حبَّبتْ كسبَ الثناء سجيّة ٌ بها=وهو طفلٌ نفسه شغفت حبّا
وأحرزها عبدُ الكريم شقيقه=فأصبح في كسب الثنا مغرماً صبّا
على أنه البحرُ المحيط وولده=جداول جودٍ كان موردُها عذبا
رضا الفخر هادى المكرمات ومصطفى=جميع بني العلياء ندبٌ حكى ندبا
غطارفة ٌ زهرُ الوجوه لو أنهم بها=قابلو أشهب السما أطفأ الشهبا
بني المصطفى أنتم معادن للتقى=وأرجح أرباب النهى والحجى لبا
رقى صبركم أفعى الخطوب فلم تكن=لتضجركم يوماً ولو أوجعت لسبا
فلا طرقتكم نكبة ٌ بعد هذه و=لا ساور التبريحُ يوماً لكم قلبا